على الرغم من التشابه النسبي بين اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه ليس من المنطقي اقتصادياً حشر القطاع العقاري الخليجي في سلة واحدة ومقارنة أداء القطاع العقاري الخليجي أو تقييمه أو الحكم على أدائه وتطوره ككتلة واحدة متشابهة ومستنسخة من بعضها البعض حتى إن تماثل أداء المؤشرات الاقتصادية الكلية لدول المجلس ككل. الحكم على أداء مختلف القطاعات الاقتصادية مرتبط بدرجة كبيرة بمحركات القطاعات المعنية بالدرجة الأولى ومدى تماثل وتشابه المحركات الجزئية التي تؤدي في النهاية إلى تحركات وتغيرات في المؤشرات الكلية المرتبطة بالمتغيرات محل التقييم. لذا، فإن الحكم على أي تشابه أو تحرك لمتغير من المتغيرات الاقتصادية الكلية في أي كتلة اقتصادية، ومنها دول الخليج، يجب أن يخضع للبحث والتمحيص وعدم القفز إلى النتائج التي تصدرها بعض بيوت الاستشارات، التي قد يغيب عنها أخذ الوزن الترجيحي لمختلف الاقتصادات الخليجية وطبيعة سياستها الاقتصادية ونموذج النمو المتبّع، بجانب محركات الاقتصاد الجزئي التي تؤثر في المحصلة في النتائج النهائية للوضع التوازني لقطاع معين والقدرة على المقارنة.
نوعية الطلب وكميته في القطاع العقاري تعد من المحددات الرئيسة للحكم على توجهات القطاع العقاري ككل، خصوصاً أن محددات الطلب على النوع والكم تختلف في دول الخليج تبعاً لمتغيرات عدة تختص بها كل دولة، منها معدل دخل الفرد، الهيكل الديموغرافي الذي يحدد الطلب المحلي، درجة الانفتاح الاقتصادي، توافر مصادر التمويل العقاري، الاستقرار الاجتماعي والسياسي، التوجهات الاقتصادية الكلية، والأهداف الكلية النهائية لصانعي القرار فيما يخص القطاع العقاري ودوره في التنمية الاقتصادية.
لذا، وتبعاً للمعطيات، فإن دخل الفرد يعد من أهم محددات الطلب على الوحدات العقارية، حيث إن معدل دخل الفرد مقياس لقدرة الأفراد على توفير التمويل اللازم لشراء الوحدات العقارية، كما أنه محدد لنوعية الطلب على الوحدات العقارية. فعلى سبيل المثال، فإن ارتفاع دخل الفرد في دولة أو مدينة يعد مؤشراً على ارتفاع الطلب على المنازل والشقق الراقية، بينما يؤشر انخفاض دخل الفرد إلى الطلب على الشقق الاقتصادية بفرض ثبات العوامل الأخرى المؤثرة في أسعار العقار وتوافر المعروض. أما المحدد الثاني للطلب وهو الهيكل الديموغرافي فالمعني به نسبة السكان في شريحة عمرية معينة، فإذا كان الهيكل الديموغرافي يميل إلى كفة الشباب، أي أن أغلبية السكان هم من الشباب، فإن من المتوقع أن يرتفع الطلب بصورة سريعة على الوحدات العقارية، خصوصاً أن تملك المسكن يعد من الأولويات لبدء المشوار العملي. وكمثال واضح، فإن ارتفاع الطلب الحالي على الوحدات العقارية، وبالأخص السكنية في المملكة، يعود إلى الطفرة في شريحة الشباب مقارنة بالشرائح العمرية الأخرى، حيث إن طفرة المواليد التي صاحبت الطفرة الاقتصادية الأولى منذ منتصف السبعينيات، التي أتت متزامنة مع تحسن الخدمات الصحية للأطفال حديثي الولادة أدت إلى طفرة في حجم شريحة الشباب مقارنة بالشرائح العمرية الأخرى في الفترة الحالية. لذا، فالطلب الحالي على الوحدات العقارية، وبالذات السكنية في المملكة، مدفوع بالدرجة الأولى بشريحة الشباب. أما في دول أخرى التي يميل هيكلها الديموغرافي إلى كبار السن أو القريبين من التقاعد مثل ألمانيا الاتحادية، فإن الطلب على الوحدات العقارية والسكنية يتراجع فيها ويكون في الأغلب في حالة ساكنة ـــ على افتراض ثبات العوامل الأخرى كالاستثمار والتملك الأجنبي للوحدات العقارية.
وبالنسبة لدرجة الانفتاح الاقتصادي، فإن هذا المتغير وعلاقته بالقطاع العقاري يرتبط بالدرجة الأولى على إمكانية دخول المستثمر الأجنبي إلى القطاع العقاري كمستثمر أو مستهلك وتأثير ذلك في توازنات السوق العقارية، حيث إن الانفتاح الاقتصادي والسماح بتملك المستثمر أو المستهلك الأجنبي الوحدات العقارية يؤدي إلى تحليل تغيرات السوق بطريقة مختلفة تتضمن شريحتين في جانب الطلب يقابلهما العرض المحلي إجمالاً، خصوصاً أن المتغيرات المؤثرة في المستثمر الأجنبي كمعدل دخل الفرد ووجود التمويل وغير ذلك قد تختلف عن شريحة الطلب المحلي، ما يؤدي إلى تغير في توازنات السوق العقارية.
أما مصادر التمويل العقاري وتأثيراتها في تفاوت السوق العقارية الخليجية، فإن أنظمة الرهن العقاري والإقراض تختلف في دول المجلس، فمنها الإمارات التي تتمتع بنظام تمويل واسع الانتشار أسهم في تضخم فقاعة الأسعار العقارية، ومنها السوق السعودية التي تعاني شح التمويل العقاري لحين إقرار نظام التمويل العقاري بصيغته النهائية. وعليه، فإن تحركات السوق العقارية الخليجية ستختلف حتماً تبعاً لاختلافات سوق التمويل العقاري.
وبناء على ما سبق، يختلف تقييم السوق العقارية الخليجية من دولة إلى أخرى اعتماداً على تفاوت المحددات والمتغيرات التي تؤثر في السوق العقارية، ما يحتم التفريق بين خصائص العرض والطلب وتوازنات السوق في كل دولة، فمنحنى الطلب قد يتفوق على منحنى العرض في المملكة، وقد يكون العكس في دولة أخرى.