تطرقت في مقال الأسبوع الماضي (الصادر في 05/07/2009) لأهمية الادخار في تحقيق الأهداف المالية للفرد. وأن الادخار يوازي الاستثمار في أهميته أو قد يزيد عنه في كثير من الأحوال. ولكن المُعضلة في هذا الصدد أن الكثير من الناس يجدون صعوبة بالغة في الادخار، كما يرون فيه مصدر تقتير وقلق. إذ يرى الكثيرون أنهم بالكاد يغطّون مصاريفهم الشهرية، فكيف لهم أن يدخروا؟
وفي هذا الصدد, أرغب في أن أوضح أن الادخار لا ينبغي أن يعني أن تقلق على كل هللة تنفقها. فلو أديت لنفسك حقها المالي لما استلزم الأمر قلقك. بالطبع سيستغرب البعض ويقول: ماذا تعني؟ وكيف لي أن أؤدي حقوقي المالية لنفسي؟
الجواب على هذه الأسئلة يكمن في المقولة التالية: "لا تدّخر ما يتبقى بعد الصرف، بل اصرف ما يتبقى بعد الادخار".
فعندما تنظر لفواتيرك سواء كانت بطاقات الائتمان أو الكهرباء أو الماء أو الجوال أو ملابس العيد لأم العيال، تأكد أن تضيف فاتورة أخرى لتلك القائمة بل وعلى رأسها، وذلك بأن تضع قسط ادخارك في قمة قائمة الفواتير وتعامله كما تعامل أي فاتورة. وبهذا تدفع لنفسك أولاً ومن ثم لا يتعيّن عليك أن تقلق بشأن الادخار أو حتى تفكر فيه مرة أخرى حتى الشهر التالي. وإذا اتبعت هذا الأسلوب فستفاجأ كيف أنه من السهل الاستمرار في الحياة ببضعة ريالات أقل كل شهر، بل إنك قد لا تلاحظ الفرق في مصروفك اليومي، ولكنك ستلاحظه حتماً في رصيدك الادخاري والاستثماري بعد فترة من الزمن.
بالطبع قد يستغرب بعض القراء هذا النهج، فيسألون: "هل الإنسان غير منظم إلى هذا الحدّ، لدرجة أنه لا يتمكن من الادخار بوَعيِه إلا إذا أجبر نفسه على الاقتطاع من راتبه؟ فإن كان ذلك ينطبق على الآخرين فإنه لا يمكن أن ينطبق عليّ، لأني شخص منظّم وملتزم وبإمكاني التخطيط والتوفير بإرادتي". إذا كنت يا عزيزي القارئ تؤمن بذلك فأنت أحسن من 90 في المائة من الأفراد الآخرين (ولكني لا أظن ذلك). فالعديد من التجارب العلمية والعملية وجدت أن معظم الناس الذين يتمتعون بدخل ثابت، يؤقلمون مصاريفهم (شعورياً أو لا شعورياً), بحيث ينتهي بهم الشهر برصيد (صفر)، حتى إذا زاد مدخولهم, فإنهم يحسون بتأثيره في أول الأمر، ثم ما تلبث عاداتهم الصرفية حتى تتأقلم مع مدخولهم الجديد صعوداً (وذلك بشكل لا شعوري في معظم الأحوال). ولهذا نجد الناس -على اختلاف مداخيلهم- يشتكون من المصاريف، ولهذا السبب ذاته نجد أن معظم محاولات الادخار التي تعتمد على إبقاء مبلغ في آخر الشهر تبوء بالفشل، ما يجعل الحل الأمثل في معظم الأحوال هو استقطاع مبلغ التوفير من البداية.
ومن التسهيلات الممتازة في هذا الصدد أن الكثير من البنوك اليوم تقدم خدمة الحوالات الآلية المتكررة أو التعليمات القائمة، التي يمكنك بموجبها تحديد مبلغ معين يتم سحبه من حسابك تلقائياً كل شهر (وقت صرف الرواتب) وتحويله إلى حساب ادخاري آخر، إما لتقوم باستثماره بنفسك أو ليتم استثماره بالنيابة عنك. وفي هذا الصدد من المستحبّ ألا تجعل سحب أو استرداد المال من هذا الحساب الادخاري أمراً سهلاً، لذا يُحبَّذ أن يكون حسابك الادخاري غير مربوط ببطاقة صرّاف, ولا يمكن سحب الشيكات عليه، لهذا تُعد حسابات الشركات الاستثمارية المستقلّة الجديدة مثالية لهذا الغرض لأنه يصعب الصرف اليومي منها (فهي لا تصدر بطاقات صراف ولا دفاتر شيكات).
الهدف هو أن توفر كل ما تستطيعه بحيث لا يقل عن ادخار نسبة 10 في المائة من دخلك السنوي. وقد تزيد النسبة أو تنقص بحسب التزاماتك المالية الأخرى. وكلما ادخرت أكثر تمكنت من تنمية ثروتك أكثر. وتَذكّر أن ادخار أي شيء – مهما كان قليلاً - هو أفضل من عدم الادخار مطلقاً. وتذكر أن بضعة ريالات تدخرها اليوم تعادل الكثير من الريالات التي قد تدخرها في المستقبل.
بالطبع بإمكانك أن تكون مرناً بشأن هذه القاعدة. فلو وجدت نفسك لا تأكل إلا التونا والميرندا كل يوم لمدة شهر (بالذات إذا كنت لا تحب التونا والميرندا) فأنت حينئذ ربما تدفع لنفسك أكثر مما ينبغي. أو في ظروف أخرى قد لا تكون في وضع يسمح لك أن تدفع لنفسك على الإطلاق. ولكن حالما تسمح لك الفرصة ابدأ بانتهاج هذا الأسلوب.
ولكن يكفينا القول إن قوة العوائد التراكمية هي الدافع الرئيسي لأن نبدأ الاستثمار من الآن. فكل يوم تستغله في الادخار والاستثمار هو يوم إضافي يقضيه مالك في النمو ليساعدك على تحقيق حاجاتك في المستقبل وعلى ضمان راحة البال لك ولأولادك بمشيئة الله.
الاستاذ محمد اسلوب الاقتطاع الشهري , اسلوب فعال مثلما يفعل الكثير من الناس الذين يأخذون قروض بنكيه, لشراء منزل او سياره, وهو اسلوب توفير عن طريق التقسيط,
(ادفع لنفسك أولاً) هذه العبارة مستعارة من كتاب الأب الغني و الأب الفقير
موضوع شيق