قبل إنهاء هذه السلسلة من المقالات بتقديم شرح مقنع لسلوك دول ''أوبك'' ودورها في أسواق النفط العالمية، لا بد من مناقشة تهمة ''الاحتكار'' وإذا ما كانت ''أوبك'' ''منظمة احتكارية'' أو ما يسمى بالإنجليزية ''كارتل'' أم لا. وفي هذا السياق سيتم في حلقة اليوم عرض حجج من يتهم ''أوبك'' بالاحتكار، بينما سيتم نقضها وتقديم أدلة تثبت أنها ليست ''كارتل'' في الأسبوع القادم ـــ بإذن الله. يذكر أن استخدام كلمة ''كارتل'' في الإعلام الغربي ومن قبل السياسيين في الغرب يعكس عداءَ مستفحلاً للنفط ودول النفط، ويسيء إلى النفط وأهله لأن كلمة ''كارتل'' في الدول الغربية تشير إلى ''مصاصي الدماء'' الذين يستغلون حاجات الناس.
باختصار، لا يمكن أن تكون ''أوبك'' منظمة احتكارية، ووصفها بالاحتكار يتعارض مع مبادئ العلم والمنطق، ويتناقض مع أدلة كثيرة، كما أنه يتناقض مع المبادئ القومية والوطنية لدول ''أوبك''. والحديث في الجملة الأخيرة ذو شجون، خاصة عندما تقوم الصحف الوطنية في دول ''أوبك'' بترجمة الأخبار عن الصحف الأجنبية التي تصف ''أوبك'' بأنها احتكارية، وتقوم الصحف المحلية بطباعة هذا الوصف الذي له انعكاسات خطيرة، ويتعارض مع الموقف الرسمي لحكوماتها مع أن بعضها ناطق رسمي للحكومة! الكلام هنا ليس عن آراء ومقالات، إنما عن ''أخبار'' تنشر في صحف دول ''أوبك''، وتذكر فيها كلمة ''كارتل''.
النعيمي وكلمة ''كارتل''
ذكرت الأخبار منذ نحو عام ونصف أن وزير البترول السعودي المهندس علي النعيمي، في لقاء صحافي بعد اجتماع لـ ''أوبك'' في فيينا، انتقد استخدام صحافية أمريكية اسمها ماليسا فرانسيس من محطة ''سي إن بي سي'' كلمة ''كارتل'' وطلب منها استخدام كلمة ''منظمة'' عندما سألته السؤال التالي: متى تعتقد أننا سنصل إلى مستوى 75 إلى 80 دولارا للبرميل, الذي يبدو أن كل الأعضاء في الكارتل متفقين على أنه نوع من سعر التوازن؟
عبر الوزير عن استيائه بقوله: عليك أن تكوني حذرة بوصفك ''أوبك'' بأنها كارتل، يسيئني أن أسمع ذلك. فردت عليه الصحافية: ولماذا؟ فقال الوزير: الكارتل لا ينطبق على ''أوبك''. أعرف أن الإعلام يستخدم كلمة كارتل بشكل انتقاصي، لكن الأمور يجب ألا تكون كذلك. فسألته الصحافية: ما الكلمة الأفضل؟ فرد الوزير: إنها منظمة.
هذا الحوار القصير، رغم بساطته، يعكس مشكلة كبيرة تواجه دول ''أوبك''. فموقف الوزير ليس صحيحا فقط، بل هو موقف وطني يتوافق مع مصلحة السعودية و''أوبك''. إلا أنه ليس هناك نظريات علمية تدعم موقف الوزير، وذلك لعدم وجود فكر نفطي وثقافة نفطية يتبناها مثقفو وجامعات دول ''أوبك'' تمكنهم من إنتاج هذه النظريات والأفكار التي تجابه النظريات التي تطرحها الجامعات الغربية، وهو الأمر الذي ما زلت أطرحه منذ سنوات طويلة, والذي يتمثل في ضرورة إنشاء فكر عربي نفطي وثقافة نفطية. فوجود فكر عربي نفطي أصيل وثقافة نفطية سيقدم النظريات التي تحتاج إليها الدول النفطية لشرح ودعم مواقفها، كما أنه سيواجه العداء الممنهج للنفط ودول النفط في الدول الغربية، الأمر الذي طرح في عدد من المقالات سابقاُ عن ''أكدمة العداء للنفط''. وإذا كان على الصحافيين الغربيين ألا يصفوا ''أوبك'' بأنها كارتل، فإن الأولى بالصحافة الخليجية ألا تستخدم كلمة كارتل عند نشر خبر مترجم عن ''أوبك''.
