«سبكيم» وإغراق السوق الصينية

04/07/2009 0
د. قصي الخنيزي

أعلنت الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات ''سبكيم'' الأسبوع الماضي قيام بعض الشركات الصينية برفع دعوى إغراق السوق الصينية بمنتجات البيوتانديول والميثانول ضد شركات في عدة دول من ضمنها سبكيم السعودية، وقد يطول ذلك بعض منتجات ''سابك''. وقد اتخذت الحكومة الصينية قرارا احترازيا أوليا يتمثل في فرض رسوم حمائية بنسبة متفاوتة على توريد هذه المنتجات للصين حتى يتم دراسة الموضوع دراسة وافية وإقرار هذه الرسوم من عدمه قبل نهاية العام بهدف حماية الشركات الصينية المنافسة...

ونظراً لكون إجمالي مبيعات شركات سبكيم في الصين يراوح بين 10 و16 في المائة من إجمالي مبيعات الشركة عالمياً، فإن التحرك السريع والمنظم لـ ''سبكيم'' وغيرها كـ ''سابك'' من مصدري المواد البتروكيماوية التي قد يطولها فرض الرسوم الحماية الصينية بات أمراً ملحاً. بداية، يعرف الإغراق بأنه بيع السلع في السوق المحلية ''الصيني'' من قبل مصنع أو تاجر محلي أو أجنبي بمستوى أسعار يقل عن السعر الطبيعي العادل، وتقنياً هو بيع سلعة بسعر يقل عن متوسط تكلفة الإنتاج زائد هامش الربح مما يؤدي إلى الإضرار بمصنعين أو تجار محليين ''صينيين'' للسلعة نفسها.

ولا يلجأ المغرق (المنشأة التي تقوم بعملية الإغراق) إلى بيع السلع بثمن بخس يؤدي إلى الخسارة بشكل اعتباطي، بل تتم عملية الإغراق ضمن استراتيجية طويلة المدى وواضحة المعالم مدعومةً بقدرة تمويلية عالية للمغرق هدفها السيطرة على حصة سوقية أكبر على المدى الطويل تمكنه من تعويض الخسائر وممارسة سلوك احتكاري يقلل من تكاليف التعامل مع المنافسة ويؤدي إلى أرباح تفوق تلك التي كان من الممكن تحصيلها دون اللجوء إلى الإغراق. فهل ينطبق هذا التعريف على مبيعات ''سبكيم'' لمنتجات البيوتانديول والميثانول في السوق الصينية؟ من غير الوارد، خصوصاً أن تكلفة الإنتاج لـ ''سبكيم'' وبالتالي متوسط هذه التكلفة يقل كثيراً عن الشركات البتروكيماوية المنافسة لانخفاض تكلفة أهم مدخل في العملية الإنتاجية وهو اللقيم وخصوصاً الغاز الطبيعي الذي توفره ''أرامكو'' بسعر منخفض جداً مقارنة بأسعاره العالمية.

ولتوضيح آلية الإغراق بصورة أكبر، عند وجود سلعة تقوم بتصنيعها أو إنتاجها أكثر من منشأة ويتشابه هيكل التكاليف والتقنية المستخدمة من قبل المصنعين، يؤدي اتباع أحد المصنعين أو التجار استراتيجية إغراقية تقوم على بيع السلعة بسعر يقل عن متوسط التكلفة إلى تكبد باقي المصنعين خسائر قد يعجزون عن تغطيتها عند محاولتهم مقاربة السعر الإغراقي وبالتالي خروجهم تدريجياً نتيجةً لتراكم الخسائر الناجمة عن حرب الأسعار أو عن خسارة جزء من السوق المستهدف.

وعليه، تتمركز الاستراتيجية الإغراقية حول الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الحصة السوقية في المدى القصير، إخراج المنافسين من السوق في المدى المتوسط، وإلى رفع الأسعار وتعويض الخسائر السابقة بانتهاج سلوك احتكاري في المدى الطويل. ويعتبر هدف الوصول إلى وضع احتكاري أساسياً في الاستراتيجية الإغراقية مما يحتم تأثر فائض المستهلك بالسوق المستهدف سلباً، وتعثر سياسات كسر الاحتكار وتحرير القطاعات الاقتصادية، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وإقامة عوائق طبيعية لدخول المنافسين الجدد.

ولارتباط الإغراق بالتجارة الدولية متعددة الأطراف، تسمح قوانين منظمة التجارة العالمية للدول الأعضاء بما فيها الصين والسعودية باتخاذ إجراءات لمكافحة الإغراق تتمثل في فرض حكومة البلد الذي يتعرض لسياسة إغراقية من قبل منشأة خارجية, ضريبة إغراق على السلع المستوردة تهدف إلى جعل سعر السلعة المستوردة انعكاس لقيمتها الحقيقية في البلد المصدر أو لمساواة السعر بمتوسط تكلفة الإنتاج زائداً هامش الربح إذا تم إثبات حالة الإغراق قانونياً. أي أن الضريبة تساوي الفرق بين القيمة الحقيقية للسلعة في البلد المصدر وسعر الإغراق في السوق المحلية.

هذا بالنسبة للمنشآت الخارجية التي تمارس الإغراق في السوق المحلية، إما بالنسبة لسياسة مكافحة الإغراق المحلية فقد تركت لتقدير الجهات التنظيمية والرقابية للدول الأعضاء. وعلى الرغم من أن قضية الإغراق المرفوعة ضد ''سبكيم'' لم يتم انتهاء التحقيق فيها واتخاذ قرار رسمي بشأنها بعد، إلا أن قدرة ''سبكيم'' على التحرك السريع والقانوني المحترف ستحدد مآل القضية المرفوعة وما إذا كانت نتيجة الحكم النهائي ستفضي إلى إزالة الرسوم الحمائية المفروضة أو تثبيتها.

وختاماً، من الواضح أن الإجراء الصيني بفرض رسوم مكافحة الإغراق احترازياً لحين إقرار ذلك قانونياً يأتي ضمن موجة عالمية ظهرت مع تفاقم الأزمة المالية العالمية للانقلاب على مبادئ التجارة الحرة واتفاقيات منظمة التجارة العالمية متعددة الأطراف، خصوصاً أن من بدأ باتخاذ الإجراءات الحمائية المتشددة هي الولايات المتحدة التي تعد الداعي الأول لتحرير التجارة العالمية قبل الأزمة. ففي أوقات الأزمات المالية الكبرى وعند الإحساس بغرق السفينة، تحاول بعض الاقتصادات القفز أولاً ومداراة مصنعيها المحليين، وبعد ذلك يأتي التفكير في بعض قراراتها. فإذا كان قرار فرض الرسوم احترازياً هو القفز من التزامات تحرير التجارة، فنأمل بالتعويض ورفع هذه الرسوم بعد أن يهدأ الموج ويأتي وقت التفكير.