أثر الأحداث الأخيرة في أسواق النفط والغاز العالمية (1 من 2)

01/03/2011 1
د.أنس الحجي

لا شك أن أحد الكتاب الفرنسيين كان مصيبا عندما قال ما معناه: إذا كان سقوط جدار برلين حادثة تاريخية، فإن سقوط جدار الخوف في بعض الدول العربية أيضا حادثة تاريخية. لكن سقوط جدار الخوف في هذه الدول، خاصة في مصر وليبيا، بنى ''جدرانا'' متعددة من الخوف في العالمين الغربي والشرقي، بعضها يتعلق بالخوف من حصول عجز في إمدادات النفط والغاز.

هذا الخوف العالمي له ما يبرره، خاصة إذا كان ما شاهدناه في مصر يعود بشكل رئيس إلى ما يمكن تسميته بـ ''صراع الأجيال''، وليس فقط إلى صراع حول رحيل الرئيس أو نظامه. بعبارة أخرى، مستقبل أسواق النفط والغاز العالمية سيكون مختلفا إذا افترضنا أن الصراع الحالي هو في الغالب ''صراع أجيال'' بدلا من الفرض أن أغلبه ''صراع سياسي''. فإذا أخذنا بالفرض الأول، فإن الاضطرابات ستستمر، وستزيد ذبذبة أسعار النفط والغاز، ولفترة طويلة من الزمن. بينما ستكون الاضطرابات، وبالتالي الذبذبة في الأسعار، أقل ولفترة أقصر، إذا أخذنا بالفرض الثاني. إضافة إلى ذلك، إذا صح الفرض الأول، فإن كل الإجراءات الاقتصادية والإصلاحات السياسية التي اتخذتها الحكومة المصرية لإرضاء الشارع المصري لن تجدي، وبالتالي فإن فترة التغيير والاضطرابات التي تصاحبها ستكون طويلة، وستلقي بظلها على أسواق النفط والغاز العالمية.

''صراع أجيال'' أم ''صراع سياسي''؟

هل ما شاهدناه في بعض الدول العربية بشكل عام وفي مصر بشكل خاص، هو ثورة ''خبز'' وثورة ''جياع'' وثورة ''عاطلين عن العمل''؟ أم أنها كانت ثورة ''حرية''؟ ما الشيء الذي فقدوه وهم في أمسّ الحاجة إليه؟ هل ما نراه الآن هو تكرار لظاهرة الصحابي الجليل بلال بن رباح عند اختياره بين الخبز والحرية، فاختار الحرية رغم خسارته للخبز، ورغم التعذيب؟ (بالمناسبة، هناك كتيب عن بلال نشر منذ سنوات طويلة بعنوان ''خبز وحرية'')، وهل ما نراه من تصرفات بعض الحكام الذين سقطوا هو تكرار لظاهرة ''أبو جهل'' الذي سقط أيضاً؟

ليس هناك شك في أن العوامل الاقتصادية والسياسية والفساد الإداري لعبت دورا مهما في فوران الشارع العربي بشكل عام، والمصري بشكل خاص، إلا أن هذه العوامل موجودة منذ زمن بعيد، وهناك أدلة على أن الوضع الاقتصادي كان في فترة من الفترات أسوأ مما هو عليه في الفترات الأخيرة، ولم تحصل مظاهرات كالتي شهدها ميدان التحرير. رغم أنه لا يمكن تجاهل هذه العوامل، إلا أنه من الواضح الآن أن ''الثورة'' كانت ثورة ''حرية''، وبالتالي فهي تعكس صراعا بين جيلين، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى عدم انتهاء هذا الصراع مجرد مغادرة زعيم البلاد أو نظامه للحكم، وبالتالي فإن استمرار هذه الاضطرابات يعني استمرار أسعار النفط والغاز في مستويات أعلى مما كان متوقعا من قبل، وبذبذبة أعلى مما كان متوقعا بكثير.

