هل سيكون الاستثمار الزراعي الخارجي نموذج نجاح أم فشل؟

26/06/2010 0
د. قصي الخنيزي

أعادني تقرير نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» الأحد 13/6/2010 لمراسلتها في الرياض عبير علام وبعنوان «شركة سعودية جديدةتستأجر أراضي آسيوية من أجل الأرز» والعنوان بصيغته الأصلية New Saudi company leases Asia land for rice, إلى مقالة قمت بكتابتها بهذه الصفحة في «الاقتصادية» بتاريخ 18/4/2009 بعنوان «الاستثمار الزراعي خارجياً والمجتمعات الحاضنة», نظراً لتشابه الطرح الذي قدمته قبل عام مع تطور فكرة مشاريع الاستثمار الزراعي لشركات سعودية خارجياً في دول تتمتع بمقومات الزراعة للحفاظ على الثروة المائية الوطنية التي أهدرت في مشاريع زراعية غير مجدية لسنوات طوال خلال الثمانينيات كان نتاجها قمح مدعوم بنحو ثلاثة أضعاف قيمته السوقية، أي أن استيراد القمح حينها كان سيوفر هدر الموارد المالية والمياه الجوفية الناضبة.

ويشير تقرير «فاينانشيال تايمز» نقلاً عن محمد عبد الله الراجحي رئيس مجلس إدارة شركة تبوك للتنمية الزراعية ورئيس شركة الشرق الأقصى للاستثمار الزراعي المؤسسة حديثاً برأسمال يبلغ 100 مليون ريال, إلى أن الأخيرة قامت باستئجار أراض زراعية في كل من كمبوديا، فيتنام، باكستان، والفلبين لزراعة الأرز البسمتي ذي الحبة الطويلة بهدف تصديره إلى السوق السعودية بالسعر السوقي, علماً بأن دفعة المحصول الأول المقدرة بنحو 60 ألف طن من المتوقع لها الوصول إلى السوق السعودية مطلع العام المقبل 2011. وبحسب تصريح الراجحي فيما يتعلق بشركة الشرق الأقصى للاستثمار الزراعي، فإن الخطوات التالية للشركة تتضمن التوسع في توفير المنتجات الاستراتيجية لحاجة السوق السعودية كالقمح والذرة والفواكه الاستوائية من خلال قيام الشريك السعودي بتوفير رأسمال الاستثمار الأولي وتقنيات الزراعة بجانب المخازن وسلسلة والتوريد. كما أن من الأهداف الاستراتيجية طرح هذه الشركات للاكتتاب العام في السوق المحلية.

خطوة الاستثمار الزراعي الخارجي جاءت بعد ارتفاع أسعار السلع والمنتجات الزراعية في فترة الفورة بين 2005 و2008 واستمر زخمها بعد عزم المملكة على التخلي عن دعم زراعة القمح بعد نحو خمس سنوات من الآن، أي في عام 2016, للحفاظ على الثروة المائية الجوفية الثمينة. ويبدو أن الدافع الواضح وراء كل هذه الاستثمارات الخارجية الزراعية هو توقع رجال الأعمال ارتفاع حجم الطلب المحلي المستقبلي على المنتجات الزراعية المطلوبة وجدواها اقتصادياً, أو قدرة هذه المنتجات على المنافسة وإحلالها مكان منتجات لشركات أخرى منافسة وغير مملوكة لمستثمرين سعوديين. فليس هناك مبرر آخر للاستثمار الزراعي الخارجي إن لم يكن له سوق، وليس هناك من دافع للاستثمار الكبير إذا لم يكن هناك جدوى اقتصادية بالنسبة لرجال الأعمال.

