ماذا يريد العالم من قمة العشرين

23/06/2010 0
د.محمد إبراهيم السقا

تم إنشاء مجموعة العشرين في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية وذلك في عام 1999، وتضم مجموعة العشرين 19 دولة بالإضافة إلى ممثل عن الاتحاد الأوروبي، وهذه الدول هي الأرجنتين واستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند واندونيسيا وايطاليا واليابان والمكسيك وجمهورية كوريا وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وقد كانت اجتماعات مجموعة العشرين في السابق تقتصر على وزراء المالية ومديري البنوك المركزية في هذه الدول، غير أنه منذ نشوب الأزمة المالية العالمية في 2008، أخذت هذه الاجتماعات تضم قادة هذه الدول، حيث يلتقي القادة لمناقشة القضايا الأساسية التي تواجه الاقتصاد العالمي، وتحتضن مدينة تورونتو الكندية قمة مجموعة العشرين الأسبوع القادم تحت شعار "استعادة النشاط وبدايات جديدة".

على مدى يومين سوف يقوم قادة دول مجموعة العشرين بفحص مدى نجاح الجهود المبذولة حتى هذه اللحظة لمعالجة الأزمة المالية،وتقييم مدى التقدم المتحقق على طريق استعادة النشاط الاقتصادي في العالم، ومن ثم تجديد التزامهم بالوفاء بتعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم في اللقاءات السابقة منذ انطلاق الأزمة المالية العالمية.

يلتقي قادة مجموعة العشرين هذه المرة في ظروف ربما تبدو أفضل، حيث أن المرحلة الحرجة من الأزمة المالية قد مرت، وبدأ العالم رحلة التعافي من الأزمة، غير انه لسوء الحظ، كافة المؤشرات المتاحة الآن تشير إلى أن هذا التعافي ربما يكون هشا، وذلك في ظل بروز ملامح مخاطر أزمة جديدة للديون السيادية هذه المرة، فضلا عن تزايد المخاوف من حدوث تراجع مزدوج لمستويات النشاط الاقتصادي، ليتكرر سيناريو أزمة الكساد العالمي الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. بل لقد أصبح في حكم المؤكد ألا يكون النمو في النصف الثاني من هذا العام على نفس النحو الذي شهده العالم في النصف الأول منه، حيث يتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي في معظم دول العالم.

معنى ذلك أنه على قمة العشرين ان تدرك انه من المبكر جدا حاليا أن يتم اتخاذ أي إجراءات لإيقاف برامج التحفيز المالي التي تبنتها تلك الدول لمعالجة آثار الأزمة المالية على اقتصادياتها، وأن العالم ما زال في حاجة إلى المزيد من الجهود في هذا المجال لضمان استقرار نمو الطلب العالمي واستقرار أسواق العمل، وذلك على الرغم من المخاطر المصاحبة لمثل هذا الاتجاه على سلامة الأوضاع المالية للدول.

قمة مجموعة العشرين تأتي في وقت يدرك الجميع فيه أن المستويات الحالية للطلب، على الرغم من المشكلات التي تواجه استقرارها،تنطلق أساسا من جهود مالية غير عادية للتحفيز، وان هذه الجهود، على الرغم من أنها رفعت من مستويات النشاط الاقتصادي، إلا أنها قد ساعدت في خلق مشكلة خطيرة هي مشكلة تفاقم عجز الميزانية في الكثير من الدول وتصاعد مخاطر الديون العامة التي أخذت في التزايد على نحو مثير للقلق، ومن ثم فإن على دول المجموعة أن تعي حقيقة أن معالجة الأزمة المالية لا يجب أن يتسبب في خلق أزمة أخرى، وأن على المجموعة أن تتأكد من أن الأوضاع المالية على الأجلين المتوسط والطويل تتسم بالاستدامة، وان نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تسير في الحدود الآمنة، و على النحو الذي لا يهدد الأسواق ويعمق ثقة المستثمرين في كافة أنحاء العالم.

