الاستثمارات وإعمار المدينة الاقتصادية

02/03/2011 10
محمد العمران

بينما كنت أقلّب أوراقي القديمة، وقع تحت يدي تصريح صحافي لمعالي محافظ الهيئة العامة للاستثمار نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" بتاريخ 21 ديسمبر 2005م، حيث ذكر معاليه أن قيمة الاستثمارات في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية ستصل إلى 100 مليار ريال، وأن المدينة ستوفر 500 ألف فرصة عمل جديدة، وأنه يتوقع انتقال أول مجموعة من السكان إلى المدينة في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات من ذلك التاريخ! أيضا، هناك تصريح صحافي آخر للرئيس التنفيذي في شركة إعمار المدينة الاقتصادية نشرته صحيفة "الرياض" بتاريخ 15 أيار (مايو) 2008، ذكر فيه هذا المسؤول أن الاستثمارات التي استقطبتها المدينة خلال النصف الأول من عام 2008 فاقت 50 مليار ريال!

في الحقيقة لا أدري ماذا أسمي هذه التصريحات والأرقام التي لا تستوعبها العقول، لكني على كل حال سأستعرض معكم بعض الأرقام الرسمية التي أعلنت عنها الشركة من واقع قوائمها المالية في نهاية 2010 (وليس في نهاية 2008) حتى تكون الصورة واضحة أمام الجميع، حيث تشير القوائم المالية إلى أن العقارات تحت التطوير بلغت قيمتها 1.1 مليار ريال فقط في حين أن العقارات الاستثمارية لم تتجاوز قيمتها 3.4 مليار ريال فقط، بينما بلغ إجمالي الإيرادات المتراكمة منذ تأسيس الشركة وحتى الآن قيمة لا تتعدى 453 مليون ريال فقط لا غير، بل إن المضحك أن إجمالي إيرادات عام 2010 كاملا لم تتعد 91 مليون ريال، علما أنها أخذت منحى تناقصيا بالمقارنة بعام 2009.

أما إذا نظرنا إلى نتائج الأعمال، فالشركة تحقق تفاقما في صافي الخسائر المحققة عاما بعد عام، حيث بلغ صافي الخسائر 583 مليون ريال في عام 2010 و309 ملايين ريال في 2009 و292 مليون ريال في 2008، حيث بلغ رصيد الخسائر المتراكمة الآن نحو 1.2 مليار ريال. المشكلة أنه في 2010 سجل رصيد النقدية انخفاضا إلى 339 مليون ريال، في حين تشير التدفقات النقدية من الأنشطة التشغيلية إلى وجود عجز بقيمة 327 مليون ريال، مما يدل على أن الشركة لا تملك رصيدا كافيا من النقدية، ولم تتمكن حتى الآن من خلق تدفقات نقدية موجبة، وهو ما سيكون لها تأثيراته السلبية في قدرة الشركة على تنفيذ المشروع مستقبلا.

الآن وبعد مرور أكثر من خمسة أعوام على تصريحات معالي المحافظ، ومرور أكثر من عامين على تصريحات الرئيس التنفيذي، من الواضح أن هناك فروقا شاسعة بين التوقعات المستقبلية من طرف والنتائج المحققة على أرض الواقع من طرف آخر؛ مما يؤكد لنا عدم واقعية التوقعات من البداية. والأهم أن هناك تلاعبا في استخدام الألفاظ، حيث تبين لنا أن كلمة "الاستثمارات" كلمة مبهمة لا تعني أي شيء لا للمشروع ولا للشركة، بدليل أن أصول الشركة اليوم لم تتعد حاجز التسعة مليارات ريال. وإن أصر سعادة الرئيس التنفيذي على أنه قد تم فعلا جذب استثمارات بقيمة تزيد على 50 مليار ريال حتى النصف الأول من 2008، فيحق لنا أن نتساءل: أين هذه الاستثمارات (على الأقل في ذلك الوقت)؟ ولماذا لم تستفد الشركة من هذه الاستثمارات حتى الآن؟