هل بدأ العد التنازلي لتسارع تدهور سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى؟ وهل يعكس قرار وكالة ستاندرد آند بور للتصنيف الائتماني بخفض درجة تصنيف الولايات المتحدة من AAA إلى AA+ "سلبية" مثل هذا التوجه؟ صحيح أن التصنيف ظل بدون تغير لدى وكالتين أُخريتين هما موديز وفيتش عند الفئة الممتازة AAA، إلا أن موديز غيرت النظرة من مستقرة إلى سلبية ونوهت فيتش إلى أن التصنيف سيبقى تحت الضغوط في الفترة القادمة.
وكانت الإدارة الأمريكية قد توصلت إلى حل وسط مع الكونجرس يحول دون إعلان إفلاس الخزينة الأمريكية ويتلخص في السماح للإدارة برفع سقف الدين العام على مرتين بنحو2.4 تريليون دولار مقابل خفض الإنفاق العام بنحو تريليون دولار خلال عشر سنوات، مع تشكيل لجنة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لاقتراح خفض إضافي للإنفاق العام بمقدار 1.5 تريليون دولار قبل نهاية نوفمبر القادم. وهذا الحل الوسط يضمن تأمين الخزانة الأمريكية ضد إشهار إفلاسها حتى عام 2013 -كما يريد الرئيس- كما أنه لن يحتاج بذلك إلى موافقة جديدة من الكونجرس على زيادة سقف الدين العام في المرة الثانية، بما يضمن له عدم الدخول في معركة سياسية حامية في عام الانتخابات في العام القادم.
وإذن فالمشكلة قد وجدت طريقها للحل في الساعات الأخيرة -كما كان متوقعاً- ولكن الحل السحري الذي توصل له الحزبان لا يعني أن المشاكل بالنسبة للدولار قد انتهت، فالدين العام للولايات المتحدة قد تجاوز الآن مستوى الناتج المحلي الإجمالي البالغ 14.5 تريليون دولار، وفي الوقت الذي يتباطأ فيه نمو هذا الناتج وفقاً لأحدث الإحصاءات بحيث نما بنسبة نصف بالمائة فقط في الربع الثاني من العام الحالي، فإن الدين العام قد انفلت من عقاله وسيزداد بسهولة ودون عوائق حتى نهاية عام 2013 إلى مستوى 16.9 تريليون دولار، أي بمعدل زيادة 16% خلال الفترة المشار إليها وذلك قياساً على مستوى العجز السنوي في الإنفاق العام. صحيح أن القانون يقر تخفيضات في هذه الإنفاق، ولكن هذه التخفيضات موزعة على عشرة سنوات أي بما لا يزيد في شقيها عن 250 مليار دولار سنوياً . وهناك احتمال قوي بأن لا تنجح الإدارة في الالتزام لهكذا تخفيضات لأكثر من سبب؛ فمن ناحية سيؤدي خفض التصنيف السيادي على النحو المشار إليه إلى اضطرار الخزانة الأمريكية إلى رفع أسعار الفائدة على سنداتها، وفي ذلك تكلفة إضافية، كما أن عودة التضخم إلى الارتفاع في العامين القادمين من بوابة ارتفاع أسعار الوقود، والسلع الغذائية وارتفاع أسعار الواردات بفعل تراجع سعر صرف الدولار، كل ذلك سيضعف قدرة الإدارة الأمريكية على تنفيذ تعهداتها فيما يتعلق بالشق الخاص بخفض الإنفاق العام على مرحلتين.
والخلاصة أن الثقة في قدرة الإدارة الأمريكية على ضبط موازنتها والتخفيف من العجز المزمن في الموازنة العامة، قد تبخرت، رغم القرار الذي جنب العالم أزمة حدوث انهيار حاد في النظام النقدي العالمي. وبات على العالم أن يتوقع المزيد من التراجع في سعر صرف الدولار، والأهم من ذلك حدوث ارتفاعات متتالية في أسعار الذهب والسلع الرئيسية كالنفط. كما سيكون هناك تراجع في سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية وإن بدرجة أبطأ نتيجة تدخل البنوك المركزية للدول المعنية للحيلولة دون حدوث ارتفاع سريع في أسعار عملاتها مقابل الدولار، وقد حدث شيء من هذا القبيل في الأسبوع الماضي عندما تدخل بنك اليابان المركزي بقوة لوقف ارتفاع سعر صرف الين. كما أن مشاكل الديون السيادية في أوروبا التي لا زالت تهدد الاستقرار المالي في أوروبا تشكل عائقاً دون ارتفاع سعر صرف اليورو مقابل الدولار.
وما يهمنا في نهاية المطاف أن ننتبه في دول مجلس التعاون إلى هذا الموضوع وأن نعمل جاهدين على البحث عن الوقت المناسب لإطلاق عملة خليجية موحدة ترتبط بسلة عملات سرية تشتمل على عملات أخرى غير الدولار مثل الين واليوان الصيني واليورو والفرنك السويسري أو الجنيه الإسترليني. وقد يكون من المفيد على المستوى العالمي العودة مجدداً لنوع من الربط بالذهب حتى لا يستمر سعر المعدن الأصفر في الارتفاع إلى مستويات غير معقولة فيحدث انفجار في فقاعته في يوم ما عندما يتوقف الناس عن ملاحقة سعره والمضاربة عليه بجنون. وقد سبق أن توقعت في مقالات سابقة أن يصل سعر الأونصة إلى 1750 دولار هذا العام، وهو قد وصل في الأسبوع الماضي إلى 1670 دولار أي أنه بات غير بعيد عن هذا المستوى.
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله أجل وأعلم.