مَن يتخذ القرار؟

09/03/2011 6
محمد العمران

كان الاعتقاد سائداً أنه نتيجة للاضطرابات السياسية التي شهدتها بعض دول المنطقة، فإن الأموال الساخنة من الأجانب غير المقيمين (من خلال اتفاقيات المبادلة والصناديق الاستثمارية) هي سبب رئيسي للهبوط الحاد الذي شهدته السوق المالية السعودية خلال شباط (فبراير) الماضي, وهذا بالطبع سلوك متوقع من الأموال الساخنة الأجنبية في مثل هذه الظروف، إلا أن تقرير التداول الإحصائي الصادر من شركة تداول خلال شباط (فبراير) أظهر لنا مفاجأة من العيار الثقيل حيث بيّن لنا أن الأجانب غير المقيمين لم يهربوا من السوق كما كان متوقعاً، بل كانت مشترياتهم تعادل مبيعاتهم من الأسهم!

اللافت في التقرير أنه أظهر لنا أن مَن كان يبيع الأسهم هم الأفراد السعوديون (وليس الأجانب) وهذا دليل على أن الأموال الساخنة التي هربت من السوق هي في الدرجة الأولى "أموال سعودية"، وهو مع الأسف سلوك لم يتغير منذ أكثر من عامين وزادت وتيرته أخيرا. أما ما يتعلق بالشراء، فالتقرير أوضح أن الشركات السعودية والصناديق السعودية هي التي كانت تقوم بالشراء خلال ذلك الشهر, وهو ما يتفق مع ما ذكره معالي وزير المالية لقناة العربية عندما ألمح معاليه إلى أن المؤسسات المالية شبه الحكومية (مثل المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة التأمينات الاجتماعية) قامت بالشراء بسبب الأسعار الجذابة لأسعار الأسهم, وهو أمر نتفق جميعاً عليه لأن أسعار الأسهم في السوق السعودية الآن أصبحت جذابة فعلا للشراء.

لكن اسمحوا لي أن نتوقف قليلاً عند مسألة مهمة جداً، فما نعلمه جيداً أن الأصول الاستثمارية المدارة من قبل المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أو حتى تلك المدارة من قبل الصناديق الاستثمارية هي في الأساس أصول مملوكة للمشتركين في هذه المؤسسات والصناديق، حيث تلعب الدولة والشركات الاستثمارية دور المؤتمن على إدارة هذه الأصول (لا أقل ولا أكثر) بهدف تحقيق أفضل عائد استثماري ممكن للمشتركين الذين هم في الغالب موظفو الدولة وموظفو القطاع الخاص وصغار المستثمرين، وبالتالي فإنه من المفترض أن يكون القرار الاستثماري لهذه المؤسسات والصناديق قراراً مستقلاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى بعيداً عن أي ضغوط سياسية أو مجاملات اجتماعية.

هنا أنا لا أقول إن الدولة هي التي تتخذ القرار الاستثماري في هذه المؤسسات والصناديق, ولكنني أقول إنه يجب أن يكون هناك فصل تام بين إدارة هذه المؤسسات والصناديق من طرف، والدولة من طرف آخر، بما في ذلك الفصل في هيكلة مجالس الإدارات والإدارات التنفيذية، وأعتقد أن معالي الوزير (الذي نكن له كل احترام وتقدير) يدرك أهمية كلامي هذا جيداً وربما يتفق معي فيه. وإن كانت الدولة مشكورة ترغب في عمل آلية لصناعة السوق أو آلية لتوازن السوق فأعتقد أن ذلك يجب أن يتم من أموال الدولة الذاتية بعيداً عن أموال هذه المؤسسات والصناديق، وإلا فإن الدولة قد تعرض نفسها للمسؤولية المباشرة أمام المشتركين فيما لو تعرضت هذه المؤسسات والصناديق لخسائر لأي سبب من الأسباب.