التأمين الصحي و الحقيقة الغائبة

14/06/2010 3
عبدالرحمن الكبير

قبل البدء بالحديث عن نظام التأمين الطبي بالسعودية، أريد أن أبين كيف هو الحال بالولايات المتحدة الأمريكية  و كيف قد يؤول الأمر في السعودية كما آلا إليه في أمريكا. بدأت فكرة التأمين الصحي أو الطبي في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الأهلية بين عام 1861 و 1865. كانت  أول بوليصة  تأمين صحي صدرت لحماية العمال في البواخر أو من حوادث السكك الحديدية أثناء عمليات البنية التحتية. في عام 1890 وما بعده، بدأت شركات التأمين بالنمو والتطور تدريجياً ويمكن إيضاح هذا التطور حسب التسلسل الزمني التالي:

1920 – 1930: ارتفاع أسعار الرعاية الصحية

 تأسس في هذه الفترة مجلس التعليم الطبي (Council on Medical Education) من قبل الجمعية الطبية الأميركية (American Medical Association)، الذي سن بعض المتطلبات و الشروط لدراسة الطب الأمر الذي بدوره  أدى إلى انخفاض في عدد من كليات الطب و عدد المتقدمين مما خلق بعض الضغوط على رفع تكلفة الخدمات الطبية  والأطباء.

1930-1940: ولادة جمعية الصليب الأحمر

بما أن الأسعار ارتفعت وعدد الناس المحتاجين للمستشفيات تضاعف، قامت مجموعة من المعلمين بفكرة إنشاء عقود تأمينية بينها وبين مستشفى جامعة بايلور (Baylor University Hospital) بحيث يقوم المعلمين بتسديد مبلغ محدد لفترة معينة مقابل التنويم والعلاج في المستشفيات. حظيت  هذه الفكرة بشعبية كبيرة، مما أدى إلى التنافس بين المستشفيات.

لذا قامت الرابطة الأمريكية للمستشفيات بإدراج جميع بوليصات التامين للمستشفيات تحت اسم جمعية الصليب الأزرق بحيث يكون تسديد الرسوم للجمعية مباشرة.

1940-1960: نمو سوق التأمين الصحي

بدأت أعمال شركات التأمين الخاص و التجاري بالدخول لهذه السوق النامية عندما لقت جمعية الصليب الأزرق رواجاً كبيراً من الناس. استخدام التكنولوجيا الطبية المتقدمة كان سبباً آخر في تعزيز النمو في سوق التأمين الصحي.

الرسم البياني التالي يبين عدد الناس الحاصلين على بوليصة تأمين (المؤمّنين) بين الفترة من 1940 إلى 1960.

أثناء الستينات (1960s): إنشاء منظمتي الرعاية الطبية (Medicare)و المعونة الطبية (Medicaid)

بالإضافة إلى جمعية الصليب الأزرق، زاد الطلب على التأمين الصحي بزيادة كبيرة. عندما فاز الديمقراطيون في السياسة بعد انتخاب رئاسة جون كينيدي في الستينات، قام الديمقراطيين بتشجيع و دعم نظام التأمين الصحي العام. لذا في عام 1965 ، صدرت الرعاية الصحية والمعونة الطبية كبرامج فيدرالية عامة على جميع الولايات تحت أسس وقوانين معينة.

الرعاية الطبية (Medicare) هو برنامج التأمين الصحي الوطني الذي يوفر خدمة التأمين للناس في سن 65 عاماً أو أكثر. و بعبارة أخرى،  يضمن أن الناس لديهم تأمين صحي عند التقاعد. بينما نظام المعونة الطبية هو برنامج الدولة للتأمين الصحي للأفراد والأسر ذات الدخل المحدود الآباء والأمهات والأطفال وكبار السن والمعوقين، وهو يختلف من ولاية إلى أخرى على أساس نصيب الفرد من الدخل في كل ولاية.

الآن، تتم تغطية الناس بالتأمين الصحي من عدة جهات مثل الرعاية الطبية، المعونة الطبية، الجهات العسكرية، عند طريق الشركات (بتأمين موظفيها) و وفقاً لمكتب إحصاء السكان الأميركي للعام 2006، فإن 84 ٪ من سكان الولايات المتحدة تحت تأمين هؤلاء الجهات، بينما 16% لا يمتلكون بوليصة تأمين.

الرسم البياني التالي يبين تزايد عدد الناس الذين ليس لديهم بوليصات تأمين بين الثمانينات إلى عام 2007.

كثير من الدراسات أوضحت أن أكثر الناس الغير مؤمنين بسبب عدم القدرة على دفع المصاريف، فقدان العمل،  أو ليسوا ممن يسمح لهم النظام (خاصة في المعونة الطبية).

الرسم البياني يوضح بعض الأسباب ونسبتها.

 أغلب الشركات الخاصة أو المساهمة التى تأمن على موظفيها لا تغطيهم تغطية كاملة بل تتحمل جزء من التكلفة. ولأن التأمين مصدر كبير وسهل للسيولة السريعة لكثير من شركاتها، قامت اغلبها بتضييق الخناق على كثير من الناس من حيث آلية تغطية المصاريف الطبية فقد وضعوا شبكات أو مجموعات طبية محددة لا يمكن للمريض الذهاب إلى غيرها ووضع قوانين صارمة من ناحية التعويضات حتى وصل الأمر ان الناس لديهم تأمين و لكنه لا يشمل ما يطمحون إلى تغطيته، بل أن بعض الشركات توظف أشخاصاً متخصصين في وضع ثغور في البوليصة بحيث أغلب الناس لا يعلم عنها إلا إذا ذهب للمستشفى و تفاجأ بأن تكلفة علاجه غير مشمولة تحت بوليصته التأمينية. هذا ساهم كثيراً على ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية.

كما هو ملاحظ الآن هو أن أداء معظم مستشفيات وزارة الصحة ليس بالمطلوب و أن بعضها قد تدار عن طريق القطاع الخاص الذي يطمح لزيادة الهامش الربحي بأقصى قدر ممكن مما قد يؤدي إلى تدني الخدمات المقدمة مع عدم الرقابة الكافية من قبل وزارة الصحة.

لذا يلجأ الكثير من الناس للذهاب إلى المستشفيات الخاصة (خاصة لتوفر المواعيد القريبة)التي تتعامل مع الكاش أو بطاقات التأمين. مع كثرة الطلب على هذه المستشفيات، فإن التكاليف قد ترتفع لا سيما بمحدودية عدد المستشفيات الخاصة.

الغرض من هذا التقرير المبسط هو لطرح ثمة أسئلة منها: هل ستتبع شركات التأمين ما اتبعته شركات التأمين الامريكية و هل سنكون مثل الشعب الأمريكي ؟ هل مؤسسة النقد العربي السعودي ستكون متابعة ومراقبة لسياسات هذه الشركات؟

وهل سيصبح القطاع الصحي مبعثراً مثل الولايات المتحدة؟  وما مصير الناس ذوي الدخل المحدود أوالعاملين في قطاع الدولة (المدرسين مثلاً) الذين ليس لديهم تأمين طبي بالمستقبل القريب؟