وقفة مع جلسات المؤتمر المصرفي العاشر

27/03/2011 0
بشير يوسف الكحلوت

استضافت دولة قطر يومي الأربعاء والخميس من الأسبوع الماضي فعاليات المؤتمر المصرفي العاشر لدول مجلس التعاون بمشاركة فاعلة وأساسية من البنوك والمصارف المركزية ومؤسسات النقد، وعدد من البنوك الخليجية، وبتنظيم من مصرف قطر المركزي والأمانة العامة الاقتصادية لدول المجلس. وينعقد المؤتمر في العادة مرة واحدة كل عامين في إحدى الدول الأعضاء، وفي حين استضافت دولة البحرين المؤتمر التاسع فإن المؤتمر القادم سيتم في الإمارات العربية المتحدة في عام 2013. وتختلف المؤتمرات المصرفية عن الاجتماعات الرسمية للجنة المحافظين أو اللجان الأخرى المنبثقة عنها في أنها اجتماعات مفتوحة على وسائل الإعلام، ويشارك فيها ضيوف من القطاع المصرفي الخليجي أو من خارجه وتقدم فيها خلاصة أبحاث ودراسات ويشارك الحضور في مناقشة القضايا المطروحة.

ولقد كان واضحاً من الكلمات الافتتاحية التي قدمها كل من معالي رئيس مجلس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم بن جبر وسعادة المحافظ الشيخ عبدالله بن سعود، أن المؤتمر يركز على ثلاث قضايا رئيسية تحظى باهتمام المسئولين في دول المنطقة، وبوجه خاص في قطاعاتها المصرفية، ألا وهي الاستخلاصات والدروس من تداعيات الأزمة المالية العالمية على بنوك المنطقة ، ومراكز المعلومات الائتمانية ودورها في تعزيز العمل المصرفي، ومسيرة الاتحاد النقدي بعد عام على تأسيس المجلس التقدي الخليجي.

وكان الموضوع الأول عن مراكز المعلومات الائتمانية، وترأس الجلسة الشيخ بندر بن محمد بن سعود الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمعلومات الائتمانية، حيث تم تقديم عدة أوراق عمل عن المراكز في قطر والسعودية والبحرين والكويت والإمارات وأوضح المتحدثون بأن التجربة لا زالت في بدايتها حيث لا يزيد عمرها عن 6 سنوات في المملكة العربية السعودية، وبضع سنوات في الدول الأخرى، وهي لا تزال تجربة وليدة في قطر. ومع ذلك فإن فوائدها كبيرة ليس للعمل المصرفي فقط وإنما في مجالات أخرى عديدة. وأشار مدير المركز السعودي إلى أن تدشين العمل في المركز عام 2004 قد ساعد البنوك على تسريع عمليات الإقراض بحيث باتت الموافقة على طلب التمويل أو القرض تتم بعد نصف ساعة فقط، كما ساهم المركز في تقليص مخاطر الائتمان، وأن إجمالي الائتمان الممنوح للأفراد في المملكة قد تضاعف من 37 مليار فقط في عام 2004 إلى 220 مليار في عام 2010. وقد سنحت لي مداخلة في هذا الموضوع حيث اتفقت مع المتحدثين على فوائد مراكز المعلومات الائتمانية ولكنني تحفظت على مقولة أنها ضاعفت من أحجام الائتمان للأفراد ست مرات، وقلت في مداخلتي إن الائتمان المحلي في كل دول المجلس قد تضاعف عدة مرات في تلك الفترة كنتيجة لعوامل أخرى في مقدمتها ارتفاع أسعار النفط، وزيادة الإنفاق العام، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي. وقد حدث ذلك في دول ليس لديها مراكز معلومات ائتمانية مثل قطر التي افتتحت مركزها قبل أسبوع واحد فقط.

