ثقافة التكريم !

16/01/2011 6
سليمان المنديل

عندما هممت بركوب القطار في بريطانيا، سألت الموظف عن تكلفة التذكرة، وذكر لي القيمة، ثم استدرك هو من ذاته، وسألني إن كنت قد تجاوزت سن الخمسين؟ وعندما أجبت بالإيجاب، تطوع وأفادني أن الكلفة هي النصف، وفي حالات أخرى يحصل كبار السن، والمعاقون، على خدمات مجانية، ولذلك نجد أن النقل الجماعي في كل دول العالم، هو معان من قبل الحكومة، لأن الفوائد المجنية على الوطن، والاقتصاد، تفوق أضعاف أضعاف كلفة الإعانة، ومن تلك الفوائد تقليل الحوادث، ومن ثم التكاليف الطبية، والنفسية، والاجتماعية، وتخفيف حالات الازدحام، بكل ما يعنيه الازدحام من خسارة اقتصادية، وهناك تكاليف مرتبطة بالبيئة، نتيجة تأثير عوادم السيارات، وفي حالة المملكة، حيث الوقود معان، وما يعنيه ذلك من إسراف، وسوء استخدام، وتهريب إلى الدول المجاورة، وتفويت فرص تصدير تلك المحروقات، كدخل وطني، بالأسعار العالمية.

إن ذلك التكريم لكبار السن، والمعاقين تنضم إليه أنـواع أخـرى عديدة من التكريـم، لشرائـح مختلفة من المجتمع. ولننتقل إلى حالنا هنا، وننظر إلى شريحـة واحـدة، وأعني موظفي الحكومـة الذين يتقاعـدون، مـاذا ينتظرون؟ وماذا يتوقعون بعد خدمة طويلة؟؟ الحقيقة المرة هي أنه لا يوجد في محفظة أي موظف متقاعد بطاقة تعطيه تميزاً ما، أو أولوية في خدمة يحتاجها، سواءً كانت حجز سرير في مستشفى، أو معاملة خاصة من الجهات التي يحتاج استخراج وثائق، أو بطاقات خاصة منها، أو أولوية في الدخول والخروج من المطارات، أو. أو...!!! كلها كانت ستمثل لفتة إنسانية، بأقل التكاليف، ونحاكي بها غيرنا ممن أجادوا ذلك العمل التكريمي، ولا يكفي أن يقول أحدٌ إن أبواب المسؤولين مفتوحة لتكريم، أو حل أي مشكلة، لأنني أتحدث عن وجود نظام مكتوب، ومقروء، ومعروف، لكل الموظفين الذين خدموا الوطن.

أعترف أن هذا المقال يأتي من وحي حالة إنسانية أعرفها، وملخصها هو أن مسؤولاً بمرتبة وكيل وزارة، وكان يتولى إدارة مرفق حكومي، اقتصادي، هام، كتب الله عليه أن يتعرض إلى حادث أقعده، وقضى السنتين الأخيرتين قبل التقاعد، يوزع وقته بين العلاج الطبيعي، والذهاب إلى المكتب بواسطة كرسي متحرك، ولم يقلّ عطاؤه عن الـ (35) سنة، التي عملها. وشخصياً لا أعترض على مبدأ تقاعده، لأنني من المؤيدين لمبدأ عدم التمديد، لمن يصل سن التقاعد، وذلك لإتاحة الفرصة لدماء جديدة، ولكننا كلنا نعرف أن مرحلة التقاعد قد تترك المتقاعد في حالة كآبة، وقد قيل إن كلمة متقاعد تعني "مت قاعداً"، فكيف الحال بالنسبة لمن مر بحادث، وهو ما زال في كامل قدرته على العطاء؟ لماذا لا يوجد لمثل تلك الحالات وضع خاص، كأن يعين مستشاراً، لأن من واجب الوطن أن يرد الجميل لأولئك، بإبقائهم أصحاء جسمانياً، وذهنياً.

هل نحن نطلب الكثير؟ وخيرنا قد وصل كل أصقاع العالم؟؟