تم إنشاء مؤسسات الإقراض الحكومي المتخصصة بما فيها صندوق التنمية الزراعية، البنك السعودي للتسليف والادخار، صندوق الاستثمارات العامة، صندوق التنمية الصناعية السعودي، وصندوق التنمية العقارية خلال فترة السبعينيات، أي خلال فترة خطتي التنمية الأولى والثانية. وكان الهدف الاقتصادي عند إنشاء هذه الصناديق واضحاً, يتمثل في توظيف العوائد النفطية التي ارتفعت بشكل كبير منذ عام 1973 لسد ثغرة في المؤسسات التمويلية التي تحرك الاقتصاد وقطاعاته الاستراتيجية, إلى جانب توفير الأساسيات التي يحتاج إليها المواطن كالمسكن الميسر, خصوصا مع ضعف البنية التحتية للقطاع المالي وتواضع دور البنوك ومؤسسات إقراض القطاع الخاص حينئذ. ولم يكن غياب مؤسسات التمويل والبنية التحتية للقطاع المالي هما السببان الوحيدان لإنشاء صناديق الإقراض الحكومية المتخصصة, بل هناك أسباب أخرى منها تمويل المشاريع الاستراتيجية المملوكة للحكومة وأذرعها الاستثمارية، الإسراع في مشاريع البنية التحتية، والإسراع في توفير التمويل المباشر للمواطنين بهدف إيصال عوائد الثروة النفطية إلى المواطن بصورة سريعة ومباشرة.
حقيقة، لقد تمكنت صناديق الإقراض الحكومية المتخصصة من مساندة الخطط التنموية الأولى والثانية والثالثة من خلال المساهمة الفاعلة في عمليات التمويل والإقراض. وبدأ دور الصناديق في التراجع, أي عرض الائتمان المقدم منها، بتزامن مع ارتفاع الطلب على التمويل من قبل الوحدات الاقتصادية المختلفة ونمو الاقتصاد كماً وتعقيداً في عمليات التمويل والتجارة الدولية. لذلك، أدت ثغرة الطلب على التمويل إلى إتاحة الفرصة لتفاعلات قوى السوق وبداية توسع البنوك وأخذها الدور الرئيس في عمليات التمويل، مقارنة بالمكونات الأخرى للسوق المالية. وأدى دخول البنوك وتوسعها في العملية التمويلية إلى تغير قواعد الإقراض مقارنة بالصناديق في سوق الائتمان، حيث إن البنوك هادفة إلى الربح في الدرجة الأولى وتقوم بتسعير قروضها بأسعار فائدة تأخذ في الحسبان معدلات المخاطرة والربحية والحصة السوقية وغيرها من المتغيرات التي تؤثر في الربحية وحقوق الملاك في نهاية المطاف. لذلك، نلاحظ أن الشركات الصناعية والزراعية لجأت إلى البنوك للتمويل، نظراً لطول الفترة الزمنية اللازمة للحصول على التمويل بسبب ثغرة الطلب لقدرة قطاع الأعمال في أحيان كثيرة على رفع الكفاءة لتقليل التكاليف الكلية أو بتمرير التكاليف الإضافية إلى المستهلك، إلا أن المستهلكين الأفراد والمستفيدين من قروض صناديق الإقراض الحكومية المتخصصة كالبنك السعودي للتسليف والادخار وصندوق التنمية العقارية واجهوا خيارات مكلفة, فالبديل لقروض البنك السعودي للتسليف والادخار, على الرغم من صغر حجمها, هي القروض الشخصية والاستهلاكية وقروض بطاقات الائتمان التي تعد أرباحها وتكلفتها على الأفراد أعلى مقارنة بالمنتجات البنكية الأخرى.
