نظرية القرود الخمسة

08/06/2010 10
ماهر القرا

أحضر خمسة قرود، وضعها في قفص !وعلق في منتصف القفص حزمة من الموز وضع تحتها سلم، بعد مدة قصيرة ستجد أن قردا من المجموعة سيحاول صعود السلم للوصول إلى الموز . وما أن يضع يده على الموز، أطلق رشاشا من الماء البارد على القردة الأربعة الباقين وأرعبهم ..

 بعد قليل سيحاول قرد آخر أن يعتلي نفس السلم ليصل إلى الموز، كرر نفس العملية، رش القردة الباقين بالماء البارد. كرر العملية أكثر من مرة .. بعد فترة ستجد أنه ما أن يحاول أي قرد أن يعتلي السلم للوصول إلى الموز ستمنعه المجموعة خوفا من الماء البارد.

الآن.. أبعد الماء البارد، وأخرج قردا من الخمسة إلى خارج القفص، وضع مكانه قردا جديدا (لنسميه سعدان) لم يعاصر ولم يشاهد رش الماء البارد. سرعان ما سيذهب سعدان إلى السلم لقطف الموز، حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة من الماء البارد لمنعه وستهاجمه. بعد أكثر من محاولة سيتعلم سعدان أنه إن حاول قطف الموز سينال (ضربات) من باقي أفراد المجموعة.

الآن أخرج قردا آخر ممن عاصروا حوادث رش الماء البارد (غير القرد سعدان)، وأدخل قردا جديدا عوضا عنه. ستجد أن نفس المشهد السابق سيتكرر من جديد. القرد الجديد يذهب إلى الموز، والقردة الباقية تنهال عليه ضربا لمنعه بما فيهم سعدان على الرغم من أنه لم يعاصر رش الماء، ولا يدري لماذا ضربوه في السابق، كل ما هنالك أنه تعلم أن لمس الموز يعني (علقة) على يدالمجموعة. لذلك ستجده يشارك، ربما بحماس أكثر من غيره بكيل اللكمات والصفعات للقردالجديد (ربما تعويضا عن حرقة قلبه حين ضربوه هو أيضا).

استمر بتكرار نفس الموضوع، أخرج قردا ممن عاصروا حوادث رش الماء، وضع قردا جديدا، وسيتكرر نفس الموقف. كرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضوا لرش الماء حتى تستبدلهم بقرود جديدة. في النهاية ستجد أن القردة ستنهال ضربا على كل من يجرؤ على الاقتراب من السلم. لماذا؟ لا أحد منهم يدري!! لكن هذا ما وجدت المجموعة نفسها عليه منذ أن وجدت في ذلك القفص!

هذه القصة ليست على سبيل الدعابة. وإنما هي من دروس علم الإدارة الحديثة

فالجميع قد اعتاد على فعل شيء ما، وهنا سيكون التركيز على سوق الأسهم لأنه محور الاهتمام. اعتاد على الفعل دون ان يعلم ما سبب توجهه لذلك .فنجد الكثيرين تعودوا على الجلوس أمام شاشات التداول يوميا، وتنفيذ اوامر البيع والشراء وذلك لمجرد " انه اعتاد على ذلك " دون ادنى تفكير او معرفه في التحكم بأخذ القرار المناسب ، فلا يعرف لماذا اصلاً ارتفع السوق ام هبط .. فهو " اعتاد  على تلك التحركات الغريبه ولم يحاول يوماً ان يقف ويفسرها او يحاول في ذلك فهو " كسعدان " تعود على شيء ما ولكن لم يعرف ما سببه.

فنرى البعض من المتداولين او الاغلب في ما قبل انهيار فبرار 2006 يقومون بتنفيذ امر شراء ثم بعد فترة  تنفيذ امر بيع على نفس السهم وجني الاباح، واستمروا في ذلك ظناً منهم ان هذا روتين سيستمر مدى الحياة . وبعد ان انكشفت الاوراق وتم " اخراج القرود الخمسه " ظل الباقي يتخبط عشوائياً بخسائر تتراكم عليه لمجرد انه " تعود " الجلوس امام الشاشه ولم يدرى اهو تصحيح او انهيار وهل السوق سيرتفع ام ينخفض ولم يكلف نفسه بالاطلاع على أي اخبار اقتصادية عالمية او محلية والادهى من ذلك انه ربما يشتري اسهم شركة لا يعلم ماهو نشاطها وما هي ارباحها . فكل ما يعرفه هو ان يشتري وينتظر الارباح الخياليه .

اعتقد انه حان الاوان ان يسأل كل شخص نفسه عن اهدافه الحقيقيه في سوق الاسهم ونسبة الربح التي يريدها ودرجة المخاطره التي يتحملها، وان يضع الخطط المدروسه للتعامل في سوق المال الشديد التقلب ، فالخبره  بدون علم ستؤدي في يوم ما الى جهل ، فدوام الحال من المحال ، وجميع الاسواق في تغيرات وتقلبات ودورات حياة مستمرة .

اما ان يستمر المتداول في التعامل العشوائي للسوق فسيكون كتلك القرود التي امامها الكنز " الموز "وهو لا يعرف الوصول اليه ولا يعلم لماذا لم يصل اليه ويتحمل الخسائر " الجوع "رغم انه يعيش في نفس المكان الذي يتواجد به الكنز .