كل هذه الاستثمارات الزراعية الخارجية ذات جدوى اقتصادية تبعاً لدراسات المستثمرين, كما أنها مفيدة على مستوى الاقتصاد الكلي, فبحساب الفائدة الوطنية المتوخاة، فهي تشتمل على المكاسب المتوقعة من الحفاظ على البيئة ممثلة في المياه الجوفية الثمينة في المملكة، وتخفيض تكلفة السلع والمنتجات الزراعية في أوقات ارتفاع الأسعار، واحتمال إعادة تدوير أرباح الشركات الزراعية الخارجية في الاقتصاد الوطني. أما فيما يتعلق بالمستهلك النهائي، فمن الصعب الحكم على درجة تأثر تكاليف السلع والمنتجات الزراعية النهائية, خصوصاً أن شركة الاستثمار الزراعي الخارجي تستهدف بيع المنتجات والسلع الزراعية بأسعار السوق ودون أي ميزة تفضيلية للسوق السعودية بما يؤدي في النهاية إلى تساوي أسعار هذه المنتجات في السوق المحلية سواء أكانت واردة من شركة ذات ملكية سعودية أم لا. وتكمن الفائدة الأساسية من شركات الاستثمار الزراعي الخارجي في توجيه هذه المنتجات ذات الطلب العالي في السوق السعودية إلى السوق السعودية دون غيرها وإن كانت المنتجات مقومة بالقيمة السوقية تبعاً للأسواق العالمية، حيث إن عرض هذه السلع والمنتجات الزراعية يتفاعل كميا مع قوى الطلب بصورة تمنع ارتفاع أسعار هذه السلع محلياً بصورة كبيرة مقارنة بالأسعار العالمية وتوجيه آلية الأسعار المحلية إلى التوازن قرب القيمة السوقية في الأسواق العالمية. بمعنى آخر، قد تنحصر الفائدة في كبح القفزات السعرية على المنتجات الزراعية ذات الطلب المرتفع من خلال رفع المعروض بما يسمح بتقليل الفجوة السعرية بين الأسعار العالمية والمحلية لهذه المنتجات والسلع الزراعية من خلال خفض الأسعار المحلية لتقترب من الأسعار العالمية على الرغم من الارتفاع الكلي لكلا السعرين مقارنة بفترة زمنية سابقة.

وتأتي مشاركة شركات القطاع الخاص في الاستثمار الزراعي متوافقة مع قرار مجلس الوزراء الموقر في العام الماضي بتاريخ 13/4/2009 بالموافقة على الترخيص بتأسيس شركة مساهمة سعودية مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة برأسمال يبلغ ثلاثة مليارات ريال باسم «الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني».

وأشار خبر الموافقة إلى أن من أهم أغراض الشركة الاستثمار في المجال الزراعي والإنتاج الحيواني وفق دراسات جدوى اقتصادية وفنية مجدية للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي للمملكة عن طريق توفير أكبر قدر من الاحتياجات الغذائية والزراعية والمنتجات الحيوانية بشكل يساعد على استقرار الأسعار داخل المملكة. وكان أحد أهداف إنشاء هذه الشركة التابعة لصندوق الاستثمارات العامة توفير التسهيلات والدعم للقطاع الخاص للاستثمار الزراعي الخارجي والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي، حيث إن أكبر دعم يحتاج إليه القطاع الخاص للتوسع في نموذج الاستثمار الزراعي الخارجي يتمثل في الدعمين السياسي والمالي.

وأخيراً، أورد تقرير «فاينانشيال تايمز» نقلاً عن جاك ديوف مدير عام منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة تحذيره من انطباع «الاستعمار الجديد», خصوصاً في الدول التي تعاني مجاعات بينما تقوم بشحن المحاصيل الزراعية إلى الخليج. ومثل هذا التخوف، بجانب كونه مشروعاً، كان متوقعاً من قبل المنظمات التي تهتم بحالة الزراعة والغذاء والتنمية في الدول والمجتمعات الأشد فقراً. لذا، أعود وأكرر الجملة التي ختمت بها مقالتي قبل نحو سنة وشهرين وهي «وأشدد هنا على ضرورة فهم وإشراك المجتمعات المحلية للمناطق المستهدفة بالاستثمار الزراعي والمنتجات الحيوانية, حيث إن هذه المجتمعات لا توفر فقط الأيدي العاملة بل توفر ضمانات نجاح المشروع وتقليل المخاطر المختلفة حين يتم إشراكها والاهتمام بتطورها واستفادتها».