صندوق النقد الدولي ينتقد بشدة علاجات أزمة شركات الاستثمار الكويتية

22/08/2010 0
مارون بدران

يكاد لا يصدر تقرير عن مؤسسة دولية أو محلية أو أجنبية إلا ويذكر أزمة شركات الاستثمار في الكويت. فمحللو وكالات التصنيف والبنوك العالمية أشبعوا هذا القطاع انتقادا بسبب المشاكل التي تعمه، والتي كشفت عنها الأزمة المالية الأخيرة بقوة. ولعل صندوق النقد الدولي كان الأكثر جرأة في أسلوب انتقاده لهذا القطاع، وقد دق ناقوس الخطر منذ عام 2004، لكن السلطات الرقابية المعنية لم تعره اهتماما كافياً حينها. ففي تقريره عن القطاع المالي الكويتي وفق الفقرة الرابعة من القانون الدولي، ذكر صندوق النقد عام 2004 أن شركات الاستثمار غير محددة الهوية، تعمل في أكثر من ميدان وقطاع. وحذر من مخاطر متصاعدة بسبب اعتماد هذه الشركات في عملها على القروض المصرفية قصيرة المدى، وبالتالي ازدياد ترابطها المالي مع البنوك.

سقوط الأقنعةو بعد 4 سنوات تقريبا على تقرير الصندوق المذكور، والذي نشرته القبس حينها بكل تفاصيله، اندلعت الأزمة المالية محليا وكشفت عورة هذه الشركات وأسقطت قناع النظام الرقابي القائم عليها. فكانت شركات الاستثمار الأكثر تضررا بالأزمة، وبدت آخر سنتين (بين سبتمبر 2008 واليوم)، ضعيفة جداً. بعضها سقط، وبعضها الآخر يجاهد للبقاء على قيد الحياة، والغالبية ينطبق عليها قول الحجاج بن يوسف: «أرى روؤسا قد أينعت وحان قطافها».

 

لكن بعد أن طاحت الفأس بالرأس، ماذا فعل البنك المركزي، راعي نظام هذه الشركات ومراقب شؤونها؟ في يونيو الماضي، وضع المركزي 3 معايير جديدة على شركات الاستثمار الالتزام بها، ومنحها مهلة تسوية الأوضاع حتى منتصف عام 2012. والمعايير الثلاثة تتعلق بالرفع المالي حيث على إجمالي الالتزامات ألا يزيد على %200 من حقوق المساهمين، وبالسيولة السريعة التي يجب ألا تقل شهريا عن %10 من إجمالي الالتزامات. أما المعيار الثالث فيعالج الاقتراض الخارجي الذي ينبغي ألا يزيد على %50 من إجمالي حقوق المساهمين. وقد وُصفت هذه المعايير بالخطوة الجريئة رغم تأخرها كثيرا.

واعتبرت الأوساط المالية في البلاد أن هذه المعايير بداية طريق طويل لإصلاح قطاع أصيب معظم وحداته بـ«العفن»، وبات يحمل سموما من جميع الأشكال والألوان، يظهر بعضها يومياً في سوق الكويت للأوراق المالية.

غير أن تقييم هذه المعايير جاء مغايرا من قبل صندوق النقد الدولي. ففي آخر تقرير له عن القطاع المالي الكويتي، الذي صدر في يوليو الماضي ونشرته القبس أيضا، يعتبر الصندوق أن هذه المعايير في غير محلها. ويوضح في هذا الإطار أن «تحديد مستويات السيولة والاستدانة عملية معقدة بسبب تنوع أنشطة الشركات»، بمعنى أن وضع المعايير تم قبل عملية تحديد هوية هذه المؤسسات، مما يزيد الوضع صعوبة.

