في ظل تداعيات واستمرار الأزمة المالية العالمية وانتقال المخاطر ومصادر القلق من قطاع الرهن العقاري إلى القطاع البنكي العالمي ووصولاً إلى مخاطر الديون السيادية وقروض بطاقات الائتمان، باتت حالة من الترقب والحذر تسود القطاع المالي والأوساط الاقتصادية في محاولة لتوقع اتجاه الأزمة المستقبلي حتى أصبح من النادر أن يصدر تقرير بحثي يغطي المؤشرات الكلية لأحد الاقتصادات بتفاؤل وإشادة. بيد أن مشاورات المادة الرابعة التي اختتمها المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لعام 2010 مع المملكة تتضمن الكثير من النواحي الإيجابية والإشادة بنجاعة وحصافة السياستين المالية والنقدية بجانب إشارة مبطنة إلى جودة النهج التحفظي والحذر للسياسات الاقتصادية الكلية.
ففي تقييم المجلس التنفيذي للصندوق، وبصورة عامة، تمت الإشادة بالسياسة الاقتصادية الكلية وبمزيج السياستين المالية والنقدية التوسعي الذي أدى إلى تحفيز النمو الاقتصادي غير النفطي مدفوعاً بحزمة التنشيط المالي التي قامت وزارة المالية بضخها في الاقتصاد والسياسة النقدية التوسعية التي استهدفت تحفيز الائتمان ونمو القطاع غير النفطي أيضاً، أي أن تفاعلات وأداء السياستين المالية والنقدية كان تكاملياً يستهدف نمو القطاع الاقتصادي غير النفطي وتم تحقيق الهدف تبعاً لقراءة المجلس التنفيذي.
كما اتفقت مشاورات المادة الرابعة وتقييم المجلس التنفيذي مع السياسة المالية في ضرورة سحب حزمة التحفيز المالي متى ما تبينت قدرة الاقتصاد على استدامة النمو بعد زوال الأسباب الطارئة التي أدت إلى رفع الإنفاق، ما يشير إلى أن التحوط تجاه العجوزات المالية يعتبر من أولويات السياسة المالية ومن النقاط التي يركز عليها المجلس التنفيذي. ومن ناحية الخطوات المستقبلية، رحب المجلس التنفيذي بالجهود الرامية لتحسين إجراءات تحصيل الإيرادات إضافة إلى التوصية بمراجعة كفاءة الإنفاق بصفة دورية مع التأكد من التخطيط متوسط الأجل للإنفاق.
و يعتبر تحسين التحصيل ورفع كفاءة الإنفاق نقطتين مهمتين لاحتمال ارتباط التحصيل بالرسوم الجمركية وعوائد الزكاة وطريقة التعامل مع عملية التحصيل ككل بجانب الحاجة إلى توجيه وتركيز الإنفاق إلى القطاعات المرتبطة عضوياً بالأهداف الاقتصادية الاستراتيجية كتلك التي تشمل توظيف أكبر عدد من السعوديين وخفض معدلات البطالة. أما تأييد المجلس التنفيذي لجهود وزارة المالية في إبطاء الاستهلاك المحلي للمنتجات النفطية فقد تشير إلى توجه لرفع أسعار المشتقات النفطية محلياً لكون رفع الأسعار هو الأداة المستخدمة في أغلب الأحيان للتقليل من معدلات الاستهلاك وتحسين إيرادات الخزانة العامة، خصوصاً أن اقتراح المجلس التنفيذي هنا ينص على أن يتم تصميم إصلاح شامل لخطط الدعم، أي التعامل مع السلع المدعومة الأخرى وتتبع التأثير المتسلسل لرفع الدعم عن سلعة في السلع الأخرى.
أما نتائج مشاورات المادة الرابعة التي قام بها المجلس التنفيذي للسياسة النقدية السعودية فقد أيدت الربط بالدولار من ناحية أسعار الصرف وتمت الإشارة إلى الفوائد التي تم التحصل عليها من اتباع سياسة سعر الصرف الثابت وتأثيراتها في الثقة بالاقتصاد السعودي. كما أشاد المجلس التنفيذي بسلامة النظام المصرفي السعودي وحث على مواصلة التقييمات الائتمانية ورفع مستويات الشفافية والإفصاح. حقيقة، هذه الإشادة مهمة للغاية لكون القطاع المصرفي في مختلف دول العالم ما زال يئن من تبعات الأزمة المالية العالمية والتأثيرات المزدوجة التي أصابته من ناحية تأثر محافظ البنوك الاستثمارية المباشرة ومحافظ الإقراض التي توجهت إلى إقراض الاستثمار في الأسواق المالية والأصول التي تأثرت بالتباطؤ الاقتصادي.
أما التحدي الأكبر والمتوقع الذي أشارت إليه مشاورات المادة الرابعة فيتعلق بسوق العمل وكما نص تقييم المجلس التنفيذي بأنه "على المدى المتوسط هو إنشاء فرص العمل اللازمة لمواكبة النمو السكاني السريع من خلال النمو المرتفع والقابل للاستمرار في القطاع غير النفطي. وسيتطلب إحراز هذا الهدف منهجا متعدد الأبعاد تصاحبه إصلاحات هيكلية في مختلف قطاعات الاقتصاد، بما فيها سوق العمل، ومواصلة التقدم في إصلاح نظام التعليم، والتدريب، وتحسين مناخ العمل."
بصراحة، لم يأت تقييم المجلس التنفيذي للصندوق بجديد في هذه النقطة المتعلقة بسوق العمل في المملكة، وما زال ربط سوق العمل بالسياسات الاقتصادية الكلية الأخرى التي تناولتها مشاورات المادة الرابعة ضعيفاً ويفتقد إلى القدرة التحليلية والتمكن من التقييم الدقيق. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحدي المتعلق بسوق العمل تمت الإشارة إليه سابقاً في تقارير سابقة للصندوق والبنك الدوليين، إلا أن جميع التقارير السابقة والحالية افتقدت إلى الإشارة إلى دور السياسات المالية والنقدية في تحسين سوق العمل والتقليل من نسب البطالة أو حتى الإشارة إلى أي من الأبعاد التي ذكرت بأي تفصيل.
وأخيراً، جاء اهتمام مشاورات المادة الرابعة بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة متواضعاً حيث تمت الإشارة إلى جوانب الإعسار والجوانب القانونية لحقوق الدائنين فقط دون التعمق في هذا القطاع المهم. لذا، فالحصيلة النهائية لمشاورات المادة الرابعة إيجابية جداً وتشير إلى قدرة ونجاعة السياسات الاقتصادية الكلية وخصوصاً السياستين النقدية والمالية الحصيفتين على تحفيز النمو الاقتصادي والمسيرة التنموية. وتبقى نتائج مشاورات المادة الرابعة مجرد إشارة وتقييم من طرف ثالث فاتت عنه أشياء كسوق العمل والمنشآت المتوسطة والصغيرة، وتنحصر أهميتها في تقييم الجهود المحلية التي يبقى الحكم عليها مربوطاً بحكم وتقييم الوحدات الاقتصادية الوطنية.