غطى الانتصار المدوي لثورة الشعب في مصر على كل ما عداه من فعاليات وأحداث، وبات من الصعب على المرء أن يكتب شيئاً دون أن يستهل ذلك بالإشادة بهذا الإنجاز العظيم الذي أكرم الله به مصر الحبيبة وشعبها الطيب العريق. وأنني في هذا اليوم الأغر لأدعو الله العلي الكبير أن يكلل ذلك النصر بالنجاح التام في إعادة مصر إلى مكانتها القيادية في عالمنا العربي وأن يكون ذلك فاتحة خير وبركة على شعوب الأمة العربية بأسرها. لقد كان لهدير أصوات المتظاهرين في شوارع مصر وميادينها على مدى أيام الأسبوع الماضي تأثير لا شك فيه على اقتصاديات المنطقة وبورصاتها، وهو ما شد الانتباه إليه بعيداً عن تطورات أخرى مهمة حدثت في قطر وكان لها تأثير قوي على أداء البورصة القطرية؛ وأقصد بذلك القرار الهام الصادر عن مصرف قطر المركزي بوقف عمل فروع البنوك الإسلامية للبنوك التقليدية، وما تلاه من تداعيات وردود أفعال اضطرت المصرف إلى إصدار بيانه الصحفي لتوضيح وشرح دوافع إصدار القرار ومبرراته. وقد سبق أن كتبت عن هذا الموضوع مؤيداً ومبيناً ما رأيته في حينه أسباباً جوهرية للقرار، وأجد نفسي اليوم بحاجة إلى كتابة مقال آخر عن الموضوع على ضوء ما جاء في بيان المصرف المركزي من نقاط هامة تسترعي الانتباه.
وبداية أشير إلى أن المركزي هو الجهة الإشرافية والرقابية على كافة البنوك العاملة في قطر-باستثناء البنوك التي تعمل تحت مظلة مركز قطر للمال- وأنه تقع على عاتقه بحكم القانون مهمة حفظ الاستقرار المالي واستقرار النظام المصرفي في البلاد، باستخدام ما يتوافر لديه من أدوات مصرفية فضلاً عن مهمة ضبط الأسعار باستخدام أدوات السياسة النقدية. ولقد تعرض الاستقرار المالي للبنوك إلى هزة كبيرة في عامي 2008 و 2009من جراء تداعيات الأزمة المالية العالمية، وبارتفاع معدل التضخم إلى أعلى مستوى له في تاريخ قطر بوصوله إلى نحو 16.5% في الربع الثاني من عام 2008. ورغم أن الحكومة القطرية بالتنسيق مع مصرف قطر المركزي قد قامت بواجبها في مواجهة التداعيات، وقدمت كل الدعم المطلوب للبنوك الوطنية، إلا أن الأزمة أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك وجود خلل في النظام المصرفي القطري، وأن هذا الخلل بحاجة إلى معالجة قبل أن تستفحل أخطاره أو أن يتسع مداه.
وفي تقديري أن أول مظاهر الخلل قد تمثل في وجود طاقات تمويل إسلامي بأكثر من احتياجات الاقتصاد القطري مما أثر سلباً على نتائج البنوك الإسلامية في عامي 2009 و 2010. الجدير بالذكر أنه يوجد في قطر أربعة بنوك إسلامية هي المصرف والدولي والريان وبروة، إضافة إلى 7 فروع إسلامية لبنوك تقليدية، وعدد من البنوك العاملة في مركز قطر للمال. ولأن قطر تعيش في اقتصاد مفتوح، لذا فإن تنفيذ المشروعات المستقبلية بما فيها مشروعات المونديال لا يمكن أن يتم بتمويل محلي فقط وإنما قد تشارك فيه بنوك خارجية بما يشعل المنافسة بين البنوك المحلية والإسلامية منها على وجه الخصوص، ولهذا تحرك مصرف قطر المركزي ليحمي استقرار النظام المصرفي بوقف عمل الفروع الإسلامية للبنوك التقليدية.
ولأن المخاطر التي تتعرض لها البنوك الإسلامية قد تختلف في بعض جوانبها عن تلك تحدث مع البنوك التقليدية، لذا فإن التعليمات الصادرة عن المركزي لكل حالة تختلف عن الأخرى، وقد وجد مصرف قطر المركزي من خلال مراجعاته المعتادة لحسابات البنوك التقليدية التي لديها فروعاً إسلامية أن التزاوج بين النوعين من البنوك تحت مظلة واحدة يخلق إشكاليات في الحيلولة دون انتقال مخاطر التمويل الإسلامي إلى المركز المالي للبنك الأم. وستزداد عمليات الإشراف والمراقبة صعوبة بتنامي القيود التي تضعها المؤسسات الرقابية الدولية على أعمال البنوك بما في ذلك تعليمات وضوابط مجلس الخدمات المالية الإسلامية، من ناحية، وتعليمات بازل3 من ناحية أخرى.
