تعمل الكثير من الدول التي ضربتها الأزمة المالية العالمية على تقليص حجم البنوك العاملة لديها، من خلال سلسة إجراءات تعكف على تنفيذها من خلال قوانين إصلاح وتنظيمات تحد من إحجام البنوك بشكل يسمح ليس بإنقاذها فقط، بل بتفكيكها واحتواء آثار إفلاسها دون أن يكون هناك تأثير على النظام المالي، وبالتالي الاقتصاد المحلي لتلك الدول، وبرزت هذه المشكلة عندما انهار بنك ليمان براذرز واحتاجت الحكومة الأمريكية لمئات المليارات لتجنب إفلاس كبرى بنوكها التي شارفت على السقوط، ولحقت بها دول أوروبا وإن كان بوتيرة أقل إلى الآن، وكان يطلق على تلك البنوك بأنها كبيرة بأكثر من أن تفلس، ولكن الأزمة قلبت المعادلة ليقال إنها كبيرة بأكثر من أن تنقذ.
وقد أفلس في هذه الأزمة أكثر من مائة بنك في أمريكا التي يصل عدد البنوك لديها قرابة 8000 بنك، ولكن ما يحدث في العالم المتقدم اقتصادياً حالياً لابد من أخذ العبرة منه، ففي اقتصادنا لا يعمل سوى 12 بنكاً، بالإضافة إلى فروع لبنوك أجنبية محدودة الحجم والتأثير. ويلاحظ منذ فترة رفع البنوك لرؤوس أموالها كي تستطيع مواكبة نمو الطلب على الخدمات المصرفية والتوسع بالإقراض، حيث يبلغ حجم المحفظة الإقراضية الآن 760 مليار ريال، ولكن استمرار البنوك الحالية برفع رساميلها سيضخم من حجمها بشكل كبير إذا ما استمر واقع القطاع المصرفي على ما هو عليه الآن، من حيث محدودية العدد بشكل عام، وبالتالي فإن أي ضرر قد يلحق بأحد البنوك لا سمح الله بالرغم من قوة الأنظمة الرقابية التي تفرضها مؤسسة النقد على العمل المصرفي، إلا أنّ طبيعة النشاط الاقتصادي والاستثماري وخدمات العملاء أصبحت أكثر تطوراً وتعقيداً ًومن المهم القول بأن طبيعة أي نشاط اقتصادي لا تخلو من المخاطر، لأن هناك ظروفاً تكون من خارج المؤسسة وتلعب دوراً كبيراً بالتأثير على قوتها المالية استمرار نشاطها بنفس الوتيرة.
ومع تطور الاقتصاد السعودي الأكبر عربياً والذي يشهد تحولات كبيرة بالاتجاه نحو توسيع الطاقة الاستيعابية. وتعدد النشاطات الصناعية والخدمية مع احتياجات أفراد المجتمع إلى تمويلات خاصة سواء لشراء سلع أو أصول، فإنه من المتوقع أن يرتفع حجم الطلب على القروض والخدمات المالية الأخرى بشكل كبير خلال العقد الحالي، خصوصاً أن المملكة تُعد من أكبر الدول نمواً بعدد السكان، مما يعني زيادة في وتيرة النشاط الاقتصادي بشكل كبير جداً. هذا بخلاف الخطط التنموية التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتوزيعها على كافة المناطق، فإنّ ذلك كله يتطلّب زيادة في حجم القطاع المصرفي، من خلال زيادة عدد البنوك وتنوع نشاطاتها لكي تتمكن من استيعاب المرحلة القادمة بأقل المخاطر دون أن تتركز على عدده المحدود حالياً، فإنّ ما حدث للبنوك في الاقتصاديات الكبرى والتي تُعَد متطورة بأنظمتها وحجم القطاع المالي فيها وضخامة مصارفها وتنوع مصادر دخلها ونشاطها، لا يعني أنه لن يتكرر في أي مكان بالعالم، فحجم موجودات المصارف لدينا يساوي حجم الناتج المحلي، دون أن ننسى أنها تبقى بنوكاً محلية وليست دولية كالموجودة بالخارج، وتنتشر فروعها بكل أصقاع الدنيا، وهذا بدوره يجب أن يكون نقطة مهمة في حسابات المستقبل لتخطي أي مخاطر قد تبرز حتى لو بعد سنوات طويلة.