العالم يتقشف

03/07/2011 0
محمد العنقري

حبس العالم أنفاسه الأسبوع الماضي لحظة تصويت البرلمان اليوناني على خطة التقشف الحكومية التي قدمتها حكومة باباندريو، حيث كان لعدم الموافقة تبعات كبيرة على منطقة اليورو وبالتالي الاقتصاد العالمي والغريب أننا نعيش هذه الأيام تسابقًا على إقرار خطط تقشف في أغلب الاقتصاديات المتقدمة فقد جرت العادة أن يكون هناك تخوف من عدم إقرار ميزانيات مرتفعة النفقات وكان تمريرها يتطلب جهدًا كبيرًا من الحكومات غير أن الأحوال تبدلت بعد الأزمة المالية العالمية وانكشف واقع وحقيقة الأخطاء السابقة للحكومات التي كانت ترفع إنفاقها من خلال الاقتراض دون حساب لأيام عصيبة قد تأتي وها نحن نعيشها الآن.

إن هذا العام يبدو وكأن العنوان الأبرز فيه هو التقشف كآخر الحلول الممكنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بدول لطالما تباهت بميزانيات جبارة ضخمت بالقروض لسنوات طويلة ليأتي اليوم الذي وجب فيه دفع الثمن باهظا.

وإذا كانت دول اليورو كاليونان وإيطاليا والبرتغال وايرلندا وإسبانيا قد أنساقا وراء التقشف كعنوان بسنواتها القادمة فالأمر قد لا يختلف كثيرًا لدى أمريكا فهي وان كانت حكومتها الديمقراطية تصارع غالبية الكونجرس الجمهورية لرفع سقف الإقراض فإن تخفيض النفقات يبدو أنه الشرط الرئيس لموافقة الجمهوريين على هذا المطلب مما يعني تقشفًا من نكهة أخرى يتم الترتيب له في أمريكا.

كل هذه التحركات لأضخم اقتصاديات العالم تأتي في أعقاب خطط تحفيز مالية ضخمة وغير مسبوقة لا يبدو انها تثمر بشكل كبير إلى الآن سوى أنها أفرزت تحديًا جديدًا وهو التضخم الذي أجبر الصين أهم اقتصاد عالمي الآن على تشديد سياسته النقدية لكبح جماحه مما يعني أولى الإشارات لتقليص حجم النمو لديها وكأنه حالة أخرى من أوجه التقشف.

ويأتي السؤال الأبرز هل ما يتم اتخاذه من تدابير هو ثمن لسياسات قديمة خاطئة أم أنه لخطط التحفيز الترليونية التي أقرت منذ عامين فإذا كان الجواب هو الثانية فمعنى ذلك أن قراءة الأزمة والتعامل معها كان خاطئًا وبالتالي أصبح هناك أزمتان قديمة ومستجدة، فما هو الحل الصحي لكلتيهما؟ وهل التقشف هو الحل الذهبي الأبرز الآن؟ وهل سيضاف إلى قائمة الحلول الخاطئة إذا اكتشف أنه جاء بتوقيت خاطئ ومتأخر؟ هل كان التقشف أول الحلول وليس آخرها؟

إن ما يطرح هذه التساؤلات هو أنها تأتي في أعقاب زيادة بالإنفاق العالمي ثم العودة لخفضه من الدول المصدرة للأزمة التي طالما عزفت على نغمة ضخ الأموال لتحفيز وإنقاذ الاقتصاد العالمي ساندها في ذلك المؤسسات المالية الدولية التي كانت تطالب في حينها الاقتصاديات الناشئة برفع إنفاقها للمساهمة بخطة الإنقاذ الدولية مما ألهب التضخم واستفادت من ذلك صناديق التحوط المملوكة لمؤسسات مالية كبرى أمريكية وأوروبية عندما ضاربت على السلع نظير الطلب المفاجئ الذي كان متوقعًا وارتفعت بموجب ذلك تكلفة المشاريع وكذلك فواتير السلع بكافة أنواعها على الدول الناشئة صاحبة الامتياز بوجود فوائض مالية كبيرة لديها بخلاف ما تأثرت به الدول الفقيرة سلبًا، بل أثر على استقرارها السياسي بينما نسمع لغة مختلفة من تلك المؤسسات الدولية كصندوق النقد حول مخاطر الديون السيادية وضرورة اعتماد التقشف كضرورة للمرحلة القادمة، بينما يسهم الصندوق بمئات المليارات في صندوق الدعم الأوروبي المنشأ لإنقاذ دول المنطقة بخلاف تحذيراته من حجم الدين العام الأمريكي.

التطورات التي يعيشها العالم اقتصاديًا تضفي كثيرًا من الضبابية ليس على مستوى التوقعات بحجم تأثر النمو الكلي، بل على الثقة بنجاعة تلك الخطوات التي يتم التركيز عليها الآن التي تناقض ما تم اتخاذه قبل سنتين فقط وتضع حركة الاستثمار العالمي في وضع لا يحسد عليه خصوصًا في منطقتي الدولار واليورو وشكوك حول مستقبل تلك العملات مما يعني أن الاقتصاديات الناشئة أمامها تحديات كبيرة تستوجب وضع خطط مبكرة للتعامل مع هذه الأجواء الملبدة بالسلبيات والغموض.