وبالتجربة وجد مصرف قطر المركزي أن قدرته على وضع وتنفيذ سياسة نقدية ملائمة لتحقيق الهدف الأبرز المتمثل في ضبط الأسعار ومنع خروج التضخم عن السيطرة قد أصبح صعب المنال بعد تعدد أشكال العمل المصرفي في قطر ما بين بنوك تقليدية وأخرى إسلامية وثالثة تجمع بين النوعين، ورابعة لا تعمل تحت مظلته وإنما تخضع لمركز قطر للمال. وقد كان ذلك أحد الأسباب التي أخرجت معدل التضخم من عقاله فوصل إلى ما وصل إليه في عام 2008 من ارتفاع شاهق، لم يكن ليحدث لو أن المركزي كان يحكم الرقابة على كل البنوك. الجدير بالذكر أنه كانت هناك توجهات لإعادة توحيد الرقابة المالية والمصرفية منذ ربيع عام 2008، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن. وقد أعطى تدهور معدل التضخم إلى ما دون الصفر في عامي 2009 و 2010 للمركزي فسحة من الوقت لمراجعة سياساته وأدواته، وأصبح مطالب اليوم باتخاذ خطوات جوهرية لمنع خروج معدل التضخم عن السيطرة خاصة بعد أن عاد المؤشر إلى الارتفاع من جديد وخرج من المنطقة السالبة، ومثل هذا الأمر ليس بالأمر السهل في ظل نظام مصرفي متعدد الأشكال.
وبالنتيجة فإن ما قام به المصرف المركزي من قرارات قد تبدو للبعض بأنها غير صحيحة أو غير عادلة، هي في حقيقة الأمر قرارات ضرورية وهامة لتصحيح خلل أصاب النظام المصرفي في السنوات القليلة الماضية وبات من الصعب السكوت عليها وإلا تعرض النظام المصرفي والاقتصاد القطري بوجه عام في المستقبل إلى مخاطر عديدة يصعب مواجهتها بدون تضحيات جسيمة. وبدلاً من إضاعة الوقت في الاحتجاج على تلك القرارات، فإن من الأنسب البحث عن السبل الكفيلة بتنفيذ تلك القرارات بأقل قدر من الخسائر ، وبما يصب في مصلحة الاقتصاد القطري ككل.
يعطيك العافية استاذ / يوسف على هذا المقال الذي سلط الضوء على حيثيات ودوافع المركزي القطري باصدار قراره بوقف المصارف التقليدية من تقديم نوافذ اسلامية. لازال المهتمين بالبورصة القطرية في انتظار مقال منكم عن دراسة مقارنة لاداء البنوك القطرية المختلفة من ناحية الموجودات ومستويات الائتمان والربحية.......ويحدونا الآمل بمعرفة من هو المستفيد الأكبر من المصارف القطرية من فوز قطر في كأس العالم ......لاشك بان QNB سوف يكون في مقدمة هذه البنوك ولكن كيف ومن يليه ، وماهي حظوظ التجاري والريان وبروة من المنافسة على هذه الكعكة ......تحياتي لقلمكم التحليلي الرائع.
آسف قصدي استأذ / بشير الكحلوت
يا أخ مشاري وعدتك أن أكتب يوماً في هذا الموضوع ولكن أرجو أن تُمهلني حتى أتصيد الوقت المناسب فإجراء الدراسات ليس بالأمر الهين ويحتاج إلى بعض التفرغ على أي حال يمكنك أن تقرأ مقالي ليوم غد بعنوان هل الجهاز المصرفي بحاجة إلى بنك جديد في ظل عصر الإندماجات، وفيه ترى أن البنوك حصلت على دعم قوي من الحكومة مكنها من الصمود في وجه الأزمة المالية العالمية. وعن سؤالك عن المقارنة بين البنوك يمكن القول ما يلي * أنه حسب نتائج عام 2010 فإن الوطني في المقدمة بأرباح تمثل 46.2% من إجمالي ارباح كل البنوك. ويأتي في المرتبة الثانية البنك التجاري بنسبة 13.3% فالمصرف الإسلامي بنسبة 10.8% فالريان بنسبة9.8% فالدوحة بنسبة 8.5% فالدولي الإسلامي بنسبة 4.5% فالخليجي بنسبة 3.5% وأقل منها للأهلي. * مشروعات المونديال ليست بتلك الكعكة الضخمة فتكلفتها لو توزعت على 8 سنوات لن تزيد عن 20 مليار سنوياً فإذا ما توزعت هذه المبالغ على البنوك القائمة وعلى بنوك مركز قطر للمال فإن حصة أي منها ستكون محدودة ، ولكني مع ذلك أحسب أن بنوك مثل الريان والخليجي وبروة ستنال حصة مهمة ترفع نسبة ارباحهما في السنوات القادمة، وسيكون ذلك على حساب الوطني