وفي موضوع آخر قاد السيد على شريف العمادي الرئيس التنفيذي لبنك قطر الوطني، جلسة التجارب المصرفية الخليجية في مواجهة الأزمة المالية العالمية، وأشار في كلمته للمؤتمر إلى أن وضع المصارف الخليجية في عام 2010 كان أفضل بكثير مما كان عليه في عام 2009 سواء من حيث الأرباح الصافية أو نمو الودائع والموجودات، وإن اعترف بأن التوسع في الائتمان على مستوى المنطقة كان لا يزال محدوداً . وفي هذه الجلسة تحدث الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني دكتور إبراهيم دبدوب وركز على أهمية الاهتمام بدراسة مخاطر العمل المصرفي وعلى أهمية العمل بقواعد الحوكمة، وإن اعترف بأن الحوكمة في الولايات المتحدة وأوروبا لم تمنع من حدوث الأزمة لديهم. كما أكد على أهمية عدم الإفراط في التوسع عندما تكون الظروف مواتية، لأن ذلك مدخل لحدوث أزمات لاحقة. كما تحدث في الجلسة الدكتور عبد الكريم أبو النصر والدكتور برا ساد من كلية لندن للاقتصاد.

وفي جلسة ثالثة ترأسها الدكتور ناصر القعود نائب الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية بدول المجلس، وتحدث فيها الدكتور سعيد الشيخ ومايكل شيرم من البنك المركزي الأوروبي والدكتور أحمد الخليفي من صندوق النقد الدولي ، وتركزت الجلسة على موضوع الاتحاد النقدي بين دول المجلس. وفي حين لخص رئيس الجلسة ما تم إحرازه من خطوات على هذا الصعيد، وصولاً إلى إنشاء المجلس النقدي الخليجي فإن الآخرين قد تحدثوا عن فوائد الاتحاد النقدي والتحديات التي تقف دون إتمامه حتى اللحظة.

ورغم أهمية الجلسات التي حفل بها المؤتمر إلا أن أهم جلسة على الإطلاق في نظري كانت الجلسة الختامية التي جلس فيها المحافظون الستة برئاسة سعادة الشيخ عبدالله بن سعود آل ثاني لتقييم أعمال المؤتمر. وقد بدأ الدكتور محمد بن سليمان الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي بتقديم ملاحظاته على الموضوعات المطروحة في المؤتمر، واسترعى انتباهي ما قاله بشأن المقارنة بين التجربتين الأوروبية والخليجية في مجال الوحدة النقدية، وكيف أنه ربط التقدم في هذا المجال بتحقيق تقارب فعلي في السياسات المالية وفي إيجاد سوق ائتمانية واحدة وبدون ذلك يتأخر إنجاز المهام المطلوبة لقيام الاتحاد النقدي، وأنه حتى لو قام الاتحاد كما في تجربة اليورو فإن غياب هذين الأمرين يتسبب في حدوث أزمات تعصف لاحقاً بالتجربة على النحو الذي تعيشه بعض الدول الأعضاء في اليورو. وقد كانت تلك إجابة على سؤال لم أتمكن من تقديمه للمؤتمر، ويتلخص في أنه لا توجد خارطة طريق محددة لما تبقى من خطوات على طريق إصدار العملة الخليجية الموحدة. وفي حين أن الأمور كانت أكثر وضوحاً في الفترة السابقة ما بين عامي 2001 و 2010، فإن الأمر لم يعد كذلك بعد إنشاء المجلس النقدي الخليجي.

وثم إنه كانت هناك لفتة كريمة من المحافظين أن تتم الإشادة بالجهود التي بذلها الأمين العام لمجلس التعاون ومساعده للشؤون الاقتصادية الدكتور محمد عبيد المزروعي على مدى ثمانية سنوات تنتهي بنهاية الشهر الحالي، وأن يتم تقديم هدية تذكارية للدكتور المزروعي الذي حضر هذا المؤتمر نيابة عن الأمين العام للمجلس.