أوردت ''الاقتصادية'' يوم الأربعاء الماضي 1/12/2010 خبرا نقلا عن وكالة رويترز مفاده توقع إطلاق بنك إسلامي برأسمال يبلغ ثلاثة مليارات دولار في العام المقبل 2011 بعد تأخر محاولة إطلاقه الذي كان من المفترض أن تتم في الربع الثالث من العام الحالي. كما أوضح الخبر أن رجل الأعمال السعودي الشيخ صالح كامل مؤسس ورئيس مجلس إدارة بنك البركة الإسلامي هو من يقوم بقيادة هذه المبادرة، حيث إن بنك البركة يسعى إلى تأسيس البنك من خلال جمع مليار دولار بطرح خاص إلى أن يتم جمع المتبقي عن طريق طرح عام في مرحلة لاحقة. وما زال موقع البنك المزمع إطلاقه قيد الدراسة للمفاضلة بين ثلاث دول، إحداها ماليزيا، إلا أن الموقع قد يتحدد قريبا حين يجتمع المؤسسون مع البنك الإسلامي للتنمية في جدة هذا الشهر؛ لمناقشة الخطوات القادمة. هذا الخبر يحمل دلائل عدة، خصوصا حين تم ذكر حرص البنك الإسلامي للتنمية على تطوير سوق عالمية لرأس المال الإسلامي من خلال إصدارات منتظمة من الصكوك وعدم قدرة البنوك الإسلامية على منافسة نظيرتها التقليدية في ميدان القروض المجمعة، ترتيب إصدارات الصكوك، وقطاع تمويل المشاريع.
حقيقة، على الرغم من أن الخبر مقتضب، إلا أنه يشير بطريقة أو بأخرى إلى نموذج العمل المستهدف للبنك من قبل المؤسسين، وهو نموذج قد يمتلك بعض الميزات التنافسية والنسبية الضعيفة تبعا للمنتجات المتوقع تقديمها، التي قد لا تشكل نقلة نوعية أو حقلا جديدا للمصرفية الإسلامية. فالنموذج تبعا للمعلومات الواردة في الخبر هو أن البنك الإسلامي المزمع إطلاقه هو عبارة عن بنك إسلامي برأسمال كبير يطلقه مجموعة من المؤسسين ذوي الخبرة في العمليات المصرفية الإسلامية، ويستهدف قطاع الشركات الكبيرة، تمويل المشاريع الكبيرة، خصوصا مشاريع البنية التحتية Project Finance، وتمويل مشاريع مقاولي الحكومة من القطاع الخاص، تقديم القروض المجمعة التي قد يلعب فيها دور البنك الرئيس بمشاركة من بنوك إسلامية أصغر، ومن المتوقع أن تستهدف مشاريع البنية التحتية أو استثمارات مشاريع البتروكيماويات، وترتيب إصدارات الصكوك للشركات التي ترغب في اللجوء إلى السوق المالية ولعب دور متعهد التغطية أو مدير الاكتتاب. إذن، فالمنتجات والتوجه الكلي للبنك المزمع إطلاقه يركز على قطاع الشركات والمشاريع الكبيرة، التي تقوم حاليا البنوك الإسلامية الأصغر بتوفيرها، وإن على صعد أصغر، أي أن ميزة البنك الجديد التنافسية في هذه الحالة تكمن في كبر حجم رأس المال للاستفادة من اقتصاديات الحجم والقدرة على المنافسة في المشاريع والفرص الكبرى، التي من الصعب على البنوك الإسلامية الأصغر حجما المنافسة فيها أو إدارتها. من ناحية أخرى، فإن جميع منتجات تمويل الشركات والمشاريع والقروض الإسلامية المجمعة وترتيب الصكوك تقوم بها الوحدات الإسلامية في البنوك التقليدية العالمية والمحلية أيضا نظرا لكبر حجمها وتوافر السيولة والخبرات لديها، أي أن الميزة التنافسية الوحيدة هنا هي في كون البنك الجديد إسلاميا فقط، بينما المنتجات والخدمات المقدمة للشركات والمشاريع الكبيرة متطابقة مع تلك التي تقدمها الأذرع الإسلامية للبنوك التقليدية، وإن برزت بعض الاختلافات الهامشية.
