أحمد بزيع الياسين رائد تجربة البنوك الاسلامية في الكويت

13/09/2011 5
د. محمد الشبشيري

فقدت دولة الكويت والعالم الاسلامي الجمعة الماضية واحدا من أهم رجالاتها الاقتصاديين هو الشيخ أحمد بزيع الياسين [رحمه الله] عن عمر يناهز الثمانين عاما، والذى حاز قصب السبق في العمل على إيجاد بديل شرعى للمعاملات المالية التقليدية، في وقت لم يكن في الأسواق غير ذلك النوع من المعاملات، وكانت ولادة الفكرة عندما بدأ العمل في التجارة ورغب في الحصول على تمويل ولم يكن في الكويت سوى فرع لبنك أجنبي في منتصف الخمسينات.

فذهب الشاب آنذاك إلى مدير الفرع الأجنبي شارحا له أن هناك أدوات شرعية لها أسسها وفلسفتها في بطون الكتب الفقهية ومستفادة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، بالإضافة إلى التطبيقيات الشرعية التي عملت بها لأمة الإسلامية طيلة قرون خلال مسيرتها الحضارية وقبل أن تبتلى بدخول الاستعمار الغربي إلى بلدانها، ومعها بعض مؤسساتها ومن بينها البنوك التقليدية التي تعتمد الفائدة كأساس لتعاملاتها، في الوقت الذي تحرم الشريعة الإسلامية الفائدة المصرفية حيث تعد من الأعمال الربوية لالتزامها بصيغة القرض المترتب عليه فائدة، وبالتالي فهناك حلول شرعية تعتمد على المتاجرة والمشاركة والمضاربة والإجارة والمرابحة وغيرها من الأدوات الإيجابية التي تحل الربح مكان الفائدة وتجعل عناصر الإنتاج الحقيقي تتضافر مع النقود بحيث لا تعمل النقود بمفرها وتظل وسيلة للتبادل ومعيار للقيمة وليست أداة لخلق مزيد من النقود.

وأمام النقاش الدائر بين الشاب الطموح ومدير الفرع الأجنبي لم يقتنع الأخير بما قاله هذا الشاب، بل وتهكم على الفكرة وأصر مدير الفرع على أن الأدوات التقليدية أكفأ مما يقول، ظل حلم رؤية التطبيقات الشرعية في الواقع عالقا في ذهن الرجل حتى بداية السبعينات، تلك الفترة التي شهدت فورة النفط وسيولة في الفكر الاقتصادي الإسلامي من خلال مجموعة من العلماء المتخصصين من أمثال الدكتور عيسى عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس والذي كان يحمل نفس الفكر والهم الذي كان يحلم به الشيخ أحمد بزيع الياسين [رحمه الله] وكان يعمل على نشره وترويجه.

وبدأت أولى الخطوات بالتفكير بانشاء شركة عالمية للتجارة، ووضع النظام الأساسى لها في الوقت الذي بدأت الخطوات أيضا بتأسيس بنك دبي الاسلامى بدعم فكري مباشر من الدكتور عيسى عبده وليتم الإعلان عن تأسيس أول بنك إسلامى فى دبى وفى منطقة الخليج، وبالتالى تحولت الفكرة نحو توسيع فكرة إنشاء الشركة العالمية للتجارة إلى تأسيس بنك إسلامى هو بيت التمويل الكويتي والذى أسس في عام 1977 إلا أن مؤسسيه كانوا قد شاركوا في تأسيس بنك دبى الإسلامي وبل والمساهمة في رأس ماله، وقد كان للاقتناع الحكومي بالفكرة أثر إيجابي في دعم الفكرة بل والمشاركة الحكومية والتي مثلت نسبة 49 % في رأس مال بيت التمويل الكويتي وخلق مؤسسة تأخذ شكل الشركة المساهمة وكان أحمد بزيع الياسين [رحمه الله] أول رئيس لمجلس إدارة بيت التمويل الكويتي.

وبالتالي تم افتتاح بيت التمويل الكويتي رسميا في مارس من عام 1978 في ظل مرسوم أميري خاص يشتمل على نظام أساسى فريد يتيح لبيت التمويل الكويتي قبول الودائع والاستثمار في كل أشكال الاستثمار المتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ويحافظ على الأداء الشرعيى لبيتك ويحمية من القوانين التي قد تتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية.

