معجزة ومعضلة التكاليف الثابتة (الجزء الثاني: المعضلة)

06/06/2010 1
محمد القويز

في الأسبوع الماضي تحدثت عن "معجزة" التكاليف الثابتة التي مر بها جميع القطاعات الإنتاجية عبر القرن الأخير، حيث تم الانتقال من أسلوب الإنتاج بتكلفة متغيرة وتحويل معظم هذه التكاليف إلى تكاليف ثابتة يتم تكبدها في بداية المشروع، هذه التكاليف قد تكون كبيرة في بداية الأمر ولكن مع استمرار الإنتاج وزيادة الوحدات المنتجة فإن تلك التكلفة يمكن توزيعها على عدد كبير جداً من الوحدات المُنتَجَةمما يؤدي إلى انخفاض تكلفة الإنتاج، وبالتالي لإيصال المنتجات والخدمات لأكبر شريحة ممكنة بأقل التكاليف. ولكن الميزات الكبيرة للإنتاج بتكلفة ثابتة (وهي انخفاض التكلفة وارتفاع الميزة التنافسية لصاحب المشروع)، يقابلها معضلات كبيرة لا يزال العالم الاقتصادي يتصارع معها، ونسوق هذه المعضلات كالتالي:

أولاً: الإنتاج بتكلفة ثابتة ينطوي على مغامرة أكبر، خصوصاً في المشاريع الجديدة والمبتكرة، وذلك لأن صاحب المشروع لا يعلم مقدار الطلب على منتجه أو خدمته فلا يعلم هل سيكون الطلب كافياً لتغطية تكلفته الثابتة التي تكبدها في بداية المشروع.

ثانياً: حتى إذا تحقق الطلب للمشروع ذي التكاليف الثابتة بالقدر الذي يكفي لتغطية تلك التكاليف وتحقيق هامش ربحية مجزٍ، إلا أن المشروع ذا التكلفة الثابتة يظل أكثر تعرضاً لأي انخفاض في الطلب لأنه يؤدي لانخفاض المبيعات دون أن يتحقق معها انخفاض موازٍ في التكاليف. وهذا يعني أن المشاريع ذات التكلفة الثابتة ليست فقط أكثر مخاطرة، بل هي أيضاً أكثر تذبذباً في ربحيتها من سنة لأخرى (أو كما يقول أهل المال والاستثمار إنها تحمل معامل "بيتا" أعلى من المشاريع أو الشركات الأخرى).

ثالثاً (وهو الأكثر صعوبة وتشويقاً): أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن المستهلك غير مستعد لأن يدفع مقابلاً لسلعة أو خدمة منتجة بالكامل بأسلوب التكاليف الثابتة (أي السلعة أو الخدمة التي لا يترتب على استهلاكها أي تكلفة مباشرة على صاحب المشروع). ولتقريب الفكرة لي أن أسوق المثال التالي: كيف ستشعر لو أنك أخذت قطعة ملابس من متجر أو قطعة طعام من مطعم دون أن تدفع الثمن؟ معظم الناس (أو على الأقل ذوو الضمير الحي) سيشعرون بالذنب لأنهم "سرقوا" شيئاً من مالكه. ولكن ماذا لو سألت عن شعورك بالدخول لصالة سينما دون أن تدفع ثمن التذكرة، أو تدخل للنادي بالرغم من أن اشتراكك قد انتهى؟

الأغلبية العظمى من الناس (ومن واقع الأبحاث الميدانية) يشعرون بقدر أقل من الذنب في هذه الحالة، بل إن عديدا منهم لن يصفوا ذلك بـ"السرقة" بالرغم من أنهم حصلوا على شيء دون إذن مالكه. والسبب في ذلك هو إحساسهم بأن صاحب المشروع لم يخسر بشكل مباشر نتيجة استغلالهم المنتج أو الخدمة (وذلك لتكبده تكلفة ثابتة عالية وتكلفة متغيرة قليلة أو شبه معدومة). وهذه اليوم هي المعضلة التي تواجه معظم قطاعات الملكية الفكرية (ومن ضمنها الصناعات الدوائية والفنون)، لأن التكلفة العالية هي في إنتاج العمل وصياغته (وهي تكلفة ثابتة)، أما التكلفة المتغيرة والمتعلقة بإيصاله للمشترين فلا تكاد تُذكر. هذا التقسيم أدى إلى استعداد أكبر من المشترين لسرقة الفكرة عن طريق القرصنة أو غيرها.

ومن هذا العرض الموجز، لنا بالنتائج التالية: •على الشركات الجديدة، وخصوصاً تلك التي تعتمد على فكرة جديدة البعد كل البعد عن تكبد تكاليف ثابتة، والمحافظة على أكبر قدر من المرونة بالاعتماد على التكاليف المتغيرة (وإن كانت أغلى ثمناً في بداية الأمر).

 • يمكن الانتقال للتكاليف الثابتة متى ما استتب الوضع واستقر للمشروع أو القطاع الذي تعمل فيه، وذلك بهدف تقليل التكاليف، مع العلم بأن ذلك سيقلل من مرونة المشروع أيضاً.

• إذا كنت مستثمراً، يجب عليك أن تطلب عائداً أكبر من الشركة ذات التكاليف الثابتة وذلك لاحتمالية التذبذب الأكبر في معدل ربحيتها مع تغير الطلب من سنة لأخرى. أما بالنسبة للشركة ذات التكاليف المتغيرة فإنها قد تنطوي على قدر أقل من التذبذب ولكنها قد تكون ذات ميزة نسبية أقل من منافسيها (خصوصاً إذا كانوا ينتجون بتكاليف ثابتة مما يحقق لهم تكلفة أقل). أما إذا وجدت شركة تتمتع بتكلفة إنتاج متغيرة ولكن تكلفة إنتاج الوحدة لديها تعادل نظيراتها ذات التكلفة الثابتة، فإنها قد تكون الأفضل.

• حتى الشركات ذات التكلفة الثابتة عليها أن تبقي شقاً من تكلفتها متغيرة، وعليها أن تبين ذلك بشكل واضح لجمهور عملائها، لأن ذلك يعطيهم استعداداً أكبر لدفع مقابل للسلعة أو الخدمة التي يحصلون عليها، بينما السلعة أو الخدمة التي تنتج بتكلفة ثابتة تماماً فإنها أكثر مدعاة للسرقة والاستغلال.

• على الجهات الحكومية المساهمة في تحويل عنصر الموارد البشرية من تكلفة ثابتة إلى تكلفة متغيرة، مما سيؤدي إلى زيادة الطلب عليه نظراً لقدرة صاحب المشروع الأكبر على إعادة هيكلة موارده البشرية متى ما دعت الحاجة.