أعلنت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة في المملكة خلال آذار (مارس) الماضي, حيث أظهرت هذه الأرقام تراجع مستوى التضخم إلى 4.7 في المائة مقارنةً بـ4.9 في المائة خلال شباط (فبراير) 2011, ونحو 5.3 في المائة لكانون الثاني (يناير) الماضي, ليكون بذلك أدنى مستوى للرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة منذ سنة. هذا التراجع في مستوى الارتفاع السنوي لآذار (مارس) من الأرجح أن يكون مؤقتاً نظراً لاستمرار نمو الطلب الكلي المدفوع بالقطاع الخاص والمستهلكين والإنفاق العام خلال هذا العام, وبالذات حين أخذ رفع الرواتب والتوسع في الإقراض من قبل الصناديق الحكومية، وكذلك البنوك التي تمكنت من تجاوز الأوقات الصعبة في العام الماضي وقامت بنجاح بتحسين قوائمها المالية عن طريق تجنيب مخصصات خسائر الائتمان للفترة الماضية والبدء بالتوسع في منتجات الإقراض العقاري وغيرها. كما أن انخفاض أسعار الفائدة يعد أحد أهم أسباب التوسع في منح الائتمان بسبب ارتفاع تكلفة الفرصة البديلة بالنسبة للبنوك.
وبتناول مستوى التضخم لآذار (مارس) تبعاً للتغير في المجموعات الرئيسة المكونة للرقم القياسي لتكلفة المعيشة، يلاحظ أن أكبر ارتفاع شهدته مجموعة السلع والخدمات الأخرى بنحو 8.7 في المائة ومجموعة الترميم والإيجار والوقود والمياه بارتفاع بلغ نحو 8 في المائة. هنا، ونظراً لثبات أسعار الوقود والمياه على أسعارها السابقة، فإن الارتفاع الحاصل في مجموعة الترميم والإيجار والوقود والمياه يعود إلى ارتفاع تكاليف الإيجارات بالدرجة الأولى, ما يدل على أن سوق الإسكان ما زالت تعاني اختلالات تعود إلى ارتفاع الطلب الكلي مقارنة بالعرض الكلي من المساكن على اختلاف أنواعها. وتلي هاتين المجموعتين في نسبة الارتفاع مجموعة الأطعمة والمشروبات التي ارتفعت بنحو 4.9 في المائة, حيث إن الارتفاع في هذه المجموعة قد يعود إلى ارتفاع السلع الغذائية عالمياً، أي أنه يدخل ضمن التضخم المستورد.
ومع ارتفاع أسعار النفط وتجاوز سعر برميل خام برنت 126 دولارا، من الواضح أن الميزانية العامة هذا العام ستكون على أحسن ما يرام حتى مع الإنفاق الاستثنائي المتمثل في الحزمة الاقتصادية الاجتماعية التي بلغت نحو 185 مليار ريال استهدفت تحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين ودعم صناديق الإقراض المتخصصة بالموارد المالية لتتمكن من إقراض المستفيدين الذين هم على قوائم الانتظار. ومن المتوقع أن تبدأ توازنات الاقتصاد بالتغير بشكل نسبي من الاعتماد على الطلب العام والإنفاق الحكومي الذي أخذ مكاناً في العامين الأخيرين لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية لتحفيز الاقتصاد إلى الاعتماد على الطلب الخاص من المستهلكين النهائيين. لكن من المتوقع أن يأخذ هذا التغير وقتاً, خصوصاً أن الإنفاق الحكومي ما زال مستمراً بينما من المتوقع أن يرتفع الطلب الكلي الخاص هذا العام نتيجة للحزمة الاقتصادية الاجتماعية وتحسين الأجور في القطاع العام وتوقع ارتفاع الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص, ما قد يولد ضغوطاً على المستوى العام للأسعار إذا لم تكن القدرة الاستيعابية لمختلف قطاعات الاقتصاد قادرة على امتصاص الارتفاع الكلي الكبير للطلب.
وعليه، فمن المتوقع أن يعود الرقم القياسي لتكلفة المعيشة إلى الارتفاع في المديين القصير والمتوسط حتى تتم إزالة بعض الاختناقات في المجموعات الرئيسة للتضخم وعلى الخصوص في قطاع الإسكان. لذا، فالتحكم في مستوى التضخم يتطلب استهداف كل مجموعة من مجموعات الرقم القياسي لتكلفة المعيشة على حدة, حيث إن التعامل مع التضخم المستورد قد يتطلب تصميم برامج لدعم السلع الغذائية أو إعفاءات جمركية أو باستخدام أسعار الصرف بتزامن مع رقابة حثيثة وقوية على الأسواق للتأكد من أن الدعم يصل إلى المستهلك النهائي ولا يضاف فقط إلى هامش الربح لتجار المواد والسلع الغذائية. وأخيراً، على الرغم من توقعات ارتفاع المستوى العام للأسعار على المديين القصير والمتوسط، إلا أن البرامج الاجتماعية الاقتصادية وإنشاء وزارة الإسكان من المتوقع لها أن تؤدي إلى استقرار مستوى التضخم على المدى الطويل.