يقتضي التكامل الاقتصادي بمفهومه الشامل تقارباً إلى حد الاندماج والوحدة بين متغيرات مختلفة أهمها السياسة النقدية، والسياسة المالية، والبنية المؤسسية والتشريعية. التكامل الاقتصادي يرتبط بجميع الوحدات الاقتصادية, كما يتأثر ويؤثر في جميع أدوات السياسة الاقتصادية التي يوظفها صناع القرار للوصول إلى الأهداف التنموية والاقتصادية ومستوى الرفاه المنشود.
ومن المهم التأكيد هنا على أن مؤيدي فكرة ونماذج التكامل الاقتصادي منذ ظهورها وإلى الآن, يستندون إلى أبحاث نظرية وتطبيقية وإسقاطات لنماذج نجحت كنتيجة لوحدة سياسية على دول مختلفة في معظم الأحيان لتبدأ مشوار التكامل وتجني الثمار فيما بعد، ولا ضير في هذا من ناحية بحثية بحتة.
وحقيقة، من الصعب الحكم على النتائج أو الاستشهاد بتجربة واحدة للحكم على أخرى، حيث إن تعقيد المتغيرات السياسية والاقتصادية والعوامل غير الاقتصادية المؤثرة في التكامل الاقتصادي تتفاوت من تكتل إلى آخر ومن دولة إلى أخرى، حيث إن من العوامل غير الاقتصادية التي أوضحت بعض الدراسات والأبحاث تأثيرها في التبادل التجاري عامل اللغة وبعض العوامل الثقافية الأخرى التي ربما يتم تجاهلها في الدراسات أحياناً لتفاوت تأثيرها من منطقة إلى أخرى, ومن اقتصاد إلى آخر.
ومن أكثر الخطوات وضوحاً في وقتنا الراهن نحو التكامل الاقتصادي هي الاتحاد النقدي الذي يؤدي إلى سياسة نقدية واحدة وعملة واحدة ضمن نطاق كتلة اقتصادية واحدة. هذه الخطوة، أي الاتحاد النقدي، تتضمن متغيرات كثيرة وتحديات كبيرة نحو التكامل منها ما هو كلي يتعلق بالسياسة النقدية ومنها ما هو جزئي يرتبط بالوحدات الاقتصادية ضمن الاتحاد النقدي, ومنها العابرة لدول الاتحاد النقدي والمرتبطة بالتعاملات والتجارة الخارجية مع الدول الأخرى خارج الكتلة الاقتصادية.
أما السياسة المالية التي تعد من خطوات التكامل الاقتصادي وتأخذ طابعاً سيادياً أيضاً فتعد أقرب إلى فهم الوحدات الاقتصادية، خصوصاً أن تأثير مخصصات الرعاية الصحية التي تأتي ضمن حزمة السياسة المالية مثلاً يمكن ملاحظته ومتابعته من قبل الوحدات الاقتصادية مقارنة بسياسات الإبقاء على أسعار الصرف على الرغم من أن تأثير الأخيرة ربما يكون أشد وطأة من الأولى إذا ما تفاعلت المتغيرات الاقتصادية والمالية لتنعكس على قطاع الأعمال والنمو الاقتصادي.
وبالنسبة للبنية المؤسسية والتشريعية فتتضمن الأنظمة والقوانين والتشريعات, التي تحكم أداء الأعمال بين دول الكتلة الاقتصادية وفي داخل كل دولة على حدة، حيث إن الأنظمة والقوانين لا تشكل فقط حلقة متممة للتكامل الاقتصادي، بل تساند في تنفيذ السياسة النقدية والمالية ضمن خطوات التكامل الاقتصادي.
