أزمة سوق المناخ بين الأمس واليوم (2)

26/09/2010 0
ماجد العسكر

يتسأل بعض المهتمين بالأسواق المالية لماذا ندرس الإحداث السابقة ومالفائده المرجوة من إعادة سرد قصة سوق المناخ أيها الأخوة الكرام الخبرات السابقة لا تضيع.. ما حدث معك بالأمس يتكرر اليوم. وما يحدث معك اليوم سيتكرر غدًا.. وهكذا.

ومن هنا جاءت أهمية دراسة التاريخ ،   فالأحداث السابقة تتكرر دائماً, وبصورة تكاد تكون متطابقة، فليس هناك جديد على الأرض. فإذا درسنا التاريخ وعرفنا أن حدثاً ما قد مرَّ قبل ذلك، وكانت فيه نفس الظروف والملابسات التي تواكب حدثاً نعيشه الآن، فإننا نستطيع أن نستنتج النتائج ، دراسة التاريخ بهذه الطريقة، تجعل التاريخ حياً ينبض. أنت تقرأ لتتفاعل، لا لمجرد التسلية أو الدراسة الأكاديمية البحتة. دراسة التاريخ بهذه الصورة لها هدف واضح هو الاستفادة من أخطاء السابقين

استكمال لموضوع أزمة سوق المناخ في الكويت ، أطرح لكم  بعض الملاحظات علي السوق في تلك الفترة

1) جميع الشركات استثمرت جزءا من مواردها في المضاربة بالأسهم، كما أن معظم الشركات تعاملت بشيكات آجلة، واعتبرت أرباح البيع محققة في تاريخ البيع وقبل تحصيل المبلغ.

2) معظم الشركات لم تتوقع حدوث الأزمة رغم وضوح معالمها وفق المعايير المحاسبية الاستثمارية.

3) لم تكن هناك سياسات مالية متحفظة، بل ان الشركات تعاملت مع الديون حتى بعد حدوث الأزمة على أنها ستسدد بالكامل.

4) وبالنسبة للشركات المقفلة فان معظمها أسس في فتــرة انتعاش السوق و 60 % من هذه الشركات كانت ذات أغراض عقارية وكلها خالفت أغراض تأسيسها وإنشائها وتعاملت بالأسهم مضاربة وقد تداولت نسبة التعامل بالأسهم بين 40%، 90 % من رأسمال هذه الشركات، وأغلب هذه التعاملات تمت بشيكات آجلة وبمبالغ طائلة تحولت بعدها الى لا شيء.

5) كذا الحال بالنسبة للشركات الخليجية - وهي شركات أسست في دول الخليج من قبل مستثمرين كويتيين - بعد أن وضعت وزارة التجارة ضوابط لتأسيس الشركات في الكويت، وكما سبق شرح ذلك تفصيلاً فان معظمها كان عقارياً وتعاملت باغلب رأسمالها في المضاربة بالأسهم.

6) لم يكن لوزارة التجارة دور رقابي على الشركات ومدى التزامها بإغراض إنشائها، كما لم يكن لها دور في منع تداول الأسهم الممنوع تداولها.

7) كما أن الوزارة لم يكن لها دور في دراسة جدية وجدوى إنشاء الشركات، إذ ان المعلوم أن أغلب الشركات التي انشئت في هذه الفترة كانت شركة ورقية لم يكن لها نشاط فعلي سوى المضاربة بالأسهم، وكان كثير من مؤسسي هذه الشركات يبيعون أسهمهم بعد التأسيس ويخرجون من الشركة رغبة في تحقيق الربح السريع.

8) بعد تفجر الأزمة قامت الحكومة بعدة إجراءات من بينها وقف عمليات البيع الآجل وأسست شركة المقاصة التي قامت بحصر وتسجيل المعاملات المتعلقة باسهم الشركات التي تمت بالأجل، وقد بلغ عدد الشيكات والمعاملات 28815 شيكاً آجلاً قيمتها حوالي 26,7 مليار دينار كويتي تخص 6031 متعاملاً وهذا المبلغ أكثر من أربعة اضعاف الناتج المحلي الإجمالي للكويت وقتها. وكان لهذا الحصر دور كبير في تسهيل عمل لجان التحكيم التي أنشئت للفصل في المنازعات المتعلقة بهذه المعاملات.

هل لأزمة المناخ أن تعود؟ قطعاً الجواب: لا، فان الأزمة لا يمكن لها أن تعود بكل آثارها ومشاكلها، ذلك أن سببها كان خللاً تنظيمياً بحتاً أو عدم التزام بالقوانين والقرارات المعمول بها، ومما لا شك فيه أن الوضع اليوم قد تغير فقد تنظمت الأمور إلى حد كبير يمنع وقوع أزمات كأزمة المناخ، ولكن مما لا شك فيه أن بعض آثار هذه الأزمة، أو بعض جوانبها قد يعود لوجود جزء من أسبابه ولوجود بعض الخلل في الأنظمة أو قصور في التشريعات أو لعدم الالتزام بالقرارات وعدم ردع المخالفين، ولأهمية هذا الموضوع سوف نعرض لبعض أسباب الأزمة التي لا تزال موجودة حتى ولو بجزء بسيط.

