تعد المنشآت الصغيرة والمتوسطة العصب الاقتصادي لأي دولة؛ نظراً لارتباطها بمستويات التوظيف بالدرجة الأولى، ومساهمتها المستقبلية والمتوقعة في الناتج المحلي الإجمالي، وتأثيرها في المتغيرات الكلية للاقتصاد، حيث إن صحة المنشآت الصغيرة والمتوسطة ترتبط بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في آن معاً. وعلى الرغم من اختلاف تعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة عالمياً، حيث يعتمد بعضها على حجم العمالة وغيرها على حجم المبيعات السنوية والأصول وغير ذلك، إلا أن الأخذ بتعريف حجم العمالة في المنشآت يشير إلى أن نحو 92 في المائة من منشآت القطاع الخاص في المملكة هي من المنشآت الصغيرة والمتوسطة. إذن، فنهضة الاقتصاد الوطني وتنافسيته منوطتان بنهضة هذه المنشآت ونموها وتطورها ومساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي.
وبعد أن عصفت الأزمة المالية العالمية بجميع دول العالم، ازداد اهتمام جميع دول العالم بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة كما كان الحال في دول الاتحاد الأوروبي التي أصدرت اتفاقية لحماية وتحفيز المنشآت الصغيرة والمتوسطة لحرصها على خلق فرص وظيفية لمواطنيها، خصوصاً أن لسقوط هذه المنشآت آثارا مستقبلية اقتصادية واجتماعية وسياسية ليس بالإمكان تحملها. لذا، وأخذاً في الاعتبار تأثير الأزمة المالية العالمية على اقتصادنا الوطني كغيره من الاقتصادات في السنتين الأخيرتين، فإن الخطوات التحفيزية لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة لم تأخذ مكانتها بعد، على الرغم من التوجه العام في الاقتصاد الكلي لتحقيق المنفعة لها، من خلال حزمة التحفيز الحكومي المعلنة بنحو 400 مليار دولار على مدى خمس سنوات. هذه الحزمة التحفيزية كان أكبر المستفيدين منها بامتياز القطاع العقاري ومقاولو الباطن ومعظمهم ليسوا من السعوديين كملاك نسبياً وكعمالة إطلاقاً؛ يدل عليها ارتفاع تحويلات الأجانب لأكثر من 94 مليار ريال بنهاية عام 2009، أعني أن الملاك بعضهم سعوديين وآخرون من المستثمرين الأجانب، بينما العمالة المستفيدة من العوائد النهائية للإنفاق الحكومي هي عمالة غير سعودية، باستثناء التأثيرات الخارجية التي قد تطول الوسطاء أينما كان موقعهم ضمن عمليات التطوير والإنشاء العقاري.
وعليه، فقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة يحتاج إلى كثير من الاهتمام والمتابعة وتلمس المعوقات وإيجاد الحلول كي يضطلع بالدور المأمول منه. ولتحليل قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لنبدأ من الصفر ولنثير التساؤلات، فماذا تحتاج المنشآت الصغيرة والمتوسطة؟ للإجابة عن هذا السؤال فلنبدأ من الخانة الأولى. تحتاج المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى نموذج العمل الناجح، وتحتاج هذه المنشآت إلى الاستمرارية والتطور. إذن، نحن نتناول هنا ثلاث مراحل تتضمن التأسيس، والاستمرار، والطريق المستقبلي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ولتناول وتفكيك كل مرحلة على حدة، فإن مرحلة التأسيس للمنشآت الصغيرة والمتوسطة تتطلب وجود الفكرة الاستثمارية وتمايزها عن غيرها في جدواها الاقتصادية، بجانب وجود رأسمال مبدئي أو قدرة على الحصول على التمويل بناء على الجدوى الاقتصادية. وهنا قد يكون غياب التاريخ الائتماني في حالة التعامل مع البنوك ــــ وليس بعض الصناديق الحكومية ــــ عائقاً عن أن يكون مانعاً عن التعامل معها، فالبنوك بكل أنواعها ترتضي الربح أولاً وأخيراً، فإذا كان هنالك ثمة ربح ودلالات تشير إليه، فستتجه إليه البنوك. أما مرحلة الاستمرار للمنشآت الصغيرة والمتوسطة فتشمل ضمان الحصول على تمويل رأس المال العامل، حيث توافق هذه المنشآت بين عملياتها وتمويلها وتوقيت استحقاقات العوائد أياً كان المستفيد. وترتبط مرحلة الاستمرار بالمرحلة التالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث إن الاستمرار ليس بتلك الصعوبة حينما يكون نموذج العمل المبتدأ به ناجعا. إلا أن المرحلة الثالثة ممثلةً بالطريق المستقبلي غائبة، فأين طرق تخارج رواد الأعمال في سوقنا السعودية؟ فمتطلبات هيئة السوق المالية صعبة للغاية لإدراج الشركات التي تقوم على مبادرات الأعمال، كما أن رأس المال المبادر لتحويل الشركات من مبادرات وأفكار إلى واقع غائبة أيضاً (وغياب آليات الاستمرارية هذه ونموذجها ذكرها المداخل الأخ العليان ــــ وللأسف لا أذكر اسمه الأول ــــ وأوردها بكل حرفية في مداخلة بمنتدى المنشآت الصغيرة والمتوسطة 2011 في غرفة الشرقية قبل نحو أسبوعين).
وختاماً، لا تحتاج المنشآت الصغيرة إلى من يضمنها بعد التعثر، بل تحتاج إلى من يشير إلى قدرتها على عدم التعثر مستقبلاً من ناحية التمويل، اعتماداً على تاريخها الائتماني وملاءتها المالية، ليس إلا، وبأخذ كل المتغيرات التي تحسب لكل حسبة حسابا، خصوصاً أن المؤسسات المالية شرهة لأن تشارك في نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة واحتلالها مكاناً في الاقتصاد الوطني مستقبلاً.