وضمن خطوات دول الخليج نحو تحقيق رؤية قادة دول المجلس, كما أشارت إليها قمة الرياض التشاورية الأخيرة, بهدف استكمال متطلبات الوضع النهائي للاتحاد الجمركي من خلال إنجاز ثلاثة ملفات تتضمن ملف آلية تحصيل ونسب توزيع حصيلة الإيرادات الجمركية المشتركة بعد انتهاء الفترة الانتقالية للاتحاد الجمركي، حماية الوكيل، وحماية السلع، ووفق تقرير لـ «الاقتصادية» أعده الزميل محمد السلامة الإثنين الماضي 31/5/2010 أشار إلى «(إقرار) وكلاء وزارات التجارة الخليجيين في الرياض أمس، توصية بالسماح للشركات والمؤسسات الخليجية بفتح فروع لها في دول المجلس لمزاولة الأنشطة التجارية، وذلك تمهيداً لإقرارها بشكل نهائي من قبل وزراء التجارة في اجتماعهم المقبل في الكويت.
في المقابل، أبدت الإمارات المتحدة تحفظها تجاه توصية تعالج أحد أهم متطلبات الوضع النهائي للاتحاد الجمركي المتعلقة بإلغاء أشكال الحماية كافة للوكيل المحلي في بعض الدول الأعضاء».
إقرارات وكلاء وزارات التجارة الخليجيين في الرياض ضمن اجتماعات اللجان الفرعية تأتي في سياق متطلبات الوضع النهائي للاتحاد الجمركي والمفترض التوصل إليها بنهاية عام 2011, وتأتي التوصيات بتوافق مع المتطلبات. إلا أن تحفظ الإمارات على إلغاء جميع أشكال الحماية للوكيل المحلي في بعض الدول الأعضاء يأتي كعائق مرحلي أو مؤقت إلى حين استشفاف المعوقات وتذليلها خليجياً, خصوصاً أن هيكل الوكالات الحصرية في دول الخليج متشابه ويرتبط بصورة أو بأخرى بسيرورة النمو الاقتصادي ودور الوكلاء في التنمية, خصوصاً منذ السبعينيات الميلادية.
فتحفظ الإمارات على إلغاء جميع أشكال الحماية للوكيل المحلي وعلى الرغم من عدم توافر معلومات كافية عن أسباب التحفظ, ربما يفتح الباب لعدد من التحليلات من أهمها تخوف الوكلاء التجاريين في الإمارات من تفوق الوكلاء الآخرين في دول الخليج عليهم وتأثر نشاطهم التجاري سلبياً. وبنظرة أولى عامة، ربما يكون التحفظ الأكبر من الوكلاء التجاريين في الإمارات من نظرائهم السعوديين لكون الوكلاء التجاريين في المملكة يتمتعون باقتصادات الوفرة والقدرة على التأثير في الشركات العالمية حين يأتي وقت المفاضلة بجانب التنافس السعري وتخفيض التكاليف التي يستطيع القيام بها الوكيل الأكبر حجماً.
الوكيل التجاري السعودي يتفاوض مع الشركة الأم مثلاً من منطلق قوة وباستناد إلى سوق ضخمة تعادل دول الخليج مجتمعة وبإمكانه الحصول على ميزات ربما لا تتوافر لوكيل تجاري في دولة خليجية أخرى. ومن المهم في هذا السياق عدم التعميم لاختلاف دور الوكيل التجاري من قطاع اقتصادي ومنتجات أو خدمات وأخرى، حيث إن اقتصاديات الحجم ربما لا تكون مجدية في بعض الوكالات التجارية ذات الطبيعة المتخصصة, أو حين يكون فيها الوكلاء منتشرين في أكثر من دولة خليجية بغض النظر عن دولة المنشأ للشركة المالكة للوكالة التجارية في منطقة الخليج.
وأخيراً، ربما يكون تحفظ الإمارات على إلغاء جميع أشكال الحماية للوكيل التجاري المحلي نابعاً من اعتماد الإمارات, خصوصاً دبي, على التجارة, وكونها الميناء التجاري الخليجي الأهم والأبرز. إلا أن هذا التحفظ، من وجهة نظري، ربما لا يكون مبرراً لكون الوكلاء التجاريين في دبي ذوي خبرة وعلى قدرة على التأقلم مع المنافسة وبالذات حين تتاح لهم فرصة التنافس في الأسواق الخليجية الكبرى والاستفادة من ميزاتهم التنافسية واستغلال مرونة التحرك لأخذ مكانة مهمة في سوق الوكالات التجارية خليجياً.