«بونص» 2010

18/12/2010 3
د. قصي الخنيزي

في نهاية كانون الأول (ديسمبر) من كل عام تزدحم أقسام المحاسبة والمالية والأقسام الأخرى في الشركات والبنوك؛ لإغلاق الحسابات ومراجعة الدفاتر وعمل جرد لنتائج العام المالي المنصرم إذا كانت السنة المالية مرتبطة بالأشهر الميلادية، وهو الحال في عدد كبير من منشآت القطاع الخاص. هذه الفترة بالذات تعتبر مرحلة لمراجعة الأداء الكلي للمنشآت بصورة تتعدى التقييم البسيط الذي قد يعتمد على الأداء الشهري أو الربعي، وتصل إلى التقييم السنوي الكلي لأداء مختلف الأقسام والوحدات التي تشكل حلقات مترابطة في الشركات والمؤسسات. فالأهداف الكلية يتم تقسيمها في معظم المنشآت سنويا بالطريقة نفسها التي يتم فيها تحديد الميزانيات والتكاليف المحتملة والأداء المتوقع عاما بعام. فمع أهمية التقديرات الشهرية والربعية، تبقى التقديرات السنوية مقياسا ومعيارا لجودة الأداء والقدرة على تحقيق الخطط المرسومة قبل ذلك بعام كامل. لذا، فنهاية العام الميلادي في كانون الأول (ديسمبر) تماثل وقت استلام شهادة نهاية العام لطلاب المدارس، حيث يتم تلخيص الأداء السنوي بأرقام تمثل قيمة كبيرة لجميع الأطراف ذات العلاقة من مُلاك ومساهمين وموظفين وموردين وزبائن وعملاء. وعلى الرغم من كون نتائج نهاية العام عبارة عن تراكمات للنتائج اليومية والأسبوعية والشهرية والربعية، إلا أن لنتائج نهاية العام أثرا نفسيا كبيرا؛ كونها مرتبطة بالتخطيط السنوي لعام كامل مقبل وتقييما للأداء المتحقق في عام كامل مقارنة بالمخطط له من قبل، أي القدرة على تحقيق الأهداف المرسومة بدقة بشكل يضمن تحقيق مسار واضح لمستقبل المنشآت في الفترات المقبلة.

وبالنسبة لموظفي القطاع الخاص، فإن نهاية العام تعتبر فترة مهمة لهم مقارنة بموظفي القطاع العام؛ وذلك لاختلاف هيكل المكافآت والحوافز والزيادات بين القطاعين، خصوصا أن القطاع العام لا يربط الحوافز والزيادات والمكافآت المادية بالأداء ومستويات الإنتاجية؛ لكون الزيادات السنوية في القطاع العام مرتبطة بنظام ثابت وجامد يعتمد على سنوات العمل ونظام الدرجات والمراتب السنوية بغض النظر عن مستويات الإنتاجية والربحية. لذا، قد يكون النظام الجامد للحوافز والرواتب غير المرتبط بالإنتاجية والإنجازات في القطاع العام أحد أهم أسباب تدني مستوى الإنتاجية والأداء وعدم الكفاءة؛ نتيجة لغياب الحوافز وتأثير ذلك على مستويات الرضا الوظيفي. أما في القطاع الخاص – وليس كل القطاع الخاص بالطبع، فإن هيكل المكافآت والحوافز يعتمد على أداء المنشأة الكلي في الدرجة الأولى ونسبة مساهمة أو دور كل قسم من الأقسام في تحقيق الأداء والإنجازات بجانب دور كل موظف في كل قسم في تحقيق النتائج مقارنة بباقي الموظفين. وإضافة إلى دور أداء الموظفين والأقسام في تحقيق أهداف المنشآت، إلا أن هناك عوامل ومتغيرات أخرى قد تؤثر في مستويات المكافآت أو ''البونص'' بطريقة غير مباشرة، منها تراجع أداء قطاع المنشأة، فقْد عميل أو مورد أساسي، أو تراجع الأداء الاقتصادي الكلي. إذن، كحال تأثير أحد الأقسام على مكافآت موظفي الأقسام الأخرى حين يتسبب في تسجيل أداء سلبي للمنشأة، فإن الأداء الاقتصادي الكلي ووضع السوق قد يؤثر سلبا على مكافآت وبونص الموظفين حتى وإن كانت إنتاجيتهم وأداؤهم مرتفعا ويفوق التوقعات؛ لأن النتائج الكلية والعوائد هي التي تحدد حجم وعاء المكافآت والبونص في نهاية المطاف.