وفى لقاء معه ليحكى لنا بدايات التجربة وتحدياتها فقال رحمة الله عليه لقد رزقنى الله ببدرين بدر عبد المحسن المخيزيم ليكون ساعدى الإداري الأول والذى كان يعمل مديرا في بنك الكويت المركزى ليعمل مديرا في بيت التمويل الكويتي ويكون مسئولا عن الجوانب الفنية، أما البدر الثانى فهو الشيخ الدكتور بدر المتولي عبد الباسط والذى كان يعمل كأحد أهم العلماء الشرعيين في الموسوعة الفقهية في وزارة الاوقاف لكى يتم استقطابه في بيت التمويل الكويتي ليكون بمثابة أول مستشار شرعي لبيتك.

وبالتالى توسع العمل المصرفي الإسلامى في كل من الكويت ودبي ومصر والسودان واتسعت دائرة المعاملات الشرعية فكان إنشاء اتحاد المصارف الإسلامية بالتنسيق بين البنوك الإسلامية القائمة، والمتمثلة في مجموعة بنوك فيصل وبنك دبي الإسلامى وبيت التمويل الكويتي ليصل عدد المصارف الإسلامية إلى 25 مصرفا في منتصف الثمانينات، ويفرز الاتحاد مجموعة كبيرة من الدراسات الفكرية الإسلامية التي تروج للمفاهميم الاقتصادية وفق معاملات تتفق مع الشريعة الإسلامية.

وتستمر مسيرة البنوك الإسلامية إلى أن تخلى الشيخ أحمد بزيع الياسين [رحمه الله] عن منصب رئيس مجلس الإدارة في بداية التسعينات إلى رفيقه السيد بدر المخيزيم الذي أصبح رئيس مجلس إدارة بيتك، وينتقل الشيخ أحمد بزيع الياسين [رحمه الله] ليكون رئيسا لهيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل الكويتي ويتحول من المنصب التنفيذى ليعود إلى منصب فكري مساندا وداعما للفكرة وتطبيقاتها، والغريب أن عام 2011 شهد تنازل العم أحمد بزيع الياسين [رحمه الله] عن رئاسة هيئة الفتوى والرقابة الشرعية ليتولي مسئوليتها فضيلة الأستاذ الدكتور عجيل جاسم النشمى العالم الجليل الذي تربى في الأزهر الشريف وتتلمذ على يد الشيخ الجليل بدر المتولي عبد الباسط، كما شهد العام نفسه تسليم مجلس الإدارة من السيد بدر المخيزيم إلى السيد سمير النفيسي والذي كان نائبا لرئيس مجلس الإدارة ليتولى رئاسة مجلس الإدارة، وليتولى المدير العام ابن المؤسسة السيد محمد سليمان العمر ليكبر بيت التمويل الكويتي ويصبح مجموعة بيتك بحجم موجودات تصل إلى ما يقارب 13 مليار دينار كويتي حوالى 40 مليار دولار أمريكى.

وليتوسع وينتشر من الكويت إقليميا ليكون بيت التمويل الكويتي التركي، وبيت التمويل الكويتي الماليزى وبيت التمويل الكويتي البحرين وبيت التمويل الكويتي السعودى وبيت التمويل البحرين الأردن، بالاضافة الى مجموعة كبيرة من الشركات المساهمة المتخصصة فى شتى المجالات الاستثمارية ولتنتشر الفكرة التي حلم بها الشيخ أحمد بزيع الياسين [رحمه الله] في ربوع العالم وتصبح مطلبا عالميا وللتسع دائرة العمل المصرفي الإسلامى لتستحوذ على أكثر من 50 % من السوق ويصبح بيت التمويل الكويتي أول بنك اسلامى في منطقة الشرق الأوسط والبنك الأول والأكثر استقطابا للودائع في الكويت، رحم الله الفقيد وأدخله فسيح جناته والدعاء كل الدعاء ان تستمر المسيرة وأن يرزق الله الأمة الاسلامية برجال صادقين يحملون هم الإسلام من أمثال الشيح أحمد بزيع الياسين [رحمه الله] الذي كان يري أن أصغر عامل في المؤسسة يعد مشاركا في صناعة الأداء والأرباح مثله مثل أي مدير مسئول في المؤسسة، مما يوحي بأنه لا يستخف بأي أحد في أي مكان كان فكل له قدره في الموضع الذي وضعه الله فيه.