في خطابه إلى قادة مجموعة العشرين القادمة في تورنتو أشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى أنه عندما التقى بالقادة أول مرة في لندن في ابريل 2009 كان العالم يواجه أسوأ أزمة مالية تعرض لها منذ الثلاثينيات، وقد استجابت دول العالم للازمة بسرعة وقوة غير معهودة واتخذت إجراءات لرفع مستويات الطلب الكلي بها، كما أعادت إصلاح نظمها المالية.

وفي مدينة بتسبره عندما أخذ النشاط الاقتصادي في العالم يتعزز، اتفق قادة العالم على العمل سويا لإعادة التوازن في النمو العالمي وإجراء الإصلاحات المالية لتقوية النظام المالي العالمي وحماية اقتصاديات العالم من مخاطر عدم الاستقرار.

أما في تورنتو فان قادة العالم يلتقون في ظروف قد لا تبدو مختلفة، حيث تجددت التحديات للاقتصاد العالمي مرة أخرى، وأصبح الوقت الحالي هو الأنسب للعمل سويا من اجل تعزيز استعادة النشاط الاقتصادي في العالم، والالتزام بالعمل بهدف استعادة استدامة الماليات العامة في الأجل المتوسط، فضلا عن العمل على استكمال إصلاح النظام المالي العالمي.

يشير الرئيس أوباما أن استدامة استعادة النشاط تتطلب طلب عالمي متوازن، ويعاني العالم اليوم من ضعف جوهري في اقتصاديات دول مجموعة العشرين، حيث أن تراجع الطلب من قبل القطاع الخاص يدعو إلى القلق، وان على اقتصاديات المجموعة أن تتأكد من ضمان نمو الطلب العالمي بحيث تتلافى عدم تكرار عدم الاستقرار السابق.

ويمكن دعم الطلب الكلي بعدة سبل والتي تختلف من اقتصاد لآخر، ففي بعض الدول يمكن من خلال تقوية شبكات الأمان الاجتماعي دعم المستويات المنخفضة من الاستهلاك، وفي دول أخرى يمكن أن يؤدي إصلاح أوضاع سوق العمل إلى دعم كل من مستويات الاستهلاك والاستثمار، كما ان أوباما يؤكد (في إشارة واضحة لموضوع إعادة تقييم اليوان الصيني) بأن معدلات الصرف يجب ان يتم تحديدها على أساس من قوى السوق لضمان حيوية الاقتصاد العالمي، فالإشارات التي توفرها معدلات الصرف الحرة تعد ضرورية لدعم النمو الاقتصادي المتوازن في الاقتصاد العالمي.

ويؤكد الرئيس أوباما أن على دول المجموعة أن تلتزم بتثبيت معدلات الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي عند مستويات مناسبة في الأجل القصير. وأنه ملتزم شخصيا باستعادة الاستدامة المالية في الولايات المتحدة ويعتقد ان كل دول مجموعة العشرين يجب أن تتبنى خططا مناسبة للنمو لاستعادة استدامة مالياتها العامة. على انه لا بد وأن يؤخذ في الاعتبار ان ذلك يجب أن يتم مع مراعاة احتياجات الاقتصاد العالمي، وقوة الطلب في القطاع الخاص والأوضاع الاقتصادية المحلية، ويجب ان يؤخذ في الاعتبار أخطاء الماضي عندما تم سحب خطط التحفيز المالي مبكرا، الأمر الذي أدى إلى عودة تهديدات عدم الاستقرار مرة أخرى.

وقد أشار الرئيس أوباما ان الولايات المتحدة سوف تستمر في تبني الإجراءات لدعم استمرار الطلب الخاص والتأكد من عودة العاطلين إلى أعمالهم، وفي ذات الوقت سوف تقوم بوضع الخطط اللازمة لضمان استقرار الأوضاع المالية في الأجل المتوسط، ولتحقيق ذلك سوف تعمل الحكومة الأمريكية على خفض العجز الذي ورثته إلى النصف في السنة المالية 2013، كما سوف تعمل على تخفيض نسبة العجز في الميزانية العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 3% في السنة المالية 2015، وهو ما سوف يعمل على تثبيت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي عند مستويات مقبولة في هذا العام.