خروج الشركات أو المؤسسين قد يكون هذا مثالا غير واقعي، لكنه يقع ويقع كثيراً في الحياة العملية مع تحفظنا على أنه ليس ظاهرة منتشرة الآن، ذلك أن بعض المستثمرين يقومون بإنشاء شركات مساهمة ثم تدرج في السوق الرسمي، ويتعمد هؤلاء وبدعم منهم لتوصيل سعر السهم في بداية إدراجه إلى أسعار مرتفعة لتصريف أسهمهم على الغير والخروج من الشركة سواء كان هذا الخروج بعد مدة محددة أو غير محددة، ويكون هؤلاء المستثمرون قد حققوا مكاسب كبيرة نتيجة تصريف هذه الكميات من الأسهم، وذلك كله بعد عمليات إعلامية كبيرة توهم بقوة مركز الشركة وعظيم الأرباح التي سوف تتحقق.

 

وهنا نشير إلى وجوب وضع قيود لخروج الشركاء والمؤسسين إما بالمدد الزمنية أو بالشروط الموضوعية، وإن كانت هذه القيود تعتبر تقييدا لحرية الأفراد في التصرف بأموالهم، الا أنها تحتاج الى دراسة للوصول الى اقتراحات تحفظ حقوق المستثمرين والمؤسسين على حد سواء.

مراقبة إنشاء الشركات ودراسة مدى جديتها وجدواها وصدق بياناتها إن جزءا كبيرا من الشركات التي أنشئت فترة انتعاش سوق المناخ كانت شركات ورقية ليس لها نشاط جدي ومثمر، وكان الهدف من إنشائها جمع رأس المال والمضاربة بالأسهم ليس الا، ومما لا شك فيه أن مراقبة إنشاء الشركات ودراية وتمحيص نشاطها والتأكد من شفافية المعلومات المحاسبية التي سوف يعتمد عليها المستثمرون أمر في غاية الأهمية لابعاد الشركات الورقية عن العمل على ضرب الاستثمار.

الإقفالات والطلبات الوهمية والأرباح غير المحققة قد تكون هذه أسباب لا يمكن التحكم فيها ولا يمكن مراقبتها، لكن يجب على المستثمرين معرفة هذه الأمور ووضعها في الحسبان حال رغبتهم في الاستثمار، ونعني هنا أن بعض الشركات قد تتبع أساليب لا تتمتع بالشفافية إما بالنسبة للاقفالات الوهمية أو بنشر وإذاعة الأخبار التي لا تحاكي لب الحقيقة تماماً وكذا الحال بالنسبة للأرباح غير المحققة

الأصل في شراء الأسهم الاستثمار لا المضاربة لو نظرنا إلى فلسفة تحقيق الأرباح من شراء الأسهم نجد أن الأصل هو الاستثمار لا المضاربة، ذلك أن تأسيس الشركات المساهمة المقصود منها هو توفير رأسمال كبير بإدارة ناضجة لإنشاء المشاريع والتجارة، ولو فرضنا أن شخصاً يمتلك مبلغا من المال ولا يستطيع بهذا المبلغ إنشاء مشروع خاص به أوليس له وقت أو دراية بأصول التجارة فيقوم بالاشتراك مع غيره - بشراء أسهم هذه الشركات - رغبة في عائد مجز له، وعادة ما يبحث المستثمرون عن شركات يظنون أن عوائدها سوف تكون جيدة ويستثمرون فيها، ومع تقدم الوقت يحققون الأرباح ويرتفع سعر الأصل في هذه الشركات كما هي العادة في التجارة، وهذا هو الأصل في شراء أسهم الشركات المساهمة، وقد وضع القانون مخرجاً لكل مساهم متى ما رغب في بيع أسهمه، اما لحاجة طرأت أو لوجود فرص أخرى ببيعها، إذا فالأصل في شراء أسهم الشركات المساهمة هو الرغبة في الاستثمار وتحقيق الأرباح السنوية المعقولة وفق معايير معينة. ولا ننكر هنا أن المضاربة باب مشروع من أبواب تحقيق الأرباح لكنها ليست الأصل، كما أنها عملية فنية بحتة تحتاج الى كثير من الدراسة والمعلومات والقدرة على الدخول والخروج على الأسهم. ومن الملاحظ أن مثل هذه الفلسفة قد غابت عن ذهن كثير من المتداولين لأنهم يظنون أن الأصل في شراء الأسهم هو أن تشتري اليوم لتحقق الربح بعد فترة وجيزة وهكذا بتكرار هذه العملية. والمشكلة لا تكمن في وجود المضاربات لأنها كما قلنا باب مشروع، لكن المشكلة في أن تكون هذه المضاربات هي الأصل في تحقيق الأرباح من شراء الأسهم وأن يغيب عن ذهن المتداولين خطورتها وأنها استثناء وليس الأصل، كما يغيب عنهم مدى الأرباح التي يمكن أن تتحقق في الاستثمار مع انخفاض نسبة المخاطرة، ومثل هذه الأفكار يجب على المختصين اقتصادياً توعية المتداولين عليها لتجنيبهم ويلات الخسائر.

هذه هي قصة سوق المناخ وهذه هي أسباب الأزمة راجياً أن تكون في سردها مفيدة للمتداولين في سوق الأسهم وأن يستفيدوا من أسبابها تجنباً للأضرار.