الأربعاء الماضي التاسع من حزيران (يونيو) 2010 الحالي هو يوم خاص للمملكة العربية السعودية كونه يمثل الذكرى الخامسة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ أيده الله. تعود لنا هذه الذكرى السعيدة ونحن نتلمس إنجازات رائعة متعددة المحاور وعلى عدة صعد ليس هناك من مجال لحصرها أو تلخيصها في مقالة لشخص متخصص في الاقتصاد والمالية.
لذا، لنحاول النظر إلى جزء من المنجز الاقتصادي في السنوات الخمس السابقة وتحليل التطورات التي أثرت في المسيرة الاقتصادية السعودية والنهج والفلسفة الاقتصادية السعودية عموماً منذ بيعة خادم الحرمين الشريفين إلى حلول ذكرى البيعة الخامسة. النهج الاقتصادي يُحدد وتتم قراءته تبعاً للسياسة الاقتصادية الكلية وتحرك متغيراتها لتتفاعل مع التشريعات والتنظيمات الاقتصادية الكلية المالية والنقدية والقانونية التي تؤثر في المتغيرات المالية والاقتصادية والتشريعية المختلفة, وصولاً إلى الاقتصاد الجزئي ومكوناته لتشكل جميعها نهج التنمية والتطور للمواطن والمقيم على أرض المملكة.
بنظرة عامة وسريعة على تحولات الاقتصاد الوطني خلال السنوات الخمس السابقة، فإن نمو القطاعات المحلية ضمن مكونات النمو الاقتصادي يأخذ الحيز الأكبر بجانب قطاع الخدمات الاجتماعية. فقد شهدت السنوات الخمس الماضية نمو إجمالي الناتج المحلي بأقيام المنتجين بالأسعار الجارية بنحو 19 في المائة من نحو 1.2 تريليون ريال عام 2005 إلى نحو 1.4 تريليون ريال عام 2009. والملاحظ هيمنة القطاعات الدفاعية، أي المعتمدة على دورة الاقتصاد الوطني، ذات البعد الداخلي على النمو في هذه الفترة كقطاعات النقل والتخزين والاتصالات، والتجارة، والصناعات التحويلية، وخدمات الأعمال، والخدمات الاجتماعية والشخصية.
وبتناول أداء السياسة المالية في الأعوام الخمسة الماضية, نلاحظ أن الإنفاق الحكومي, أي رغبة الحكومة في الإنفاق على الاقتصاد ارتفعت من نحو 280 مليار ريال في عام 2005 إلى نحو 540 مليار ريال في ميزانية العام الحالي بارتفاع بلغ نحو 93 في المائة تبعاًلتقديرات الميزانية العامة للدولة الصادرة من وزارة المالية. ويجب ألا يؤخذ هذا الرقم بالمطلق، حيث إن أوجه الإنفاق شكلت مؤشرات مهمة للنهج الاقتصادي خلال الأعوام الخمسة السابقة, خصوصاً أن أولويات الإنفاق خلال السنوات الخمس السابقة تركزت في الإنفاق الاستثماري وإطفاء الدين العام, فمثلاً حاز قطاع تنمية الموارد الاقتصادية المركز الأول من ناحية المخصصات بارتفاع بلغ نحو 179 في المائة، يليه قطاع تنمية تجهيزات البنية الأساسية بارتفاع بلغ نحو 156 في المائة، ثم قطاع الإعانات، الخدمات البلدية، والصحة والتنمية الاجتماعية بارتفاع بلغ نحو 150، 109، و102 في المائة، على التوالي.