خليط غريب عجيبإذن، ومنذ عام 2004، ما زال صندوق النقد يطالب بتحديد هوية شركات الاستثمار الكويتية، ولمّا يلق آذانا صاغية حتى الساعة. فبمجرد النظر إلى قطاع الاستثمار المدرج في سوق الكويت للأوراق المالية، يمكن ملاحظة خليط غريب عجيب رهيب من الشركات! ويقسم المراقبون هذه المؤسسات إلى أنواع مختلفة كالتالي:

 

1- مجموعات قابضة جُلّ نشاطها تملك حصص أقلية أو أكثرية في شركات مدرجة أو غير مدرجة. 2- شركات تمويل تعمل على إقراض المستهلكين لشراء سيارة أو أثاث منزل أو ما شابه. 3- شركات تدير محافظ مالية وصناديق استثمار لمصلحتها أو لمصلحة الغير. 4- شركات استثمار لا تعمل في سوى العقار، عبر استثمارات مباشرة أو غير مباشرة في مشاريع عقارية، وربما مشروع واحد فقط! 5- بين شركات الاستثمار من يعمل في الصيرفة فقط لا غير. 6- شركات ليست سوى أذرع متعددة لمجموعة واحدة. 7- مؤسسات استثمارية يتركز نشاطها خارج البلاد، من دون أي نشاط يُذكر داخل الحدود (مثل السورية والصينية والمغاربية). 8- شركات عبارة عن محافظ لا نشاط لها سوى المضاربة اليومية على أسهم المجموعة التي فرختها، أو التداول على أسهم أخرى بهدف تحقيق ربح سريع أو ربما خسارة. 9- شركات سمك لبن تمر هندي، تعمل في الوساطة وتفريخ الكيانات والاستثمار في المشاريع وطرح الاكتتابات وإدارة أموال الغير.

نموذج عملهذا غيض من فيض أنواع شركات الاستثمار المدرجة. ولعل الكيانات غير المدرجة، وعددها مضاعف، تخفي وراءها أنواعا جديدة من «البزنس» ذات الخليط غير المتجانس! لذلك أتى نداء صندوق النقد الدولي في عام 2004، وكرره اليوم، بضرورة تحديد هوية لهذه الشركات الخاضعة لرقابة البنك المركزي ورسم نموذج عملها بدقة، قبل صياغة معايير لمستويات الاقتراض والسيولة.

  فحسب المراقبين، تعتبر المعايير التنظيمية الأخيرة بمنزلة وضع العربة قبل الحصان. إذ كيف يتم تحديد معايير اقتراض موحدة لشركات قابضة وشركات تعمل في العقار؟! وما نفع معيار السيولة السريعة لدى شركات وساطة وشركات صيرفة؟! ولماذا تشديد قيود الاقتراض الخارجي لشركات لا تعمل في سوى الخارج؟!

وتذهب بعض الأوساط المالية نحو وصف خطوة التنظيم الجديد بانها «رفع عتب». فبعد انتقادات مختلفة المصادر لجودة رقابة وخطة تنظيم القطاع، ظهرت معايير، صحيح أنها علاجية، لكن ينقصها «النكهة الإصلاحية». فلقد شهد القطاع سنوات من الفلتان في الترخيص والتفريخ والتلاعب، وأتت الأزمة لتقصم ظهر الشركات دون أن تراعي خصوصيات أحد.

وهنا تقول مصادر استثمارية أن الماضي بات وراءنا، ويجب أن نتطلع إلى المستقبل، متسائلة: ما هي خطة المركزي اليوم لـ«غربلة» شركات الاستثمار؟ لماذا لا يضع معايير متشددة أخرى لتنظيم القطاع، ما دام %50 تقريبا من الشركات توافق جميع المعايير الثلاثة، حسب قول المحافظ؟ هل يستمر في منح التراخيص لشركات استثمار «أم وتابعة وزميلة» تمارس الأغراض نفسها؟ متى يصبح القطاع محل اهتمام جدي كقطاع المصارف بما أنه يدير أموالا لمصلحة الغير ويضم مدخرات عشرات آلاف المساهمين والمواطنين؟ متى تصغي الجهات الرقابية لنداءات صندوق النقد الدولي والمؤسسات العالمية بهدف تنظيف القطاع من «العفن»؟ متى تحدد هوية الشركات وترسم أغراضها بدقة وشفافية وموضوعية؟ إلى متى يستمر الوضع على ما هو عليه، فتذوب أسهم الشركات وتتآكل رؤوس أموالها وتتقهقر حقوق مساهميها وتتبخر أصولها وأصول عملائها؟ أسئلة بقيت سنوات من دون أجوبة، على أمل أن تغيّر الأشهر المقبلة الصورة.