في ضوء النتائج المالية للعام 2009 وحسب قاعدة بيانات شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية - الكويت، فإن موجودات البنوك الإسلامية التجارية تشكل حوالي 20% من إجمالي موجودات البنوك التجارية الخليجية ومع ذلك فإن حصة البنوك الإسلامية التجارية ترتفع بشكل كبير عن حصة البنوك التقليدية في عدد من المؤشرات الأخرى مثل حقوق المساهمين وإجمالي الدخل ما يعني أن تلك البنوك لها أثر على الجهاز المصرفي يحسب حسابه رغم قلة حجمها نسبة إلى البنوك التقليدية.
وقد أسهمت البنوك الإسلامية التجارية بما لا يقل عن 27% من إجمالي دخل البنوك التجارية الخليجية في العام 2009 وهو كما أسلفنا مرتفع بالمقارنة مع أحجام تلك البنوك التي تشكل 20% في إجمالي أحجام البنوك الخليجية، وهذا يعد مؤشراً قوياً على مدى إسهام البنوك الإسلامية التجارية في فعالية الجهاز المصرفي الخليجي فضلا عن كونها صمام أمان عن الاستثمار في الأصول المسمومة خلال الأزمة المالية العالمية. إلا أن الأثر الاقتصادي للأزمة أثر على البنوك الإسلامية التجارية بشكل أكبر من تأثيره على البنوك التقليدية نتيجة احتفاظ البنوك الإسلامية التجارية بنسبة لا تقل عن 20% من موجوداتها على شكل أصول عينية ومالية انخفضت قيمتها مع هبوط الأسواق، الأمر الذي حدا بتلك البنوك إلى أخذ مخصصات لمواجهة خسائر محتملة في تقييم الاستثمارات بالإضافة إلى خسائر محتملة قد تنتج عن عدم السداد لبعض الحاصلين على تمويلات منها الأمر الذي أدى إلى انخفاض صافي دخل البنوك الإسلامية التجارية بشكل ملحوظ ليسجل أدنى انخفاض له بالتاريخ وبنسبة -32% نهاية 2009.
ومن الجدير ذكره أن معدل النمو لصافي دخل البنوك الإسلامية التجارية من إجمالي دخل البنوك الخليجية بدأ ينخفض منذ العام 2006 (30%) ليصل إلى (28%) في 2007 ، ثم (-18%) في 2008، مع العلم أن النفقات التشغيلية بدأت بالارتفاع منذ العام 2006.
وقد وصل معدل نمو مخصصات انخفاض قيم الاستثمارات ومخصصات خسائر التمويل المحتملة إلى 299% في العام 2008 ثم واصل ارتفاعه لينمو بواقع 51% في العام 2009 عن العام 2008.
معدل العائد على حقوق المساهمين يعتبر العائد على حقوق المساهمين (Return on Equity - ROE) من أهم المؤشرات التي يبنى على أساسها تحليل أداء الشركات بشكل عام. ويتكون هذا المؤشر من حاصل قسمة صافي الربح على إجمالي حقوق المساهمين، أي أنه يعد ذا أهمية بالغة لحملة الأسهم الحاليين والمحتملين.
وقد بلغ العائد على حقوق مساهمي البنوك الإسلامية التجارية (كمجموعة) 16.2% في العام 2008 منخفضاً بواقع 6% عن العام 2007 ، ثم عاود الانخفاض ليصل إلى 10.9% في العام 2009.
ويعتبر العائد على حقوق المساهمين نتيجة حتمية لمؤشرين رئيسين: العائد على إجمالي الموجودات (Return on Assets - ROA) (وهو من مؤشرات الربحية)، ومضاعف حقوق المساهمين (Equity Multiplier - EM) (وهو من مؤشرات الرفع المالي). فكيف كان هذان المؤشران بالاستناد إلى نتائج البنوك التجارية الإسلامية الخليجية ؟
معدل العائد على الموجودات
بلغ معدل العائد على إجمالي موجودات البنوك الإسلامية التجارية 2.7% في العام 2008 منخفضاً بواقع 1.3% عن العام 2007 ثم عاود الانخفاض في 2009 ليصل إلى 1.71%. ونظراً لأن العائد على إجمالي الموجودات يتأثر بشكل كبير في طبيعة الدخل المتحقق ما يعني النظر بشكل أدق بطبيعة النشاطات التي تمارسها البنوك والتي ولدت الدخل المتحقق بالإضافة إلى طبيعة توزيع الموجودات وهي عوامل بمجملها تتأثر بالفارق بين طبيعة نموذج أعمال البنوك الإسلامية التجارية وطبيعة نموذج أعمال البنوك التقليدية.
نموذج أعمال البنوك الإسلامية فالبنوك الإسلامية التجارية عندما تمول الأصول بصيغة الإجارة المنتهية بالتمليك على سبيل المثال، يجب عليها بحكم الشريعة الإسلامية الاحتفاظ بهذه الأصول ضمن ميزانياتها العمومية كموجودات إلى أن يتم نقل ملكيتها بالكامل إلى صاحب التمويل على سبيل الهبة أو البيع بسعر بسيط. أما بالنسبة للتمويل التأجيري في البنوك التقليدية فإن الملكية تؤول ابتداء إلى طالب التمويل ما يعني عدم دخول العقار كأصل عيني في ميزانية البنك التقليدي، وبالتالي لن يكون البنك عرضة للانكشاف على مخاطر انخفاض القيمة السوقية للعقارات الممولة بالتأجير.
