قصة الأسد والأرنب!

27/10/2010 10
محمد العمران

على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت هي من تسبب في نشوء الأزمة المالية العالمية وعلى الرغم من أنها لم تقم حتى الآن بمعاقبة أو حتى محاكمة المتسببين في ذلك (وعلى رأسهم السيد ألان جرينسبان والسادة المديرون التنفيذيون للمؤسسات المالية الأمريكية وغيرهم)، إلا أننا لم نسمع مثلاً عن قيام دول كبرى بتوجيه اتهامات مباشرة إلى الولايات المتحدة حول ذلك، كما لم نسمع عن دول كبرى تطالب الحكومة الأمريكية بدفع تعويضات عن الضرر الذي لحق باقتصادياتها، بل الواضح لنا أن جميع دول العالم تقريباً تكاتفت وتعاونت فيما بينها للخروج من الأزمة دون توجيه الاتهامات لأحد كما لو أنها مشكلة تسبب فيها الجميع.

لكن عندما ندقق قليلاً في تصريحات وزير الخزانة الأمريكي، التي أطلقها قبيل انعقاد اجتماعات وزراء المالية لدول مجموعة العشرين، التي ذكر فيها أنه يجب على دول مجموعة العشرين أن تلتزم بخفض الفائض أو العجز التجاري وأن تلتزم بالسماح لعملاتها بالارتفاع، سنجد أن هذه التصريحات تضمنت لهجة غير مقبولة فيها الكثير من الفوقية تجاه دول مجموعة العشرين، والأهم أنها أتت متناقضة مع ما يصرح به دائماُ عن تحسن المؤشرات الاقتصادية ببلاده في وقت يسجل فيه اقتصاد الولايات المتحدة نسبا في عجوزات الموازنة المالية ونسبا في عجوزات الميزان التجاري تفوق تلك النسب المسجلة في بقية دول مجموعة العشرين!!

بغض النظر عمن يقصد في تصريحاته وعن النتائج النهائية لاجتماعات وزراء المالية، إلا أن ما حدث ذكرني شخصياً بما حصل بين الولايات المتحدة واليابان في منتصف التسعينيات الميلادية عندما قامت الحكومة الأمريكية بالعكس تماماً لتحقيق الهدف نفسه، حيث قامت حينها بإرغام الحكومة اليابانية على تخفيض (وليس رفع) قيمة الين مقابل الدولار بحجة أن الوضع لا يخدم الاقتصاد العالمي (نفس الحجج التي يتحججون بها الآن أمام الصين مع اختلاف في العملة واتجاه الأسعار) بعد أن ارتفعت العملة اليابانية حينها إلى مستوى قياسي بلغ 85 ينا لكل دولار في وقت أصبح فيه المواطن الأمريكي يفضل المنتجات اليابانية على منتجات بلده (السيارات والأجهزة الإلكترونية على سبيل المثال).

إن ما يحدث حالياً على مستوى الاقتصاد العالمي من "حرب عملات" هو تجسيد واقعي لقصة الأسد والأرنب مع غياب تام للغة المنطق، وبالتالي بات العالم بأجمعه يدرك تماماً أن القضية ليست قضية رفع قيمة اليوان الصيني أمام الدولار الأمريكي بل القضية الأساسية هي تحقيق المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة تحت شعار "أنا ومن بعدي الطوفان" بغض النظر عن المبادئ والمواثيق. لذلك، يجب ألا نستغرب مستقبلاً فيما لو قامت الولايات المتحدة بالضغط على الصين لتخفيض قيمة اليوان أمام الدولار (وليس رفعه كما يحدث الآن) لأن هذا السيناريو المتقلب تحقق فعلاً على أرض الواقع بين اليورو الأوروبي والدولار الأمريكي بين 1999م و2008م.