سيتم في حلقة اليوم عرض مختصر لتطورات أسواق النفط في التسعينيات، ضمن مراجعة تاريخية مختصرة لتطورات أسعار النفط خلال الـ 40 سنة الماضية، التي تعد ضرورية لاستعراض النظريات المختلفة التي تشرح سلوك ''أوبك'' خلال الفترة نفسها.
احتلال الكويت ثم تحريرها
ما إن بدأت أسواق النفط تستقر في نهاية الثمانينيات بعد انتهاء الحرب العراقية ــ الإيرانية، وارتفاع الطلب على النفط، واسترجاع ''أوبك'' جزءا من حصتها السوقية، حتى قام الجيش العراقي بغزو الكويت في بداية آب (أغسطس) من عام 1990. على أثر ذلك خسر العالم 4.5 مليون برميل، بعد قيام الأمم المتحدة بتحريم التعامل بالنفط القادم من العراق والكويت. ورغم خسارة النفط العراقي والكويتي، إلا أن المعروض من النفط لم يتأثر كثيرا بسبب قيام السعودية ودول أخرى بزيادة إنتاجها والتعويض عن الإنتاجين الكويتي والعراقي معاً.
يذكر أن أسعار النفط لم تتأثر كثيرا بالعمليات العسكرية أثناء تحرير الكويت لأسباب عدة، منها وفرة الإمدادات، وقيام الولايات المتحدة باستخدام احتياطي النفط الاستراتيجي، وانتهاء العمليات العسكرية وتحرير الكويت بسرعة, حيث انتهت العمليات العسكرية يوم 28 شباط (فبراير) 1991. ومع انتهاء الحرب وتحرير الكويت، أعلنت ''أوبك'' تخفيض الإنتاج لعدم الحاجة إلى كميات إضافية، ثم تبعتها روسيا التي أعلنت تخفيض صادراتها بسبب المشكلات الفنية والمالية في الحقول الروسية.
ورغم أن حرب تحرير الكويت في بداية عام 1991 أبقت أسعار النفط في مستويات مرتفعة نسبياً, إلا أن انخفاض الطلب على النفط والكساد الذي حل بالولايات المتحدة بعد الحرب وزيادة إنتاج دول ''أوبك'' بشكل ملحوظ أدت إلى تخفيض أسعار النفط في عامي 1991 و1992. ثم انخفضت أسعار النفط بشكل كبير عام 1993 بسبب توقع المتعاملين عودة صادرات النفط العراقي إلى الأسواق العالمية, وزيادة الإنتاج في بحر الشمال, وضعف الطلب على النفط، وجاء هذا الانخفاض في الأسعار رغم الانخفاض المستمر والكبير في صادرات النفط الروسية.
ثم بدأت الأسعار بالتعافي وارتفعت بشكل ملحوظ عامي 1994 و1995 لأسباب عدة، منها انخفاض إنتاج النفط النيجيري، وتشديد العقوبات الاقتصادية على بعض الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك إيران، وسماح الحكومة الأمريكية ببيع نفط ألاسكا لليابان (الأمر الذي نتج عنه ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الأمريكية). ثم ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير في صيف عام 1996 بسبب توتر العلاقات بين العراق والأمم المتحدة وتعذر الوصول إلى اتفاق بشأن صادرات النفط العراقي.
الأزمة المالية الآسيوية
بسبب توقع خاطئ, قامت ''أوبك'' في نهاية عام 1997 بزيادة الحصص الإنتاجية بمقدار 10 في المائة في النصف الأول من عام 1998 ظناً منها أن النمو على الطلب على النفط في آسيا سيستمر في النمو. ولسوء الحظ فإن الأزمة المالية التي اجتاحت الدول الآسيوية عام 1997 أدت إلى انهيار اقتصادات بعض هذه الدول, ما أدى إلى انخفاض كبير في الطلب على النفط, وبالتالي انخفاض أسعاره. لقد تجاهلت ''أوبك'' عدة إشارات تحذيرية أهمها أن الارتفاع في أسعار النفط في صيف عام 1996 لم يكن فقط بسبب الطلب في آسيا، وإنما بسبب تأخر توقيع معاهدة النفط مقابل الغذاء بين الولايات المتحدة والعراق، كما تجاهلت ''أوبك'' أثر قيام حكومة الرئيس الأمريكي ببيع كميات كبيرة من احتياطي النفط الاستراتيجي وبشكل مستمر بين عامي 1996 و1999 بهدف تخفيض العجز في الموازنة الفيدرالية.
ورغم زيادة معدلات النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية عام 1998, إلا أن أسعار النفط استمرت في الهبوط حتى وصلت إلى نحو عشرة دولارات للبرميل في بداية عام 1999. وأسهمت خمسة عوامل في تخفيض أسعار النفط هي: الأزمة المالية الآسيوية, زيادة الإنتاج من ''أوبك'' وخارج ''أوبك'', زيادة صادرات النفط العراقي, الشتاء المعتدل لمدة سنتين متواليتين في الدول المستهلكة، وبيع الحكومة الأمريكية الاحتياطي الاستراتيجي.
تخفيض الإنتاج في عام 1999
انهارت كل محاولات ''أوبك'' لمنع أسعار النفط من الهبوط في عام 1998، إلا أن انهيار الأسعار في بداية عام 1999 أجبر دول ''أوبك'' وغيرها من خارج ''أوبك'' على تخفيض الإنتاج بمقدار 2.104 مليون برميل يومياً في آذار (مارس) 1999. وبدأت أسعار النفط في الارتفاع. إلا أن نظرة فاحصة للوضع توضح أن تخفيض الإنتاج كان سيحصل على كل الحالات لأسباب اقتصادية وفنية، وأن الدولة الوحيدة التي قامت بتخفيض الإنتاج بشكل متعمد لدعم الأسعار هي السعودية. كما أسهمت في رفع الأسعار أمور عدة، منها وقف الحكومة الأمريكية بيع احتياطي النفط الاستراتيجي، والعوامل السياسية في كل من فنزويلا ونيجيريا والعراق، وإضراب العمال في النرويج، وتشديد العقوبات الاقتصادية على عدد من الدول النفطية، واستمرار الطلب العالمي على النفط في النمو. يذكر أن إنتاج دول خارج ''أوبك'' انخفض بشكل كبير في تلك الفترة، خاصة في الولايات المتحدة.
خلاصة القول إن التغيرات الكبيرة التي شهدتها فترة التسعينيات حدت من قدرة ''أوبك'' كمنظمة، وبعض دولها الكبيرة على التحكم في أسواق النفط العالمية لدرجة أن تخفيض الإنتاج عام 1998 صاحبه انخفاض مستمر في أسعار النفط. ورغم أن التخفيض الذي أقرته ''أوبك'' في آذار (مارس) 1999 آتى أكله ورفع الأسعار، إلا أن السعودية هي الدولة الوحيدة التي خفضت الإنتاج بكمية كبيرة وبشكل اختياري، أما الدول الأخرى فكانت مضطرة إلى التخفيض لأسباب فنية ومالية.
وسيتم في الحلقة القادمة استعراض أهم نتائج انخفاض الأسعار في نهاية التسعينيات, وذلك لتوضيح أسباب ارتفاع الأسعار في الفترة التي تلتها.
شكرا دكتور انس على المقالات الرائعة.