أوضحت أحدث الدراسات المتعلقة بموضوع النفط والطاقة إن العالم يواجه اليوم تحديا نفطيا يتمثل في أن احتياطات البترول في العالم آخذة في الانخفاض بمعدل 6 في المائة سنويا تقريبا، كما أن الفجوة بين العرض والطلب في تزايد كل عام، بنحو 5 ملايين برميل في اليوم واننا سنجد أنه في عام 2018 سنكون بحاجة إلى قدرة إنتاجية إضافية بحوالي 40 مليون برميل من النفط يوميا وذلك طالما لا زلنا ننتج أكثر من 90% من الطاقة من موارد غير متجددة وعلى رأسها النفط.
وفي هذا الصدد توقعت مؤسسات عالمية متخصصة في الطاقة أن يبلغ الإنفاق العالمي على مشاريع القطاع 45 تريليون دولار خلال السنوات الـ 40 المقبلة وذلك بهدف تعزيز الخيارات المختلفة للمصادر، مؤكدة أن قطاع موارد الطاقة البديلة سيحقق نمواً سنوياً نسبته 25%، ليشكل بحلول عام 2030 نحو 70% من السوق العالمية للطاقة؛ وهو ما سيزيد من حصة القطاع الحالية والبالغة 150 مليار دولار لتصل إلى نحو 600 مليار دولار من إجمالي مشاريع البنية التحتية العالمية الخاصة بقطاع الطاقة والمقدرة بنحو 800 مليار دولار.
وفي الوقت الذي يستثمر فيه العالم أكثر من 100مليار دولار سنويا في قطاع الطاقة البديلة والمتجددة، يتوقع الخبراء ان يصل هذا المبلغ إلى 3 تريليونات دولار بحلول العام 2030. ومن المتوقع أنه في خلال فترة تقل عن عشر سنوات فان تكاليف توليد الطاقة من المصادر المتجددة ستقل الى نحو الثلث مما هي عليه الآن وهو مايكسب الاستثمار في هذا المجال المزيد من الزخم والتطور.
وتسعى الدول الأوروبية الى زيادة التركيز على توليد احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فقد قامت اثنتى عشر شركة أوروبية وأغلبها شركات ألمانية بتوقيع اتفاقيات مع عدد من دول المغرب العربي فيما يعرف باسم مشروع (ديزيرتيك) لاستغلال الصحراء الكبرى في بناء محطات الطاقة الشمسية للاستفادة من أشعة الشمس القوية والساطعة تقريبآ طوال العام لتوليد 15% من احتياجات أوروبا من الطاقة في عام 2050، وتبلغ تكلفة المشروع 400 مليار يورو.
تعتبر ألمانيا أكثر دول العالم تقدمآ في مجال الابتكارات والتقنيات التكنولوجية المتعلقة بالطاقة الشمسية متفوقة على أقرب منافسيها وهما الصين وأمريكا حيث شجعت في منتصف الثمانينيات كل عالم أو مهندس يطور أو يبني محطات تجريبية جيدة بمساهمتها بـ 50% من التكاليف، وبعد فترة أعلنت عن "برنامج المائة ميجاوات" الذي ينص على تقديم دعم لكل مستثمر في استغلال طاقة الرياح، هذا بالاضافة الى دعم الحكومة الألمانية القوي في مجال البحوث والتطبيقات المتعلقة بتوليد الطاقة من مصادر متجددة أخرى كمشروع توليد الطاقة الكهربائية من الرياح والذي يتم تنفيذه في بحر الشمال وهو أكبر مشروع من نوعه في العالم.
هذا بالاضافة الى مشاريع كبيرة مشابهة في اسبانيا والدنمارك وهولندا التي تعمل أيضآ دوما على تطوير آليات انتاج الطاقة من السدود المائية المحيطة بهولندا والتي تحميها في نفس الوقت من الغرق في مياه بحر الشمال وتعتبر هولندا أكثر دول العالم تقدمآ في تكنولوجيا وتقنيات بناء السدود واستغلالها في عمليات توليد الكهرباء فالمسألة عندهم مسألة حياة أو موت.
وقد قامت امارة أبوظبي باستثمار 15 مليار دولار لبناء أكبر محطة لانتاج الطاقة الهيدروجينية في العالم بقدرة 500 ميغاوات وتطوير مصادر الطاقة المتجدد، ويشمل المشروع ايضا تطوير مدينة تعتمد على الطاقات المتجددة، تؤوي 50 ألف شخص واطلق على هذه المدينة المستقبلية اسم "مدينة مصدر" وستخلو تماما من الانبعاثات الكربونية والسيارات.
أما الطاقة النووية فانها تلبي 16% من احتياجات العالم من الكهرباء ويوجد في العالم 440 مفاعلآ نوويا للاستخدامات السلمية و30 مفاعلآ قيد الانشاء وتعتمد عليها فرنسا (التي تمتلك أكبر شركة في العالم للطاقة النووية وهي شركة أريفا) في توليد 77% من احتياجاتها من الكهرباء مما يجعاها أقل عرضة من التأثر بارتفاع أسعار النفط والغاز وكذلك تولد اليابان 30% من احتياجاتها الكهربائية من المفاعلات النووية وهي نفس النسبة تقريبآ في العديد من الدول الأوروبية.
