أكد مؤخرآ الدكتور ماجد عثمان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء وجود فساد فى مصر يلتهم الكثير من مواردها الى جانب وجود إهدار للمال العام متمنياً أن يكون هناك مشروع قومى مصرى للقضاء على هذا الفساد. فلا سبيل لإنكار حقيقة أن الفساد أصبح منتشرآ في مجتمعنا بشكل لا أقول لا يصدقه العقل بل بشكل يسلم به العقل ، نعم للأسف اللامتناهي وأصبح التعامل مع الفساد في مجتمعنا طقسآ من طقوس حياة السواد الأعظم منا اليومية بشكل مسلم به ؛ من المؤكد أن عمليات التنمية والنمو في ظل مناخ يحكمه الفساد تكون مثل بناء جبال من الرمال في جوعاصف فننفق االمزيد من الأموال والوقت والجهد لنحقق المزيد من الخسائر ونجني مزيدآ من العلقم .
تلك المشكلة التي لا يمكن النظر اليها استهانة وهونآ لمجرد العلم أنها موجودة في كل دول العالم بمتقدمها ومتخلفها فالفارق بين درجة وشكل ومقدار بل ونوعية الفساد بين العالمين كالفارق تمامآ بين العالمين ، فنحن نتحدث عن تخصيص لأراضي الدولة التي هي ملك للشعب في الأساس لحفنة من الناس بأبخس الأسعار ولن أقول بسعر كذا لأنني لا أجد تشبيهآ بخسآ لأشبه به ، نتحدث عن مزروعات أم ان شئت قل مأكولات تروى بمياه الصرف الصحي ، نتحدث عن أبنية حكومية ذات طابع خدمي بنيت لخدمة الناس فانتهكت فيها وفي بنائها معايير السلامة والأمان وأخيرها وليس آخرها مبنى معهد الأورام لأنه ببساطة يعاني من ورم سرطاني في بناءه ، نتحدث عن توشكى وعشرات المليارات التي تبخرت هناك والتي أوضحت احدى الدراسات الاستشارية أن الثلاثة آلاف فدان التي زُرِعَت "كانتالوب وفراولة وعنبًا" لا تشكِّل سوى 0.5% من أراضي المشروع، وهو ما يعني أن الفدان الواحد تكلف 3 ملايين جنيه، واستغرق استصلاحه 12 سنة، ولو سار المشروع بهذا المعدل فإننا نحتاج إلى 2400 سنة أخرى كي يحقق ما نريد !!! ، نتحدث عن أملاك ومصانع وشركات الدولة والشعب التي تم ما يعرف بخصخصتها في مقابل الأوهام ، أوهام التطوير والتحديث وتدريب العمالة وزيادة الانتاجية والتصدير وتوطين وابتكار التكنولوجيا أي أن كل ماسبق كان تسخينآ للأحداث والآمال في مقابل ما حدث ... فكان تسقيعآ للأراضي و الطموحات ، نتحدث عن الرشاوي والعمولات و المزادات الحكومية والعقود الحكومية وخلق مناصب وهمية في الوزارات يتقاضى أصحابها مبالغ وهمية في مقابل مالايفعلون وان فعلوا فلا يستحق حجم ما يتاقاضوه وغيرهم من السواد الأعظم من العاملين يتاقاضون الفتات فيدفع كثير منهم لقبول بل والمطالبة بالرشاوي والعمولات وكذلك قروض البنوك والاحتكارات واستغلال المواطنين في الرفع الغير مبرر للأسعار وان وجد تبرير ففي الغالب الأعم هو الجشع بعينه في ظل غياب الرقابة الحكومية فالليبرالية لا يجب أن تعني بالضرورة منفعة فئة لا يمكن القول بأنها قليلة وانما فئة نادرة من البشر على حساب شقاء وتعاسة جموع الشعب مما يدفع الكثيرين دفعآ لبراثن الفساد ليتماهوا مع المحيط بهم و كذلك تزوير الانتخابات والتغاضي عمن يلوثوا النيل شريان حياتنا وغيرها و غيرها الكثير والكثير جدآ وما خفى كان فعلآ أعظم و أضل .