ولعل هذا المثال يعطي صورة مبسطة عن أسباب انخفاض صافي الدخل للبنوك الإسلامية التجارية التي اضطرت إلى أخذ مخصصات بأحجام كبيرة لمواجهة مخاطر انخفاض القيمة السوقية للأصول العينية وحتى المالية التي تملكها.
ومن ناحية أخرى، فإن نموذج الأعمال الذي تستند إليه بشكل أساسي عملية إدارة الموجودات والمطلوبات ومن ضمنها عملية إدارة السيولة يختلف بشكل هيكلي عنه في البنوك التقليدية، وعليه فإن البنوك الإسلامية التجارية وإن واكبت نماذج الأعمال للبنوك التقليدية من حيث الشكل إلا أن الإطار الهيكلي لتلك الأعمال يبقى محكوماً بالشريعة الإسلامية وهو أمر له استحقاقاته.
وفي ضوء ما سلف، فإن العائد على موجودات البنوك الإسلامية التجارية قد تأثر بشكل كبير إبان الأزمة المالية وآثارها الاقتصادية بسبب طبيعة موجودات تلك البنوك وطبيعة نماذج أعمالها.
هامش صافي الربح ومعدل دوران الموجودات
بعد الإطلاع على مؤشر مضاعف حقوق المساهمين، ومؤشر العائد على إجمالي الموجودات تقتضي الضرورة التحليلية الدخول إلى مكونات العائد على إجمالي الموجودات للنظر بشكل أكثر تفصيلاً على أداء البنوك الخليجية.
فالعائد على إجمالي الموجودات ما هو إلا حصيلة رياضية لضرب هامش صافي الربح (Profit Margin - PM) و معدل دوران الموجودات (Assets Turnover).
ويعتبر هامش صافي الربح مدخلاً هاماً لمعرفة حجم النفقات التي أنفقتها البنوك نسبة إلى حجم إجمالي الدخل الذي تأتى خلال الفترة المالية محل الدراسة. أو بمعنى آخر نسبة الربح الصافي إلى إجمالي الدخل.
وقد بلغ هامش الربح الصافي للبنوك الإسلامية التجارية المعنية ما نسبته 38% من إجمالي الدخل في العام 2008 بعد أن كان 51% في العام 2007، ثم انخفضت هذه النسبة في الربع الأول 2009 لتصل إلى 28.36% فقط. ولا غرابة في ذلك، إذا ما عدنا إلى ما ذكر سالفاً عن انخفاض صافي الدخل للبنوك الإسلامية التجارية بسبب ارتفع قيم المخصصات.
إضافة إلى ذلك، فإن نسبة نفقات التشغيل في البنوك الإسلامية التجارية إلى إجمالي دخلها ظلت على مدى سنوات أعلى منها في البنوك التقليدية لأسباب عزتها بعض الدراسات إلى ارتفاع كلف الهيكلة الشرعية للمنتجات المالية الإسلامية، وارتفاع أجور العاملين في البنوك الإسلامية التجارية نظراً لندرتهم في الأسواق مقارنة مع الأعداد المتزايدة للمؤسسات المالية التي تعمل وفقاً للشريعة.
أما فيما يتعلق بمعدل دوران الموجودات، فقد بلغت هذه النسبة 0.7 مرة و 0.8 مرة في 2008 و 2007 على التوالي ثم انخفضت في 2009 لتصل إلى 0.6 مرة. أفضل البنوك الإسلامية أداءً يعتبر مصرف الراجحي أكبر بنك إسلامي على مستوى العالم من حيث حجم الأصول، وقد حقق مصرف الراجحي أداءً قوياً في العام 2009 جعله في المرتبة الأولى ليس على مستوى البنوك الإسلامية التجارية وحسب، بل على مستوى البنوك الخليجية بشكل عام، فقدحقق مصرف الراجحي عائداً على حقوق مساهميه بلغ 23.55% عام 2009 وبفارق شاسع عن مصرف الريان القطري الذي حل ثانياً بواقع 14.7%.وبشكل عام، فقد كان أداء البنوك القطرية الإسلامية التجارية مميزاً في العام 2009 حيث حل مصرف قطر الإسلامي (المصرف) ثالثاً من حيث العائد على حقوق المساهمين بواقع 14.68% وتلاه مصرف قطر الإسلامي الدولي بواقع 13.46%.
أما بالنسبة لبيت التمويل الكويتي فهو يحتل المركز الثاني عالمياً من حيث حجم الأصول وقد واصل انتهاج سياسة تحفظية تستهدف بشكل رئيس تعزيز المركز المالي وبناء مخصصات كافية لمواجهة أي تداعيات أو إفرازات للأزمة، ومن ذلك الارتباطات مع أطراف قد تتعرض للتأثر بالأزمة، بالإضافة إلى المحافظة على معدل من النمو المستقر والأداء المتوازن لكافة الأنشطة والأعمال، وذلك وفقاً لتصريحات رئيس مجلس إدارة البنك الذي أشار إلى أن البنك يحرص أن تكون هذه المخصصات كافية بشكل يغطى أي مخاطر أو مطالب محتملة في الوقت الراهن ومستقبلا.
ومن الملاحظ بشكل عام، أن البنوك الإسلامية الخليجية التي لها ارتباطات بشركات تابعة أو زميلة تأثرت بشكل أكبر من البنوك الإسلامية التي ليس لها علاقات بشركات تابعة أو زميلة، وهذا أمر يستوجب الوقوف عليه لأن فيه ما فيه ووراءه ما وراءه من أمور خفية تتعلق بالحوكمة وتعارض المصالح والشفافية التي يجب أن تخضع لها البنوك ليس الإسلامية وحسب بل كل البنوك العاملة في منطقتنا.