أن حجم الاحتياطيات والكميات المكتشفة حديثآ من النفط أو حتى الغاز لا تستطيع ان تساير حجم الاستهلاك العالمي الآخذ في النمو خاصة مع ارتفاع معدلات الاستهلاك في دول الاقتصادات الناشئة كالصين والهند أو حتى ارتفاع الاستهلاك المحلي في الدول المنتجة لاعتبارات النمو الاقتصادي والزيادة السكانية كما هو الحال في دول الخليج العربي والذي من الواضح أن فرص الاكتشافات الجديدة المستقبلية فيها آخذة في الانحسار خاصة وأن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن يرتفع حجم استهلاك الدول العربية من الطاقة الى ضعف المعدل الحالي وذلك في عام 2020. وحتى مع الاكتشافات البترولية الحديثة سواء في البرازيل قبالة سواحلها أو حقل أروند كنار المكتشف حديثآ في ايران فان الحاجة نحو تنويع مصادر الطاقة لاتزال لها أهميتها الاقتصادية والتكنولوجية والمعرفية العلمية .
وبالتالي فان سعي العديد من الدول العربية نحو تطوير وتنويع مصادر طاقاتها له ما يبرره خاصة في ضوء امتلاك الدول العربية جمعاء للامكانيات المتعلقة بتوليد الطاقة من مصادر متعددة كالشمس والرياح والمساحات الواسعة من الصحاري اللازمة لبناء تلك المحطات .
أما ما يتعلق بالطاقة النووية فان عددآ من الدول العربية قامت خلال الفترة الماضية بتوقيع عدد من الاتفاقيات المتعلقة بانشاء محطات للطاقة النووية سواء في الامارات والسعودية والأردن ومصر وان كانت الأمور لم تتجاوز حتى الآن مستوى الدراسات الاستشارية والبحثية، وان كنا من الممكن أن نتقبل مع الأسف الشديد أن دولآ مثل الامارات والأردن يمكن أن تسيطر فيها شركات أجنبية خاصة أيآ كانت جنسيتها على كامل عملية انتاج الطاقة النووية بدءآ من بناء المحطات حتى توليد الكهرباء هذا اذا وافقت حكومتي هاتين الدولتين على ذلك، فاننا لا يمكن أن نقبل ابدآ أن يسير الوضع على هذا النحو في دول أخرى مثل السعودية ومصر فلاعتبارات الدور و الأمن القومي سواء المحلي أو الاقليمي الاسلامي فانه لا يجوز أن تسيطر شركات أجنبية هي في هذه الحالة لن تعدوا أكثر من كونها مخلب قط لحكوماتها على امكانياتنا النووية التي لابد من تطويرها ودعم استقلاليتها فلا يكتفى بمجرد توقيع اتفاقيات بناء تلكم المحطات دونما أن يرافق ذلك التزام جدي بنقل وتوطين التكنولوجيا وتدريب الكوادر المحلية وصقل خبراتها والعمل على تجهيز أجيال جديدة في هذا المجال مع تطوير المناهج الدراسية والعلمية ومعامل الأبحاث في هذا التخصصات النووية.
هذا بالاضافة الى انه يجب أن تضع الدول الاسلامية والعربية نصب أعينها الى امكانية استغلال التقنيات الحديثة في مجال المفاعلات النووية مثل مفاعلات "سيزر" وهي نوع من المفاعلات لا ينتج عنها مخلفات نووية أو مخلفات قليلة مقارنة بأنواع المفاعلات الأخرى وتستمر بالعمل لعقود دون حاجة الى تغيير الوقود النووي المستخدم في تشغيلها؛ مما يدفع في النهاية نحو المساهمة في بناء مجتمع العلم والمعرفة ودعم استقلاليتنا الذاتية دونما اتباع أو خوف من أحد . وتتجلى أمامنا في هذا الخصوص فرصة عظيمة نحو تدعيم العلاقات الاسلامية البينية والقضاء على أية مسببات للتوتر وازالة كل المحاولات التي تهدف الى الوقيعة واثارة البغضاء والعداوة بين الدول الاسلامية، وذلك بأننا يمكن الاستفادة من الانجازات والخبرات الكبيرة التي تحققت في كل من اندونيسيا وماليزيا وباكستان ايران وتركيا في مجال الطاقة النووية وتبادل الخبرات والخبراء وتأسيس وتمويل مشاريع مشتركة للطاقة النووية في كل هذه البلدان وغيرها من البلدان الاسلامية والأفريقية ويمكن أن يتم ذلك في اطار تعاون مشترك ومدروس مع كل من الصين والهند وروسيا والبرازيل والأرجنتين والاستفادة من سعيهم نحو تعزيز تواجدهم العالمي وذلك بهدف تسريع انجاز تلك المشروعات وتأكيد سيطرتنا عليها، ولا ننسى في هذا الاطار تعزيز علاقاتنا مع الدول الأفريقية خاصة تلك التي تمتلك مناجم كبيرة لليورانيوم كالنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى أو تلك التي تمتلك خبرات كبيرة في هذا المجال كدولة جنوب أفريقيا. لتكون مشاريع الطاقة الجديدة مدخلآ لمستقبل جديد .