أما البديل المنطقي لقروض صندوق التنمية العقارية, وهي الأهم, فهي القروض البنكية المبنية على الرهن العقاري, التي لم تقم البنوك بتوفيرها للمواطن بعد تراجع دور الصندوق وتكون ثغرة طلب لم تؤد إلى إغراء البنوك بالدخول إلى سوق التمويل العقاري بالزخم المطلوب والمتناسب مع توسعها في القروض الاستهلاكية وقروض بطاقات الائتمان، فلماذا لم تتوسع البنوك في هذا المنتج التمويلي؟ هناك عدة احتمالات للإجابة عن هذا السؤال, لكن كلها تصب في التفسير الأساسي المتمثل في عدم جاذبية التمويل العقاري في تلك الفترة، مقارنة بالتمويل الاستهلاكي وبطاقات الائتمان، حيث إن التمويل العقاري يفتقد المنظومة القانونية الواضحة التي تضمن حقوق المقرضين ـ وإن كان في الإمكان تجاوز هذا العائق كما حدث في الأعوام الخمسة الفائتة، طول فترة الالتزام وعدم تناسبها مع نسبة الأصول/ الخصوم وتفاوت فترات الاستحقاق بين الودائع والقروض، وغياب سوق التسنيد وهيكلة القروض لضمان استمرارية العملية الإقراضية وتوزيع المخاطر. هذه الأسباب وغيرها، أدت إلى أن تصل فترات انتظار قرض صندوق التنمية العقارية إلى أكثر من 20 عاماً، وأسهمت في نشوء أزمة تملك للمساكن وتدني نسبة تملك السعوديين نتيجة إحجام البنوك السعودية وتلكئها في توفير منتج التمويل العقاري بأسعار معقولة وعدم الترخيص لشركات التمويل العقاري لفترة زمنية طويلة.
وانطلاقاً من الأسباب نفسها التي أدت إلى بروز ثغرة الطلب على المساكن، فقد كان العزم وظهور مسودة قانون الرهن العقاري، وتطور السوق المالية وسوق الدخل الثابت والتمكن من تسنيد القروض وبيعها، واحتدام المنافسة بين البنوك في منتجات تمويل الأفراد الأخرى وتراجع هامش ربحيتها النسبي، شكلت كلها إلى جانب عوامل أخرى كارتفاع أسعار العقار دافعاً لتوجه البنوك إلى الإقراض العقاري وإلى قيام شركات تمويل عقاري مستقلة استشعرت حاجة السوق وقدرتها على النجاح فيها. وإلى جانب هذه التغيرات الهيكلية في سوق التمويل العقاري السعودية، يعتبر قرار مجلس الوزراء الموقر يوم الإثنين الماضي 25/10/2010 بإلغاء شرط تملك الأرض عند التقديم لطلب قرض من صندوق التنمية العقارية، توحيد مبلغ القرض المقدم للمواطنين في مختلف مناطق المملكة من صندوق التنمية العقارية، بحيث يكون 300 ألف ريال، وقيام صندوق التنمية العقارية بوضع آلية للتعاون بين الصندوق والمؤسسات المالية التجارية لمنح تمويل إضافي لمن يرغب من مقترضي الصندوق, إضافة إلى تحديث نظام الصندوق بما يتفق مع نظام الهيئة العامة للإسكان والأنظمة ذات العلاقة والمستجدات التي طرأت, بمنزلة إشارة إلى دور صندوق التنمية العقارية الحالي والمتوقع مستقبلاً, فإلغاء شرط تملك الأرض وتوحيد مبلغ القرض يقصد منه المساواة بين جميع المواطنين في مختلف القرى والمدن، أما التوجيه إلى الصندوق بوضع آلية مع المؤسسات المالية التجارية لمنح تمويل إضافي وتحديث أنظمته فتحمل تلميحاً بعدم كفاية قرض الصندوق الحالي لتوفير السكن وأن الحاجة إلى تمويل إضافي تظل قائمة مع عزم على تلبيتها من خلال البنوك التجارية.
وأخيراً، سيبرز السؤال الذي برز في وقت مضى: هل ستتجاوب البنوك مع آلية التعاون؟ من المتوقع أن تحاول البنوك تقليل مخاطر الإقراض بأكبر قدر ممكن وتحميلها الصندوق كأن تكون المستفيد الأول من العين المرهونة في حالة التصفية أو عدم الوفاء، أو بطلب رهونات تزيد على 100 في المائة من قيمة التمويل العقاري، أو حتى الحصول على ضمان مباشر من الصندوق مع حرية في تسعير التمويل يتم من خلاله رفع سعر التمويل ليشكل مجتمعاً مع الرهونات مكسباً عالي العائد ومنخفض المخاطرة، أو غير ذلك من صيغ التعاون التي تتواءم مع متطلبات العائد والمخاطرة التي تنشدها البنوك وشركات التمويل، مقارنة بمنتجات التمويل الأخرى.