لكوننا في فترة العيد ستبتعد مقالة اليوم عن المقالات الدسمة والتحليلية, محاولة تناول عدة محطات اقتصادية ومالية أخذت مكاناً في الأرباع الثلاثة الأولى من العام بتعليقات وتساؤلات قد ينتج عنها مقالات أكثر عمقاً في الأسابيع المقبلة, خصوصاً مع اقتراب دخولنا في الربع الرابع من العام الحالي 2010.
محطة السياسة المالية: هنا سنتناول جزءا من الميزانية فقط وبالأخص الإنفاق الحكومي, فقد بلغت تقديرات الميزانية للعام الحالي 2010 نحو 470 مليار ريال وبمصروفات تقديرية بلغت نحو 540 مليار ريال، أي أن العجز المقدر يبلغ نحو 70 مليار ريال. وبعد مضي معظم العام الحالي، من الواضح أن التقديرات ستظل تقديرات مع توقع لارتفاع الإنفاق الفعلي، نظراً لعدد من المشروعات، وأوجه الإنفاق التي استجدت كتحسين سلم رواتب القطاع العسكري والمشاريع الأخرى. ويظل تحدي السياسة المالية هو في توجيه العوائد النفطية إلى إنفاق حكومي يطول الوحدات الاقتصادية المحلية التي تتمتع بنسب سعودة عالية وبارتباطات عمودية وأفقية في الاقتصاد تضمن تعظيم وصول العوائد إلى المواطنين، وليس رفع تحويلات الأجانب إلى الخارج!
محطة السياسة النقدية: أثبتت السياسة النقدية سيرها بخطى ثابتة خلال العام الحالي، وارتفعت الثقة بالمصارف المحلية، مقارنة بالجو العام الإقليمي. كما أثبتت المملكة تميزها في إدارة مخاطر الائتمان ببرامج ومبادرات قل أن نجد لها نظيراً حين تناولها من زاوية التحوط وتفادي المخاطر وإدارتها, خصوصاً فيما يتعلق بكفاية رأس المال وقدرة القطاع البنكي على تقبل الأزمات. والتحدي لبقية العام والعام المقبل يبقى في التعامل مع بعض شركات التأمين المترنحة وتصميم استراتيجيات للتعامل مع مختلف السيناريوهات التي قد تنتج من خروج أي منها من السوق إلى جانب التعامل مع الضغوط التضخمية الناتجة من قصور بعض جوانب العرض الحقيقية.
محطة البيئة المؤسسية: شهد الاقتصاد السعودي خلال الفترة الماضية من العام الحالي إصدار عدد من القرارات كإنشاء فروع المحاكم التجارية في بعض المناطق، إصدار بعض الأنظمة والقوانين واللوائح التنفيذية، وتدارس بعض القوانين التي يتوقع لها أن ترى النور قريباً كنظام الرهن العقاري. هذه الأنظمة والقوانين في غاية الأهمية لارتباطها بسير عمليات القطاع الخاص وترتيب علاقتها بالسياستين المالية والنقدية. أما التحدي هنا فهو في التمكن من التسريع بإقرار الأنظمة والقوانين التي تؤثر في البيئة الاقتصادية تأثيراً مباشراً كنظام الرهن العقاري، وتنظيم المنافسة ومنع الاحتكار لتأثيرهما في مستويات التضخم وغير ذلك من الأنظمة والقوانين.
محطة سوق العمل: في ظل إنفاق حكومي وتحفيز اقتصادي غير مسبوق أدى إلى طفرة اقتصادية خلال الأعوام القليلة الماضية، ما زالت مستويات السعودة متواضعة وفي تراجع ومعدلات البطالة بين السعوديين في ازدياد، نظراً لارتفاع الطلب على العمالة وعلى مهارات معينة بأكثر من تجاوب قوى العرض المحلية. لذلك، فالمشكلة هنا هيكلية كحال البطالة ودون التمكن من تدريب المؤهلين إلى سوق العمل من الصفر بعد تقييم المهارات المطلوبة، كما يحدث في ''أرامكو''، فليس هناك من أمل. فالمعاهد الفنية والتدريبية والجامعات في واد والقطاع الخاص في واد آخر يريد من الخريج أن يكون جاهزاً لمباشرة العمل دون تدريب! فالتحدي هنا في إنشاء أكاديميات تأهيل لسوق العمل مع رفع مباشر لتكلفة الاستقدام لبعض الوظائف التي يتمكن السعوديون من شغلها في المستقبل القريب.
محطة وزارة الاقتصاد والتخطيط: أصدرت الوزارة خطة تنموية طموحة أتمنى أن تتم مراجعة تعريف البنوك الاستثمارية فيها للتأكد من علميته وصوابه! كما أن من المأمول أن تقوم الوزارة بتوفير أهداف كمية ومتابعتها والتعريف بجهات التقصير بهدف تقليل الانحراف والتمكن من تحقيق أهداف الخطط التنموية.
محطة الهيئة العامة للسياحة والآثار: يجب أن تقوم الهيئة بالحجر على جميع المنشآت والبيوت الأثرية للحفاظ على التراث من الطماعين والمنتفعين ممن يستخدمون وصف ''بيت آيل للسقوط يهدد السكان'' لوصف تحفة أثرية عمرها المئات من السنين. ولا ضير هنا من رفع سعر متر أي معلم أو تراث إلى ضعفي سعر أي عقار مجاور بهدف الاستحواذ عليه والحفاظ على التراث والتاريخ، ففي النهاية يفترض بالهيئة تقديرها قيمة التراث والتاريخ وحفظه من تلاعب الجهال. ويبقى تحدي الهيئة في الحذر من السير في طريق ما يسمى السياحة العلاجية في المملكة! حقيقة، أرى أن هذا ليس إلا خدعة وتحايل لتعظيم عدد التأشيرات لبعض تجار التأشيرات وليس لينابيع العلاج الحارة أو للقطاع الخاص الصحي المتخصص والمتفاني بميزات نسبية تشير إلى الاكتفاء المحلي والبحث عن المتعالج الخارجي!
وأخيراً، هناك كثير من المحطات التي كان من الممكن التوقف عندها وسنتناولها في وقت لاحق. وأختم بمحطة رمضان والعيد، فتذكروا أننا قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع، فتقبل الله صيامكم وقيامكم أعزائي، وعيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.