إعانة البطالة (بداية الطريق الى السعودة)

19/03/2011 3
د. أنور أبو العلا

مكرمة خادم الحرمين الشّريفين لأعانة البطالة هي واحدة من عدة مكرمات صدرت مؤخرا، الغرض من هذه المكرمات جميعها هو رفع مستوى معيشة الشعب السعودي بكل فئاته.

كذلك الغرض من هذه المكرمات جميعها هو ان يكون تأثيرها حقيقيا ودائما لرفع مستوى معيشة الفئات المستهدفة بحيث لا تنتقل - نتيجة لسوء التنفيذ - فوائد هذه الأعانات الكريمة من الفئات المحتاجة لهذه الرعانات الى الفئات التي لا تحتاجها.

لا شك ان أهم فئة تستحق الاهتمام بها هي فئة الشباب الذين لديهم القدرة والرغبة الجادة للعمل ولكن لا يستطيعون قبول الأعمال المعروضة عليهم لأن اجورها أشبه ماتكون باجور السخرة (اي اعطاء الأجير أقل ممّا يستحقه) لا تكاد تسد الأساسيات الضرورية التي تتطلبها حياتهم.

السبب الأساسي في انخفاض اجور العمال السعوديين هو السماح لرجال الأعمال باستقدام عمالهم من أرخص بلاد العالم بطريقة لا تجيزها انظمة دول العالم باستثناء انظمة دول مجلس التعاون.

من المتناقضات الغريبة في سياسة السعودة التي تتبناها وزارة العمل انها ترفض وضع حد أدنى لأجر العامل السعودي ولكنها تسمح بوضع حد أعلى على اجر العامل السعودي.

سترد وزاة العمل بحدّة قائلة: لا تتبلى علينا - زورا وبهتانا - متى وضعنا حدا أعلى على أجر العامل السعودي؟ وردي على وزارة العمل انكم وضعتوه (ولا مجال للأنكار) لأنه بمجرد سماحكم لرجال الأعمال باستقدام عمالهم من أرخص و أفقر بلاد العالم فإن الأجر الذي يكفي ويقبله العامل الأجنبي هو الحد الأعلى - يفرضه الواقع - على أجر العامل السعودي لأنه لا يوجد رجل اعمال في شتى بلاد العالم يستطيع الحصول على مهندس يكلفه اربعة آلاف ريال - مثلا - يرضى عن طيب خاطر ان يستبدله بمهندس له نفس المؤهلات يكلفه اكثر من اربعة آلآف ريال.

اذن اجر العامل الأجنبي يعتبر هو الحد الأعلى الذي سيفرضه رب العمل على العامل السعودي الذي لديه نفس المؤهل ونفس القدرات و الا سيعتبره عاطلا بأختياره (كما افتى اكاديميو مجلس الشورى) وبالتالي سيكون الوضع تماما كما لو ان وزارة العمل وضعت مادة (مكتوبة بالحبر المخفي) في نظام العمل يفرض حدا أعلى على راتب العامل السعودي.

ليس - بالضرورة - أن تضعوا حدا ادنى للأجور ولكن بالضرورة يجب ان تزيلوا حواجز فرض حدود عليا على اجور العمال السعوديين التي يفرضها الأمر الواقع بأيقاف الاستقدام.

كي تؤتي مكرمة ملك الأنسانية ثمارها يجب ان تكون الأعانة هي الخطوة الجادّة الاولى في طريق سعودة سوق العمل فهي وسيلة - اذا احسنتم استخدامها - فعالة للتعرف على العدد الكلي للعاطلين المحتاجين للعمل في المملكة ومن ثم فرز العاطلين الى فئات كالتالي:

اولا: القادرون المؤهلون الجادون الراغبون حقا في العمل فهؤلاء يجب فورا توظيفهم بأجور لا تقل - بأي حال من الأحوال - عن الأجور التي يتقاضاها أمثالهم الذين اسعفهم الحظ (لا نقول الواسطة) في الحصول على وظائفهم.

ثانيا: القادرون الجادون الراغبون في العمل ويحتاجون لفترة اعداد وتأهيل فيجب اعدادهم وتأهيلهم ومن ثم توظيفهم بأجور لا تقل - بأي حال من الأحوال - عن الأجور التي يتقاضاها العمال أمثالهم في الدول التي لها نفس مستوى الدخل في المملكة.

ثالثا: العاطلون العاجزون تماما عن العمل ويحتاجون - فعلا - للإعانة فهؤلاء ينطبق عليهم الذي ينطبق على المستحقين للضمان الاجتماعي.

السؤال من اين نأتي بالوظائف التي تكفي لهذه الأعداد الهائلة من العاطلين؟ هذا السؤال لا يمكن ان يسأله الا جاهل بخفايا سوق العمل في المملكة لأن الوظائف موجودة وتستحدث - بالهبل - كل يوم في القطاع الخاص لكنها مفصّلة للاستقدام.

اختم مقال اليوم بأن أحد الأسباب الأساسية في حدوث البطالة لدينا هو وجود مادة بالحبر المشفّر (لا يراها الا رجال الأعمال) في نظام العمل والعمال تضع حدودا عليا لأجور العمال السعوديين.