إن تركيبة عقل الإنسان الحر تختلف تماما عن تركيبة عقل الإنسان العبد، أو المستعبد، أو المقهور. و ما نراه الآن هو صراع بين الأهل الذين عاشوا تحت الظلم والقهر لعقود، وعشعش الخوف في قلوبهم وخلاياهم، الأمر الذي جعلهم يحابون الأنظمة الديكتاتورية ويؤثرون السلامة، وبين الأبناء الذي عاشوا أحراراُ في عالمهم الخاص: عالم الألعاب الإلكترونية والإنترنت والفيس بوك وتويتر. بعبارة أخرى، عزلت الألعاب الإلكترونية والإنترنت الجيل الجديد، وخففت كثيرا، وربما ألغت، تأثير الجيل القديم فيه، فلم تنتقل عدوى ''الخوف'' إليهم. من هنا نرى أن كثيرا من العائلات المصرية كانت تعارض خروج أولادها للتظاهر في الشوارع، لكن الأولاد تمردوا على الأهل، وشاركوا في ثورة سيذكرها التاريخ. من هذا المنطلق، كانت الثورة ضد الخوف الموروث، وهدمت جدار الخوف، لكنها لم تهدم الجدار الفاصل بين العقلية القديمة والعقلية الجديدة. وبما أنه من المنطقي أن تكون القيادات السياسية والدينية من الجيل القديم، فإنه من الصعب التوافق بين الفئتين، الأمر الذي يفسر عدم قدرة قادة النظام المصري السابق على فهم المتظاهرين، وعدم قدرة القادة الحاليين على فهمهم أيضا. لذلك فإن المظاهرات ستستمر، والاضطرابات ستستمر، حتى لو تمت الاستجابة لمطالب المتظاهرين. من هنا نستنتج أن الصراع هو صراع أجيال، وليس صراعا سياسيا أو اقتصاديا فقط. وقد تكون الفجوة بين جيلين تاريخية تشبه إلى حد ما الفجوة التاريخية التي وجدت بين الأبناء والآباء عندما جاء الإسلام، أو في بداية حكم صلاح الدين الأيوبي، أو تلك التي أسهمت في تحرير الدول العربية من الاستعمار في بدايات القرن التاسع عشر.

لا يمكن القول إنها ثورة جياع وعاطلين عن العمل لأن الشباب في ساحة التحرير كانوا يستخدمون أحدث التلفونات الذكية لبث شجونهم للعالم، والتي لا يمكن لجائع أن يدفع ثمنها. ثم جاءت إضرابات العمال لتثبت أن الأمر لا يتعلق بالجائعين ولا بالعاطلين عن العمل فقط. لقد مرت فترات صعبة على مصر كان فيها عدد الجياع أكبر، وعدد العاطلين عن العمل أكبر، ومع ذلك لم يثر الشعب المصري, لذلك فإن الثورة الأخيرة هي ثورة ... حرية.

دور ''الإنترنت'' و''فيسبوك'' وتويتر''

لا يمكن القول إن الإنترنت وفيسبوك وتويتر هي السبب في هذه الثورات، خاصة الثورة المصرية. هذا النوع من المظاهرات ليس جديدا على المصريين, حيث إنه حصل عدة مرات في الماضي. كل ما علينا هو العودة إلى رواية ''عودة الروح'' للأديب المصري الشهير توفيق الحكيم وقراءة صفحات منها لندرك أنها تبدو وكأنها كتبت في الأسابيع الأخيرة، لكن من دون سعد زغلول.

كما سلف، فإن الإنترنت وألعاب الفيديو أسهمت في بناء جيل جديد يختلف عن سابقه في أنه جيل حر، وبما أن حياته تتمثل في الوجود في هذا العالم الافتراضي، فإن أي تضييق على هذا العالم الافتراضي يعني القضاء على الحياة، لذلك كانت ردة الفعل قوية دفاعا عن الحياة. وبما أن الإنترنت وألعاب الفيديو عزلت هؤلاء عن آبائهم وأمهاتهم ومجتمعهم، فإن ردة فعلهم على تضييق الحريات لم تكن مماثلة لردة فعل الأهل وبقية المجتمع، بل كانت مماثلة للعقول الحرة في الغرب: التظاهر من دون اللجوء للعنف رغم توافر السلاح.

إضافة إلى ذلك فإن تويتر وفيسبوك أسهما في تخفيض تكاليف المظاهرات، وجعلاها أسهل تنظيما وأكثر فاعلية، كما أنهما قللا من عدد القتلى والجرحى بسبب توافر المعلومات بسرعة. مثلا، في المظاهرات القديمة، كان يأتي الجيش ويقتل العشرات حتى يدرك الناس في آخر المظاهرة ما حصل في أولها. أما الآن فإن المعلومات متوافرة للجميع عن تحركات الجيش والشرطة حتى قبل وصولهم للمتظاهرين.

إذاً، التكنولوجيا أسهمت في ولادة جيل جديد حر يختلف عن سابقه، كما أسهمت في تخفيض تكاليف التظاهر، وزادت من فاعلية وكفاءة المظاهرات.

كان ما سبق فرضية مهمة لتوقعات معروض وطلب وأسعار النفط والغاز لأنها تفترض أن الأمور لن تستقر بمجرد تغيير قائد أو حكومة أو نظام، وستتم مناقشة أثر الأحداث في أسواق النفط والغاز العالمية في المقال القادم ـــ بإذن الله.