اليد الخفية وراء عمليات الطرح الخاص في السوق السعودية!

04/09/2010 4
د. قصي الخنيزي

تتنوع مصادر وهيكل تمويل القطاع الخاص تبعا لعدة عوامل ومتغيرات، منها الدورة الاقتصادية، مستوى التطور المالي، هيكل القطاع الخاص وتقبله لمختلف أدوات التمويل، وتوافر التشريعات والأنظمة التي تحمي جميع الأطراف العاملة والمشاركة في العملية التمويلية من مقرضين أو مستثمرين ومقترضين ووسطاء وغيرهم من ذوي العلاقة، إضافة إلى البيئة الاقتصادية العالمية وتشابك الاقتصاد المحلي ووحداته مع الاقتصاديات الإقليمية والدولية. لذا، فإن معدل نمو أي أداة من أدوات التمويل قد لا يسير بتزامن في الدول المختلفة، بل يرتبط بالخصائص المحددة لاقتصاد الدولة وحاجة القطاع الخاص بجانب نمو وسائل التمويل البديلة والمكملة، ومدى نضوج البنية التنظيمية والتشريعية. كما أن طرفي العملية التمويلية من القطاع الخاص ممثلين بالمقرض والمقترض هما من يحددان كيف وكم الطلب على مختلف الصيغ والأدوات التمويلية تبعا لتفاعلات قوى عرض التمويل وقوى الطلب مع بعضها بعضا. فمثلا، شهدت سنوات الطفرة الأخيرة 2003 ـــ 2006 إقبالا كبيرا من قبل المستثمرين أفرادا ومؤسسات على اكتتابات الطرح الأولى؛ ما أدى إلى ارتفاع نصيب عمليات الطرح الأولي من إجمالي عمليات التمويل المتاحة في السوق السعودية.

وبنظرة كلية على التحولات الاقتصادية وصيغ التمويل والاستثمار المطلوبة في السوق السعودية منذ السبعينيات الميلادية، نلاحظ استحواذ القطاع العام ممثلا بصناديق الإقراض المتخصصة والإقراض البيني المتعارف عليه بين التجار ومع الصرافين في مختلف المدن والقرى على صيغ التمويل في حقبة السبعينيات مع دور متواضع ومتنامٍ للقطاع البنكي. أما في الثمانينيات، فقد استمر الإقراض الحكومي بسيطرته على أغلب صيغ التمويل والاستثمار من ناحية القيمة بهدف النمو والتوسع مع تراجع نسبي عن معدلات نموه السابقة، مقارنة بالنمو والتوسع الذي شهده التمويل البنكي. ومع مطلع التسعينيات، بدأ القطاع البنكي في المساهمة في التمويل وتسهيل وإدارة الاستثمار في شركات القطاع الخاص بصورة غير مسبوقة، ومتصاحبا مع نمو كبير في الطلب على التمويل لم تتمكن الصناديق الحكومية من مواكبته، فبدأت البنوك السعودية في التوسع في تمويل القطاع الخاص من شركات وأفراد مستفيدة من اتساع السوق وغياب المنافسة من أدوات التمويل الأخرى. وقد شهد الإقراض البنكي للقطاع الخاص منذ التسعينيات وحتى منتصف عام 2006 نموا متواصلا ومستمرا هيمن على صيغ التمويل الأخرى وأبقاها بعيدة عن المنافسة، تواصل حتى بعد إنشاء هيئة السوق المالية وتوجّه القطاع الخاص السعودي لتنويع مصادر التمويل من خلال الطروحات العامة الأولية التي اهتم بها رجال الأعمال والمستثمرون؛ نظرا إلى أداء السوق المالية السعودية في تلك الفترة وحتى عام 2006.