وفي تقرير منظمة الشفافية الدولية أن الفساد يكلف مصر 50 مليار جنيه والتهرب الضريبي والجمركي 14 مليار جنيه، واحتكار الحديد والأسمنت 6 مليارات جنيه ومليار جنيه خسائر إقامة مشروعات حكومية بدون دراسات جدوي، فضلا عن تهريب 6 مليارات جنيه للخارج. ووفقا للتقارير البرلمانية فإن 66% من الدعم الحكومي لا يذهب إلي مستحقيه، وتشير تقارير هيئة النيابة الإدارية أن هناك قضية فساد كل 90 ثانية، كما قدر المركزي القومي للبحوث في دراسة عن ظاهرة الرشوة والاختلاس في مصر حجم الأموال الناجمة عن الكسب غير المشروع بنحو 99 مليار جنيه في السنوات الأخيرة . ولكن من المؤكد أن الخسائر أضخم من ذلك بكثير جدآ كمآ وكيفآ .
وهناك39 ملياراً و373 مليوناً و524 ألف جنيه تم اهدارها في الفترة ما بين أبريل 2008 ويناير 2009 بسبب الفساد المالي والإداري (تقرير عام 2008 لمركز الدراسات الريفية). وتحتل مصر المركز 134 من بين 134 دولة في معدل تعيين الاقارب والأصدقاء في المناصب المختلفة (تقرير التنافسية العالمية). والمركز 115 من بين 134 دولة في مؤشر مدركات الفساد الذي يقيس درجة انتشار الفساد بين المسئولين في الدولة (تقرير التنافسية العالمية). والمركز 72 من 134 على مؤشر الشفافية والنزاهة لمنظمة الشفافية العالمية في 2006، ثم المركز 105 في 2007 ثم الركز 115 في عام 2008 (منظمة الشفافية العالمية). والمركز 77 من بين 146 دولة في تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2007 (إسرائيل من أفضل 20 دولة) ثم لا تكتفي مصر بذلك بل يستمر تراجعها حتى تصل الى المركز ال111 في عام 2010. والمركز 129 بين 134 دولة في معدل هجرة العقول العلمية والموهوبة وتعد أسوأ دول الشرق الأوسط في ذلك (تقرير التنافسية العالمية). وأخيرا وليس آخرآ المركز ال 5 من ضمن 60 دولة في مؤشر البؤس العالمي.
و تظل دومآ تلك المقاربة التي تنظر للفساد على أنه جزء من المشاكل التي تعانيها الدولة ويمكن حلها مثل بقية المشكلات الأخرى فتظل تلك المقاربة هي الحاكمة في النظرة الى الفساد على الرغم من كونها نظرة قاصرة لا تضمن حلآ نهائيآ لهذه المشكلة ؛ فالفساد جزء لا يتجزء من الأنظمة الشمولية التي تعيش عليه وتقتات منه فالأنظمة الشمولية الفساد فيها منبع الحياة والافساد فيها هو مجرى الحياة ، فتلك الأنظمة لضمان نفوذها واستمراريتها فانها بشكل مباشر أو غير مباشر تعمل من خلال قرارات تتخذ هنا أو هناك كقرارات العلاج على نفقة الدولة وتخصيص الأراضي على سبيل المثال لا الحصر تعمل تلك القرارات على تكريس الفساد وايجاد طبقة من المنتفعين منه ليكونوا لها عونآ وسندآ وهذه الطبقة تعمل بدورها على تنفيع من هم دونها وهكذا دواليك في محاولة لمنع وجود شرفاء يعطلون المسيرة أو حتى من خلال تجاهل الدولة تلك الرشاوي والعمولات التي تتم في كثير جدآ من المصالح والهيئات الحكومية وان تم كشفها لا تكون العقوبات رادعة بما فيه الكفاية تلك الرشاوي والعمولات التي توحشت لدرجة تحولها لم كانت عليه في البداية من مجرد محاولة غير شرعية من موظف مطحون يحاول فقط سد رمق من يعولهم الى أن أصبحت المكنسة السحرية التي ينتقل بها المفسدون من طبقة ثرية الى طبقة أثرى ويكنسون في طريقهم ذلك كل مظاهر الأمانة والعدالة وكل من ينادي بها . لذلك فان المقاربة الأمثل للقضاء على غرغرينا الفساد توجب علينا بتر العضو الذي ترتع فيه هذه الغرغرينا ألا وهو الاستبداد فالاستبداد والفساد كلاهما مترادفين لا يقوى أحدهما على العيش بدون الآخر فيعملان في خدمة بعضهما البعض.