وعليه، إذا انصب تركيز مشاريع البنك الجديد على مجموعة الشركات والمشاريع الكبرى، فالمنافسة قد تؤدي إلى انخفاض تكاليف تمويل هذه المشاريع، إلا أن هامش الربح قد يكون محدودا؛ نظرا إلى النضج النسبي لقطاع التمويل الإسلامي للشركات وارتفاع المنافسة من قبل البنوك التقليدية، خصوصا العالمية ذات الأذرع أو النوافذ الإسلامية. لذا، فالمستغرب هو عدم التفات البنك الجديد إلى قطاع كبير وواعد بجانب كونه مهمشا من قبل البنوك التقليدية والإسلامية أيضا، عائداته مرتفعة نسبيا، هيكل المخاطر الائتمانية فيه موزع نسبيا بصورة أكبر من قطاع الشركات، لكنه في حاجة إلى تعامل خاص وحرفي للنجاح فيه، وهذا القطاع هو قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة. فهذا القطاع المنسي لفترة أثبت ومنذ بدء الأزمة المالية العالمية أنه مقاوم لتأثير العدوى المالية؛ لاعتماده على محركات النمو الداخلية أو المحلية ولقدرته على الصمود لفترات أطول في أوقات التراجع الاقتصادي، عطفا على محدودية اعتماده على أدوات الرفع المالي والقروض. من ناحية أخرى، فكما يكون تنويع المحفظة الائتمانية قطاعيا، زمنيا، وجغرافيا، فإن بالإمكان تنويع المحفظة بناءً على حجم المنشآت وبناءً على معامل الارتباط بين بعضها بعضا ومحفظة الشركات الكبيرة. ونظرا لتهميش هذا القطاع في السنوات الماضية وصعوبة حصوله على التمويل اللازم للنمو والتحول من طور أو حجم إلى آخر فقد ارتفعت أسعار الفائدة التي تفرضها البنوك المقرضة على هذه المنشآت بشكل كبير يعكس آليات السوق ممثلة بمحدودية العرض من التمويل وارتفاع الطلب المستمر عليه. وإذا أضفنا إلى هذا نتائج دراسة شركة مكينزي آند كومباني الأخيرة التي تبين أن 2 في المائة فقط من المنشآت الصغيرة والمتوسطة في دول الخليج تمكنت من الحصول على ائتمان مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ نحو 40 في المائة، فإن ذلك يدل على أن هناك قدرة كامنة وكبيرة على النمو والتوسع في تمويل هذا القطاع بشكل بعيد عن المنافسة وبتأنٍ يضمن حساب العوائد المقومة بالمخاطر بدقة كبيرة نسبيا.
وأخيرا، من شبه المؤكد أن تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة سيكون ذا قيمة مضافة من الناحية الاستراتيجية للبنوك الجديدة أو القائمة، حيث إن المنافسة أدت إلى تشبع قطاعي الشركات والتجزئة للأفراد من ناحية المبيعات، وإلى التركيز من ناحية إدارة المخاطر في حالة الشركات؛ مما سيؤدي بقوى السوق إلى التفاعل والبحث واستكشاف منتجات وخدمات أخرى يرتفع فيها هامش الربحية، تساعد في إدارة مخاطر الائتمان، ويعتبر إطلاقها اليوم مكسبا استراتيجيا؛ لأن التوقيت الزمني للدخول يعني ميزة تنافسية مبنية على الأسبقية وخبرات تراكمية أطول.
ممتاز يعطيك العافية وموضوع تمويل الشركات الصغيرة جدا مهم. بالنسبة للبنوك الاسلامية ففي معظمها تشابه مصانع جبل علي في دبي ....يعني تقوم باعادة تغليف لمنتجات البنوك التقليدية وتغيير الاسم والله المستعان.