وعلى الرغم من تواضع جميع صيغ التمويل وأدواته في السوق السعودية أمام التمويل البنكي، إلا أن توجهات القطاع الخاص للحصول على القروض المطلوبة من خلال قنوات التمويل المختلفة قد توضح توجها وإشارة إلى مدى جاذبية السياسة التمويلية للبنوك مقارنة بالأدوات التمويلية الأخرى. لذا، وكالحال في خيارات الطرح العام الأولي التي كانت أكثر إغراء من التمويل البنكي في سنوات الطفرة الأخيرة؛ نظرا إلى انخفاض التكلفة نسبيا والتمكن من الاستفادة من طفرة السوق المالية لتعظيم عوائد المؤسسين، فإن خيار التمويل البنكي أصبح صعبا للقطاع الخاص الخليجي مع بدء الأزمة المالية العالمية في صيف 2007، وظهور تداعياتها على أسواق العالم والمنطقة في العامين الماضيين، حيث تراجع حجم الإقراض الممنوح، وتسارعت مطالبات التسديد، واشتدت المطالبة برهونات وضمانات كبيرة، وارتفعت أسعار الإقراض نتيجة لعوامل المخاطرة، وبدأت مستويات السيولة المتوافرة للإقراض بالتأثر نتيجة لمتطلبات كفاية رأس المال وارتباط ذلك بشطب الديون للشركات والأفراد من القطاع الخاص. وعلى الرغم من اتجاه بعض البنوك للتركيز على القطاع العام والشركات المرتبطة بالعقود الحكومية، إلا أن إجمالي الإقراض ومعدلات الفائدة تشير إلى أن البنوك أصبحت في غاية الحساسية وتأخذ مخاطر الائتمان على محمل الجد وإن بمبالغة في تقييم المخاطر. وعليه، بدأ القطاع الخاص في العامين الأخيرين في التفكير في الخيارات المتاحة للتمويل، التي قد لا تشمل الطرح العام الأولي؛ نظرا إلى حالة التذبذب في سوق المال، خصوصا بعد انهيار 2006، الذي ما زالت تبعاته تظهر من حين إلى آخر، وقد لا تشمل أيضا خيار التمويل البنكي؛ نظرا إلى حساسية البنوك المفرطة تجاه مخاطر الائتمان وتشددها في الإقراض وارتفاع التكلفة، إلا أنها قد تشمل أداة تمويل آخذة في النمو والبروز على ساحة التمويل السعودية بشكل غير مسبوق وهي الطرح الخاص.

وقد يُعرف الطرح الخاص بأنه إحدى صيغ التمويل التي تتضمن بيع أوراق مالية أو حصص ملكية إلى مجموعة قليلة ومختارة من المستثمرين ذوي الخبرة، أو إذا كان طرحا محدودا أو كانت الأوراق صادرة من حكومة المملكة أو هيئة دولية تعترف بها هيئة سوق المال، مقارنة بالطرح إلى الجمهور في حالات الطرح العام الأولي. ومن الأمثلة على المستثمرين ذوي الخبرة تبرز صناديق التقاعد والادخار، شركات التأمين، البنوك، الشركات الاستثمارية، كبار المستثمرين ورجال الأعمال، وغيرهم من المستثمرين المؤسساتيين. ففي سنوات الطفرة الأخيرة وفورة سوق المال وتوافر الاقتراض الرخيص من البنوك، شهد عام 2005 طرحا خاصا واحدا بقيمة 290 مليون ريال، بينما لم يشهد عام 2006 أي طرح خاص، بينما تم تسجيل طرح خاص واحد وبقيمة 770 مليون ريال شكلت 2.2 في المائة من إجمالي قيمة الطروحات بأنواعها تبعا لبيانات هيئة السوق المالية. وكما ذكر سابقا، فقد تراجعت جاذبية سوق المال بعد انهيار 2006، بينما بدأت الأزمة العالمية والانكماش الائتماني من قبل البنوك والمقرضين في 2007؛ ما أدى إلى أن يسجل عام 2008 ارتفاعا كبيرا في عدد الطروحات الخاصة وصل إلى 19 طرح بقيمة بلغت 6.72 مليار ريال أو ما نسبته 10 في المائة من إجمالي قيمة طرح جميع أنواع الأوراق المالية في العام نفسه. وفي العام الماضي 2009، بلغ عدد الطروحات الخاصة نحو 64 بارتفاع بلغ 237 في المائة عن العام السابق وبقيمة بلغت 17.9 مليار ريال شكلت 58 في المائة من إجمالي مبالغ طرح الأوراق المالية لجميع أنواع الطروحات في العام نفسه؛ وبناءً على ذلك، يلاحظ الطفرة الكبيرة في عدد وقيمة الطروحات الخاصة في العامين الأخيرين كخيار تمويلي تم الإلتفات إليه بعد أن ارتفعت أسوار أدوات التمويل الأخرى ودفعت الحاجة القطاع الخاص إلى البحث في صندوق الأدوات عن الأداة التمويلية المثلى التي تساعد في أهداف التمويل وتحقيق استراتيجية الأعمال بنجاعة.

وأخيرا، هذه التطورات الإيجابية الجميلة في سوق التمويل السعودية ممثلة بنمو عمليات الطرح الخاص هي نتيجة طبيعية لتفاعلات قوى السوق ويد آدم سميث الخفية، حيث إن الحاجة وتعظيم المنفعة لدى الأطراف المقترضة والمقرضة بتخفيض التكلفة للأولى وتعظيم العائد للثانية بجانب وجود البنية التحتية التنظيمية والتشريعية للطروحات الخاصة، التي أسست لها هيئة سوق المال منذ سنوات أدت كلها مجتمعة إلى نهوض هذه الأداة التمويلية في وقتها المناسب ساعة نضوجها مدفوعة بيد سميث الخفية لتوجيه الموارد إلى المناطق والأدوات الأكثر كفاءة متمثلة بنمو عمليات الطرح الخاص في ظل بيئة إقراض تنافسية.