لم تعد العلوم الإنسانية مقتصرة على فن من الفنون المادية أو الفكرية التي يحتاج إليها الإنسان في حياته اليومية أو أعماله الخاصة ؛ حيثُ أن متطلبات الحياة العصرية فرضت على الإنسان أن يكون منتج كي يستطيع أن يكون له أثر في مجتمعه وشريك في استمرارية واستدامة الحياة المدنية؛ فحاجة الإنسان لا تتوقف عند نقطة معينة وإنما تختلف عندما تصل الحاجة إلى مفترق طرق الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها مما يزيد إدارة هذا الأمر خطورةً وتعقيداً قد تؤول بتلك الجهود المبذولة إلى هاوية الفشل، وهذا الأمر ينطبق تماماً على حال المنشآت التي تحمل في تفصيلاتها العملية من المخاطر ما قد يكون سبب في عدم تحقيق أهدافها، مما قد يتسبب الأمر إلى الفشل ثم الأنهيارها.
إن إدارة المشاريع فن من فنون علم الإدارة الواسعة حيثُ يرتكز على أسس وأدوات وقواعد مضبوطة بعوامل عديدة تتطلب الرؤية الثاقبة والشمولية في المعلومة كي لا يتم بناء المشروع أو المنشأة على أسس هشة تفقدها السيطرة عند أول هزةٍ اقتصادية، ولعل "إدارة مخاطر المشروع" من تلك الأدوات الهامة التي تمنع حدوث مثل تلك العوامل والمسببات الخطيرة؛ كما أن أي مشروع لا تخلو عملياته التشغيلية والمالية وكذلك البشرية من المخاطر باختلاف درجتها وقوة تأثيرها على المشروع، وهذا ما جعل كثيراً من المشاريع والمنشآت الاقتصادية تدرك أخيراً أهمية هذا الأمر وتخصص له أقسام وبرامج وكوادر متخصصة لترصد وتقيس تلك المخاطر باختلاف صورها، إلا أن الأمر لا يتوقف عند ذلك فقط بل يستدعي إدارة تلك المخاطر بأساليب وطرق احترافية تمنع وتجفف منابع حدوث تلك الأخطار في المستقبل، ولعل الأزمة الاقتصادية العالمية أحدثت وعياً لدى كثير من المنشآت الاقتصادية مما دفعها إلى تفعيل تلك الأدوات الرقابية المعطلة بعد أن أدركت أهميتها وجدواها في تحقيق الآمان للمنشأة.
هناك معوقات في نظري تحيط بهذا الفن والجهاز الرقابي الهام داخل المنشأة مما يحد من أستمراريتها وجودة مخرجاتها ولعل من تلك المعوقات على سبيل المثال عدم التعاون من قبل الأشخاص والذين يمثلون المصدر الرئيس للمعلومة، أما بسبب قصور في فهم طبيعة المهمة وهذا ينجلي بلا شك بمقدمة بسيطة يوضح من خلالها أهمية إدارة ومعالجة المخاطر وأن المستفيد أولاً وأخراً هو شخص مصدر المعلومة سوى كان رئيساً أو مديراً أو حتى موظف، وهناك أخرون يعتقدون بأن إفشاء تلك المعلومات سوف تقلل من شأنهم أمام إداراتهم وأنهم سوف يظهرون في حال العاجزين عن معالجة تلك المخاطر وهذه من المفاهيم المغلوطة والتي غالباً ما تنعكس سلباً على اصحباها عندما تتفاقم المشكلة، والواجب على هؤلاء أن يدركوا بأن المصلحة تقتضي الشفافية و الوضوح في تقديم المعلومات كي لا يكونوا سبباً أو حتى جزءاً من المشكلة ومن ثم يقعوا فيما كانوا يحذرون، ومن المعوقات التي تحد من تحقيق أهداف هذا الفن العملي هو عدم إحساس الموظف - مصدر المعلومة - بالولاء للمنشأة التي يعمل تحت مضلتها مما يجعله غير مبالي وكذلك غير متعاون في تقديم ما يخدم مصلحتة الذاتية وكذلك المصلحة العامة للمنشأة؛ كما أن من أهم العوامل المساعدة على استمرارية هذا الجهاز الرقابي هو متابعة المخرجات والعمل على إصلاحها بشتى الوسائل الممكنة والمتاحة والتواصل مع الاشخاص "مصدر المعلومة" كي يدركوا جدوى هذا العمل ويتفاعلوا أكثر باستمرار.
لا أشك بأن حداثة علم "إدارة المخاطر" وعدم الإدراك بأهمية مخرجاتها جعل لتلك المعوقات وغيرها وجود في مهامها التشغيلية، وبحسب خبرتي الوليدة في هذا المجال تبين لي أن أكثر من 80% من المخاطر التي تواجه المنشآت أو المدراء وغيرهم لا تكون بفعلهم وإنما هي "مخاطر مصدرة" من قبل الغير إن صح التعبير وهذا مالا يدركه بعض الاشخاص حيث أن المخاطر تنقل أحياناً في جزيئات من العملية التشغيلية وكذلك المالية ولا سيما في عمليات التصنيع نظراً لتنوع التكاليف المتداخلة في عملية التصنيع.
إن العقلية الإدارية الناجحة هي تلك العقلية التي تستطيع أن تقود العمل بمكوناته المختلفة و وتكتيكاته المشتركة إلى تحقيق الأهداف المنشودة في إطار بيئي رقابي سليم و بأسلوب مهني متطور ومواكب للتقدم العلمي و التقني الحديث، وهي كذلك وحدها القادرة على تخطي العقبات والتنبه للمخاطر المحتملة قبل حدوثها، ولا يمكن ذلك ما لم يكن هنالك إدارات وأشخاص متخصصين في ذلك وكلاً بحسب حجمه وإمكانية الاقتصادية؛ بل إن واقع التجارة والانفتاح الاقتصادي أصبح يتطلب وجود تلك الأدوات المهمة نظراً للإختلاف الكبير الذي طراء على الاقتصاد بفعل الأزمة، وجعل من العمل التجاري عمل احترافياً ومعقداً وقابل للمرض في أي لحظة لذا، قد قيل "الوقاية خير من ألف علاج".
شكرا استاذ نايف على هذه المواضيع المفيدة حبذا لو تكون على شكل نقاط حتى يسهل الربط بين عناصرها واستيعابها من غير المختصين تحياتي