وللمصداقية وللشفافية التي نريدها لا نريد أن نتجاهل التطورات التي حدثت في المجتمع المصري في الفترات الأخيرة أو نمو معدلات وأشكال التنمية في الآونة الأخيرة ولكن تظل الأغلبية الساحقة من أبناء المجتمع المصري لم تنعم بهذا النمو وتلك التنمية التي تتحدث عنها الحكومة والخبراء الاقتصاديين فهي لا تزال مقصورة على مستوى الاقتصاد الكلي ولاعتبارات يغلب عليها الفساد تظل فئة قليلة جدآ هي التي تستفيد من هذا النمو ، وان أردنا أن نعمل فعليآ على القضاء على الفساد فان أحدى أسبابه الرئيسة سوء توزيع الثروة واحتكارها من قبل قلة قليلة فلا يخفى على أحد أن مسألة الرواتب والأجور الهزيلة أو حتى تلك التي لا تتناسب مع مجهود العاملين والموظفين وما يساهموا في تحقيقه من أرباح مهولة لأصحاب الأعمال في مجتمعنا لا بد أن تأتي هذه القضية الخطيرة على رأس سلم الأولويات ان أردنا شبابآ يبحث عن العمل الحقيقي وان أردناهم أن يجتهدوا ويطوروا ان أردنا أن نخفف من حدة الفقر ونوفر حياة كريمة للموظفين والعاملين والأجراء هذا ان أردنا أنبني أجيالآ من المبدعين والمبتكرين اللذين يشعرون بأن هناك من يقدرهم لا من يستغلهم أو يتجاهلهم .
فالمجتمع الحر هو الذي يعيش فيه أبناؤه الشرفاء أحرارآ بلا خوف وفاسديه يملؤهم الرعب خلف القضبان انتظارآ لحكم مصادرة ما كسبوه من حرام وانتظارآ لما هو أهم وهو حكم الاعدام وذلك اعمالآحقيقيآ لقوانين ونظم رقابة حقيقية وقاسية وليست شكليو وهمية ، و المجتمع المتطور هو الذي يقدم الفرص لأبناؤه لا لحسبهم ونسبهم بل لعملهم واجتهادهم حتى لا يغتربوا في الداخل منغمسين في اللهو والضياع أو الى الخارج ماقتين كافرين بهذا المجتمع وفي كلتا الحالتين يخسر هذا المجتمع ما كان يمكن أن تجود به قريحة هؤلاء أو هؤلاء ، وننفق المليارات في علاج الاضطرابات النفسية وادمان المخدرات التي أصابت الكثيرين من شبابنا العاطلين اليائسين أو لنحاول استرجاعهم عندما يتم تكريم مهاجرينا والاعتراف بهم في الخارج كعلماء وخبراء ولكن هيهات فنكتفي بعقد المؤتمرات والندوات لهؤلاء ونستقبلهم بالأغاني الوطنية حال زيارتهم للوطن ثم يرجعوا الى الأوطان التي احترمتهم وقدرتهم ليستكملوا ما خسرناه نحن ؛ المجتمع الذي يسعى الى المستقبل هو المجتمع الذي يسعى الى القضاء على الفساد و الافساد .
الفسادُ هو سرطانُ التنمية!! .. إذا لم تقضِ عليه مبكراً .. قضى عليك !!!.. وأموالُ الفسادِ هي من أموالِ السحت التي قالَ فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث جابر (لا يدخلُ الجنةَ لحمٌ نبتَ من السحت وكلّ لحمٍ نبتَ من السحت كانت النارُ أولى به).... شكراً يا أستاذ/أحمد على المقال الجريء والشكرُ موصولٌ أيضاً إلى د. ماجد عثمان (رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري) على شجاعته الفائقة.. عندكم وعندنا خير!!.. وحجمُ أموال السحت تتناسبُ مع الأموالِ المنصرفة وتزدادُ في غيابِ مبادىء العدل والمسؤولية والمحاسبة.. وقبل كلّ ذلك الخوفُ من رب العالمين ويوم الحساب..