احتوت بيانات الميزانية المجمعة للبنوك لشهر أغسطس والتي صدرت في الأسبوع الماضي على مفاجآت كبيرة فيما تضمنته من أرقام حيث انخفض إجمالي الموجودات والمطلوبات بنسبة 2.4% ونحو 14.5 مليار ريال، وانخفضت ودائع العملاء بنحو 29.6 مليار ريال، وانخفضت ودائع البنوك المحلية لدى بنوك في الخارج بنحو 34 مليار ريال، فيما ارتفعت ودائع البنوك الخارجية لدى البنوك المحلية بمقدار 6.2 مليار ريال، وارتفعت جملة القروض والتمويلات بمقدار 18.8 مليار ريال، فما دلالة هذه الأرقام وما أسباب هذه التغيرات وما تأثيراتها على مجمل الأوضاع الاستثمارية في البلاد بما في ذلك بورصة قطر؟
يمكن الإشارة بداية إلى أن هذه التغيرات الكبيرة قد حدثت نتيجة مباشرة لتغير معطيات السياسة النقدية في قطر في عام 2011، والتي تمثلت في خفض سعر فائدة إيداع البنوك لدى مصرف قطر المركزي على مرحلتين-آخرها في شهر أغسطس- إلى 0.75%، وتغيير الضوابط في آلية سوق النقد القطري المعروفة بإسم QMR بحيث لم يعد بإمكان أي بنك إيداع أموال لدى المركزي بموجب الآلية المذكور إلا في حدود ما له من احتياطيات إلزامية. كما أنها جاءت في إطار تغير في السياسة المالية يقضي بطرح أوذنات خزانة شهرية بقيمة 4 مليار ريال (في شهري يوليو وأغسطس)، لاستخدام حصيلتها في تمويل جانب من النفقات الحكومية، وبزيادة اعتماد الشركات والمؤسسات شبه الحكومية على الاقتراض من البنوك المحلية لتمويل التوسع في استثماراتها، في ظل مشاكل في السيولة لدى البنوك الأوروبية والأمريكية.
هذه التغيرات في مجملها ساهمت في حدوث ما شهدناه من تحركات كبيرة في الميزانية المجمعة للبنوك لشهر أغسطس، وبوجه خاص ما يلي:
• أن ودائع الحكومة والقطاع العام قد انخفضت بنحو 20.5 مليار ريال إلى 95.5 مليار ريال، في الوقت الذي حصلت فيه المؤسسات شبه الحكومية على قروض بقيمة 18.4مليار ريال، أي أنه كانت هناك حاجة كبيرة للسيولة من جانب المؤسسات شبه الحكومية بوجه خاص، لمواجهة التزامات ناشئة، فواجهتها بالسحب من ودائعها والاقتراض من البنوك المحلية.
• أن القطاع الخاص قد سحب من ودائعه أيضاً بمقدار 7.7 مليار ريال، وقد يكون ذلك ناتج عن تحول لشراء أصول أخرى كالذهب على ضوء ما حدث في الشهر السابق من ارتفاع كبير في سعر الأونصة.
• أن البنوك المحلية قد اضطرت للسحب من ودائعها بمقدار 34 مليار ريال، في مواجهة سحوبات القطاع العام والخاص المشار إليها أعلاه.
• أن نسبة القروض إلى الودائع قد ارتفعت إلى 105.5% نتيجة تراجع الودائع وزيادة القروض والتمويلات.
ويفهم من هذه الأرقام والتطورات أن البنوك المحلية واجهت تقلصاً في السيولة المتاحة لديها خلال شهر أغسطس، على نحو يستدعي معالجة خاصة على نحو ما، ومن ذلك:
- التوقف عن طرح أوذنات الخزينة الشهرية التي يقوم بها مصرف قطر المركزي لصالح وزارة الاقتصاد والمالية، أو تقليص الكميات المطروحة إلى النصف، وشراء بعض الأوذنات التي يتم استحقاقها دون إصدار ما يقابلها.
- زيادة الودائع الحكومية لدى البنوك المحلية عن طريق تسييل دولارات من الحسابات الخارجية لمواجهة النفقات المعتمدة في الموازنة العامة للدولة.
- تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي من مستواها المرتفع حالياً والبالغ 4.75% إلى 3%، وهو ما يؤدي إلى استرجاع البنوك لقرابة 6 مليار ريال من أموالها المودعة لدى مصرف قطر المركزي بدون فوائد.
إن هذه الإجراءات تبدو ضرورية في الأسابيع القادمة، باعتبار أن ما يحدث من اضطرابات في الأسواق المالية العالمية، قد يؤثر سلباً على أوضاع البورصة القطرية، وقد يدفع المحافظ غير القطرية إلى زيادة مبيعاتها الصافية من الأسهم القطرية. كما أن إقدام بعض الشركات القطرية كالمناعي والإجارة والمتحدة على رفع رؤوس أموالها بالاكتتاب سوف يشكل ضغوطاً إضافية على السيولة المتاحة للتداول في البورصة.
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله جل جلاله أجل وأعلم.