وقد كان للأزمة المالية العالمية دور في طرح مسألة مستوى المكافآت والحوافز في القطاع المالي وتأثيرها السلبي على اتخاذ القرارات وأخذ مستويات مرتفعة من المخاطر تؤثر على مصالح الملاك والمودعين في البنوك. فقد اعتبرت الجهات الرقابية والتنظيمية وبالذات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، سعي موظفي البنوك إلى تحقيق عوائد مرتفعة بأخذ مراكز واستثمارات عالية المخاطر؛ بهدف الحصول على مكافآت سنوية مرتفعة من الأسباب التي أسهمت في الأزمة المالية العالمية وانهيار بعض البنوك. لذلك، بدأت الجهات التنظيمية والرقابية بمتابعة مكافآت البنوك السنوية لموظفيها؛ بهدف الوصول إلى نظام مكافآت يعتمد على أهداف الأداء طويلة المدى.

أما في المملكة وبناءً على الأداء الكلي للشركات والبنوك في عام 2010، فإن الأداء الكلي يتفاوت بين مختلف الشركات والقطاعات العاملة فيها. فعلى سبيل المثال، كانت الشركات التي تتعامل مع تطوير وإنشاء المشاريع الحكومية ومشاريع البنية التحتية أكبر مستفيد خلال العام من ارتفاع الإنفاق الحكومي وحزمة التحفيز؛ مما يحيلنا إلى توقع ارتفاع مكافآت نهاية العام والبونص الذي سيحصل عليها موظفوها، وجُلّهم الأعظم وفي مختلف المستويات الوظيفية من غير السعوديين للأسف. أما البنوك التجارية فقد واجهت عاما صعبا آخر، وبالذات في مجموعة تمويل الشركات؛ نظرا لاستمرار ظهور تداعيات الأزمة المالية العالمية على عدد من كبار العملاء في مختلف القطاعات واستمرار التعرض لتراجعات الأسواق العالمية. أما في أقسام التجزئة وخدمات القيمة المضافة الإلكترونية، فالحال أفضل بكثير من مجموعة تمويل الشركات؛ نظرا للقدرة على التحكم في مستويات المخاطرة وتوزعها على عدد كبير من العملاء. أما أقسام المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي يجب أن تأتي في منطقة وسط بين مجموعة تمويل الشركات ونشاط التجزئة المصرفية، فهي ما زالت مغيّبة في معظم البنوك، باستثناء بنك أو بنكين يتمتعان برؤية استراتيجية لتنويع المخاطر وتطوير الأعمال. وعليه، فالمتوقع أن تكون مكافآت نهاية العام في البنوك التجارية أقل لمجموعة تمويل الشركات من المعتاد وأكثر لأقسام إدارة مخاطر الائتمان والقنوات الإليكترونية والتجزئة.

وختاما، إن حال مستويات البونص في البنوك التجارية وكبرى الشركات ما زال مقبولا وضمن الحدود المتوقعة، أما البنوك الاستثمارية غير التابعة للبنوك التجارية وشركات الوساطة وشركات التأمين الصغيرة فحالها أصعب بكثير من غيرها، والحديث فيها لا يتعلق بمستويات البونص في عام 2010، بل يتمحور حول الأمان الوظيفي في عام 2011 ومحاولة تفادي خيار تخفيض الرواتب!