هذا النمو الذي تصدره الإنفاق الاستثماري والقطاعات التنموية ذات العلاقة بتحسين البنية التحتية والتنمية الاجتماعية تشير إلى أن السياسة الاقتصادية خلال الأعوام الخمسة السابقة تستهدف النمو متوسط وطويل الأمد, الذي تدعمه بنية أساسية قوية وحديثة ومعونات اجتماعية تستهدف التوازن الاجتماعي وتحقيق الدخل المتوازن للشرائح الاجتماعية المحتاجة، حيث إن الإنفاق الاستثماري يؤتي أُكله مستقبلاً وليس آنياً مقارنة بالإنفاق الاستهلاكي، إلا أن السياسة المالية لم تغفل الاحتياجات الاستهلاكية للشرائح المحتاجة محلياً عن طريق الإعانات ودعم القطاعات ذات العلاقة. وعليه، فإن السياسة المالية في الذكرى الخامسة للبيعة هي سياسة مستقبلية تنظر إلى الأمام وتراقب الوقت الآني لتطوير المكتسبات الاقتصاديةالمستقبلية وتحفيز النمو الاقتصادي اجتماعياً من خلال توفير الدعم لتحسين الدخل وتوزيع العوائد بين مختلف الفئات الاجتماعية.
أما من ناحية الإيرادات الفعلية لخزانة الدولة التي ترتبط بمتغيرات الدخل فقد ارتفعت بنحو 95 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية بينما ارتفعت المصروفات الفعلية لميزانية الدولة التي ترتبط بالإنفاق بناء على حاجة الاقتصاد بنحو 50 في المائة, ما يشير إلى أن التقديرات كانت متحفظة مقارنة بالعوائد والإنفاق الفعلي. هذا التحفظ في تقديرات الميزانية أدى إلى تكون تراكمات في احتياطيات المملكة من العملة الأجنبية وتدعيم مركز المملكة المالي والاقتصادي خلال السنوات الخمس الفائتة, الذي يشكل ذخراً للأعوام المقبلة.
وبالنسبة للسياسة النقدية، فقد نما المعروض النقدي بمفهومه الشامل (ن 3) خلال السنوات الخمس الماضية بنحو 86 في المائة بما يشير إلى دور مهم للسياسة النقدية في تحفيز النمو الاقتصادي ومواكبته. أما الائتمان المصرفي الذي يعد بشكل كبير انعكاساً للسياسة النقدية فقد ارتفع بنحو 63 في المائة من نحو 453 مليار ريال عام 2005 إلى نحو 737 مليار ريال بنهاية عام 2009, بينما شكل الائتمان المصرفي للقطاع الخاص فقط نمواً بنحو 68 في المائة ليؤكد اهتمام السياسة النقدية بتنمية القطاع الخاص وقطاع الأعمال. هذا الارتفاع في نمو الائتمان المصرفي قابله ارتفاع في الودائع المصرفية للفترة نفسها بلغ نحو 93 في المائة ليشكل استمراراً للنمط المتحفظ لمخاطر الائتمان, الذي أثبت نجاعته في خضم الأزمة المالية العالمية من قبل السياسة النقدية ممثلة في «ساما»، أي مؤسسة النقد العربي السعودي.
ولإتمام حلقة النمو الاقتصادي بالبحث والتحليل، لا بد من تناول تطورات البنية المؤسسية والتشريعية خلال عهد البيعة لخادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ فبرؤية اقتصادية بحتة، تم توفير تشريعات وقوانين وأنظمة ومؤسسات منذ عام 2005 إلى الآن تهدف إلى إكمال مسيرة السياسة النقدية والمالية والمؤسسية حيناً وإلى تعضيدهم في أحيان أخرى. فقد تم إنشاء وتعضيد عدد كبير من المؤسسات والهيئات منها المجلس الاقتصادي الأعلى، وهيئة سوق المال، والهيئة العامة للاستثمار، والهيئة العليا للسياحة، التي أسهمت كلها بجانب شركات أخرى في دعم جميع السياسات الاقتصادية.
وختاماً، تعد السياسة النقدية، والسياسة المالية، والبنية المؤسسية والتشريعية مجرد أدوات في محفظة صانع القرار الاقتصادي, ويحقق التنسيق والترتيب بينهم الهدف الأسمى للنمو الاقتصادي ممثلاً في رفع مستوى الرفاه والتطور التقني والنمو الاقتصادي المستدام الذي بدأت مؤشراته في الظهور بتزامن مع ذكرى البيعة لقائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ أيده الله وأدامه لنا أباً وقائداً.