ماهية ''أوبك''
شاع وصف ''أوبك'' بأنها ''كارتل'' في الإعلام الغربي، كما شاع ضمن الساسة في الغرب، وبناء على ذلك انتشرت الكلمة بين المثقفين العرب والإعلام العربي. إلا أن أغلبية الباحثين والمتخصصين في مجال النفط اليوم، بمن في ذلك الذين وصفوا ''أوبك'' بأنها كارتل في السبيعنيات، يعتقدون أن ''أوبك'' ليست ''كارتل'' يتصرف كأنه منظمة واحدة. لكن الأحداث بعد عام 1999 تشير إلى احتمال تغير في سلوك ''أوبك''، خاصة بعد تبني ''أوبك'' النطاق السعري في ذلك الوقت، وزيادة عدد اجتماعاتها التي أصبحت في وقت من الأوقات اجتماعات شهرية بدلا من الاجتماعات الفصلية، كما أنها قامت بتغيير سقف الإنتاج بشكل متكرر لم تفعله من قبل. كما أن البيانات تشير إلى أن التغيرات في إنتاج السعودية تتوافق مع التغيرات في إنتاج الدول الأخرى بشكل لم يسبق له مثيل. هذه التغيرات أقنعت البعض بأن ''أوبك'' أصبحت ''كارتل''. لكن باحثين آخرين يرون أن السعودية ما زالت اللاعب الرئيس في السوق، خاصة أنها هي التي تبدأ عادة بتغيير الإنتاج. ويشيرون إلى أن تغير إنتاج دول ''أوبك''، وبعض دول خارج ''أوبك'' بشكل يتناغم مع تغير الإنتاج السعودي لم يكن اختياريا، لكنه كان نتيجة عوامل فنية أو سياسية أو طبيعية. وسيتم عرض ملخص للرأي اليوم، وسيتم عرض ملخص الرأي الثاني في الأسبوع المقبل ـــ بإذن الله.
ملخص الأدلة على أن ''أوبك'' ''كارتل''
1- تشير السجلات التاريخية إلى أن ''أوبك'' بنيت بشكل يحاكي مصلحة سكة حديد تكساس، التي كانت تسيطر على إنتاج النفط في الولاية، رغم أن النفط مملوك ملكية خاصة، ورغم وجود آلاف المنتجين. حتى يومنا هذا نجد أن أهداف المنظمة هو تنسيق الإنتاج بين الدول الأعصاء لتعظيم منفعتهم، تماما كما فعلت مصلحة سكة حديد تكساس.
2- منذ ولادة المنظمة عام 1960 حتى يومنا هذا تعقد الدول الأعصاء اجتماعات دورية للتنسيق في مجالات السياسات النفطية والإنتاج والأسعار، والاجتماعات الدورية أو التنسيق بين الأعضاء من صفات ''الكارتل''.
3- تاريخيا، قامت المنظمة في كثير من الحالات بتخفيض الإنتاج لرفع الأسعار، وهذا أيضا من صفات الكارتل.
4- ''أوبك'' تستخدم الحصص الإنتاجية، واستخدمت في فترة من الفترات النطاق السعري وحاولت الدفاع عنه، وهذه أيضا من صفات الكارتل.
5- سعر النفط أعلى بكثير من تكلفته الحدية، وهذا يعني وجود قوة احتكارية ترفع السعر، الأمر الذي يمكن الدول المنتجة من الحصول على أرباح احتكارية. وجود الأرباح الاحتكارية وضخامتها من أكبر الأدلة على أن ''أوبك'' كارتل.
6- خلال الـ 40 سنة الماضية، استطاعت دول ''أوبك'' تحويل ثروات طائلة من الدول المستهلكة إلى الدول المنتجة، الأمر الذي يعكس قوتها السوقية على رفع الأسعار وتحويل الثروات.
وعلى الرغم من وجود أدلة أخرى، إلا أن ما ذكر أعلاه هو أقواها، وسيتم نقضها في مقال الأسبوع المقبل وتقديم أدلة إضافية تسهم في فهم سلوك دول ''أوبك''.