عُقدت في المعهد المصرفي يوم الثلاثاء الماضي برعاية محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، ندوة المنشآت الصغيرة والمتوسطة بإشراف ورعاية من قبل المعهد المصرفي ومؤسسة التمويل الدولية، حيث تم تقديم عدة أوراق تتعلق بثلاثة محاور، هي: احتياجات وفرص مصرفية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، تأسيس فرص امتياز المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والنهج الشامل في التعامل مع مصرفية المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وقد شهدت الندوة حضوراَ كبيراً، هيمن عليه حضور ممثلين من البنوك السعودية ومؤسسات التمويل ذات العلاقة كشركات التقسيط والإعلام الاقتصادي، ما يدل على اهتمام متنام من قبل البنوك المحلية، للتوجه إلى تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة والاستفادة من ميزات تنويع قاعدة العملاء التمويلية بهدف رفع عوائد التشغيل وتخفيض مخاطر المحفظة الائتمانية.
وقد كان واضحا من مداخلات المصرفيين في الندوة توجه البنوك السعودية إلى تمويل قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة استراتيجيا.. كما أكد لي خلال الندوة أحد الأصدقاء العاملين في أحد البنوك، الذي أوكلت له مهمة تأسيس القسم وتطويره لعدم قيام هذا البنك بتمويل هذا القطاع من قبل! حقيقة، ضعف وإهمال تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة تشترك فيه معظم البنوك السعودية باستثناء بنك واحد أو بنكين أبديا بعض الاهتمام والحرص على مجموعة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث كان تركيز واهتمام البنوك السعودية حتى بدء ظهور تداعيات الأزمة المالية العالمية منصباً على قطاع الشركات وبإهمال، وفي بعض الأحيان بتقليل من أهمية قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ولكن، بعد بدء ظهور تداعيات الأزمة المالية العالمية وتعرض البنوك السعودية لقروض أقسام تمويل الشركات، بدأت الاستراتيجيات بالتغير مدفوعة بمحركين أساسيين هما العوائد والمخاطر. فبعد اضطرار البنوك السعودية إلى تجنيب مخصصات كبيرة وغير مسبوقة جراء تداعيات الأزمة المالية على قطاع الشركات الكبرى، تم الالتفات إلى قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لأنها أثبتت خلال الأزمة قدرتها على تنويع مصادر الدخل للمقرضين وتقليل مخاطر التمويل نظراً لتنويع محفظة الائتمان ككل.
فنظراً لضعف إقبال البنوك السعودية على تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، أدى تفاعل قوى السوق إلى ارتفاع تكلفة التمويل بسبب محدودية عرض التمويل مقارنة بالطلب الكبير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة على التمويل.. كما يثبت ذلك ارتفاع سعر الإقراض التوازني. وبجانب محدودية عرض التمويل لهذه المنشآت، فإن ارتفاع تكلفة التمويل قد يعود إلى قدرة البنوك على فرض شروطها على هذه المنشآت لضعف المنافسة في ميدان تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، كطلب ضمانات ورهونات تزيد على 120 في المائة على شكل نقد لتوفير خط ائتمان لتمويل التجارة. ولا يتوقف الأمر على ارتفاع تكاليف التمويل وانتهاج سلوك احتكاري في سوق تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فالبنوك السعودية أيضاً تجاهلت هذه المنشآت حين بدأت بتطوير منتجات التقنية البنكية التي من شأنها أن ترفع من مستويات الكفاءة والفعالية وترتيب الدفاتر المحاسبية وأساليب التمويل وأداء الأعمال لهذه المنشآت.
وعليه، وحتى وقت قريب تضافرت عدة أسباب لتراجع تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة من قبل البنوك السعودية، وهي عوائق كان من الصعب تذليلها قبل عدة سنوات لاستنادها إلى أرضية قوى السوق والجاذبية النسبية لخيارات توظيف الأموال الأخرى كتمويل الشركات والاستثمار في الأصول المالية والعقارية العالمية التي مرت بفقاعة هي الأخرى بعد سنوات من الأداء الممتاز الذي أسهم هو الآخر في تراجع جاذبية تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتواضع العائد مقارنة بالخيارات الأخرى ولارتفاع المخاطر نسبياً. لذلك، كان لتغير قواعد اللعبة وإعادة ترتيب الأوراق من قبل إدارات البنوك دور في الالتفات إلى قطاع هذه المنشآت لتغيير طبيعة العلاقة النسبية والتفضيل النسبي في تقييم العائد والمخاطرة مقارنة بالخيارات الأخرى. والنتيجة هنا أن قوى السوق تدفع باتجاه رفع نصيب المنشآت الصغيرة والمتوسطة من إجمالي تمويل البنوك بالأسعار والتكلفة الحالية ابتداء، ومع تراجع تدريجي لتكلفة التمويل يتزامن مع ارتفاع درجة المنافسة في هذا القطاع وتوجه المزيد من البنوك نحو تمويل هذه المنشآت.
وأخيراً، كان بإمكان قرارات الدعم والترغيب في تمويل قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة النجاح في السنوات الماضية، لو أن قوى السوق والتفضيل النسبي للبنوك يساند هذا القطاع، إلا أن واقع الحال حينئذ كان يحول دون ارتفاع نصيب هذا القطاع من إجمالي المحفظة الائتمانية. وبعد تداعيات الأزمة العالمية، فإن قوى السوق تدفع هذه المرة وبقوة إلى ارتفاع نصيب هذا القطاع من إجمالي المحفظة الائتمانية بدافع من حاجة البنوك السعودية إلى ر فع العوائد وتنويع المخاطر، إلى جانب الاستفادة من برامج الدعم الرسمية وتجارب الدول الأخرى التي تم استعراضها في ندوة المنشآت المتوسطة والصغيرة نهاية الأسبوع الماضي.