أهم الموضوعات التي ستتناولها قمة العشرين في تورنتو هي العمل على الالتزام بإطار عام لإصلاح النظام المالي العالمي بما يضمن الآتي:

- ضرورة فرض متطلبات رأسمال وسيولة صارمة على المؤسسات المالية، بحيث تلتزم تلك المؤسسات بضرورة الاحتفاظ بمستويات أعلى من رؤوس الأموال وتعريف أفضل له، ومعدلات محددة للرفع المالي، وكذلك متطلبات سيولة مناسبة، بحيث تقل آثار المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها تلك المؤسسات.

- فرض رقابة أقوى على أسواق المشتقات المالية، بحيث يتم وضع نظام متفق عليه عبر كافة الأسواق المالية الرئيسية في العالم للرقابة على أسواق المشتقات، ويجب ان يخضع كافة المتعاملين في المشتقات المالية للرقابة وللقانون، كما يجب إعداد التقارير الدورية عن هذه الأنشطة وتطبيق قواعد صارمة للسلوك يلتزم بها كافة المتعاملين في هذه الأسواق بهدف تخفيف المخاطر النظامية الكامنة التي يمكن أن تنشأ عن وسوء استغلال هذه الأسواق.

- العمل على ضمان شفافية اكبر ومستويات أفضل من الإفصاح لتشجيع تكامل الأسواق وتخفيف الاتجاه نحو التلاعب بالأسواق لتحقيق الإرباح.

- التنسيق بين دول العالم من اجل تقليص حجم الشركات المالية العالمية وأن يصاحب ذلك الالتزام بقواعد تحول دون تحمل الأعباء التي يمكن أن تترتب على انهيار مثل هذه الشركات على دافعي الضرائب، وهو ما يعرف بحالة الشركات الأكبر من أن تسقط أو أن تفشل، وتهيئة مناخ أفضل للمنافسة.

غير أن مقترحات إصلاح النظام المالي العالمي لم تأخذ في الاعتبار ضرورة العمل على ضمان أن مصالح المستهلكين وصغار المستثمرين في العالم يتم حمايتها على نحو مناسب، وذلك في أي إطار تنظيمي يقترح لإصلاح القطاع المالي في المستقبل. من ناحية أخرى فإن نجاح مجموعة العشرين في التعامل مع الأزمة الحالية بفعالية غير مسبوقة، يقتضي البناء على هذا الأداء بحيث تنشئ مجموعة العشرين سكرتارية دائمة لها لضمان فعالية الأداء، وأن تعزز من تعاونها بحيث لا يرتبط فقط بالأزمة الحالية، وإنما ينبغي ان يستمر التعاون للتعامل مع كافة المشكلات التي يواجهها العالم، بحيث توضع القضايا الأخرى الملحة للعالم على رأس قائمة أولويات اجتماعات القمة القادمة للمجموعة، مثل قضايا مكافحة الفقر وقضايا التنمية وقضايا البيئة ومشكلة نقص الغذاء.. إلى آخر هذه القائمة الطويلة من القضايا الحرجة التي تهدد العالم، بصفة خاصة الدول النامية فيه.

من ناحية أخرى مطلوب من قمة العشرين أن تأخذ في الاعتبار ليس فقط التركيز على المصالح الاقتصادية للصفوة، وإنما يجب أيضا أن تأخذا في الاعتبار الدول الفقيرة، وأن تعمل على ضرورة تمثيل الدول الصغيرة والضعيفة اقتصاديا فيها على نحو مناسب وبحيث يكون لهذه الدول صوت مسموع في مثل هذه المحافل حتى لا تتأثر سلبا بما يتم الاتفاق عليه من سياسات وما يتم اتخاذه من إجراءات بدون وجود أي تمثيل لها. صحيح أن معدلات البطالة المرتفعة وانخفاض معدلات النمو التي صاحبت الأزمة ما زالت تمثل مخاطر مستمرة في الدول المتقدمة، إلا أن تباطؤ النشاط الاقتصادي في الدول المتقدمة لا شك أنه سوف يعكس آثاره السلبية على الدول النامية، بصفة خاصة على تدفقات التجارة والمساعدات بأشكالها المختلفة لتمكين الدول الفقيرة لكي تتعامل مع مفرزات الأزمة.