هبوط الأسواق بهذا الشكل الحاد يأتي لأسباب عديدة على رأسها نقص الشفافية التي صاحبت الأوضاع الاقتصادية في أوروبا في العام الماضي تحديدا فكل الأزمات التي يعيشها اليورو اليوم هي مخلفات سنوات سابقة وكان من الأجدى الحديث عنها والاستعداد لها مبكراً.
أما السوق السعودي تحديداً فإن معامل الارتباط مع الاقتصاد العالمي هو ما فرض نفسه بالمرحلة الراهنة خصوصاً أن الأحداث تداعياتها أتت بعد أن استنفذت المحفزات التي ساهمت بارتفاعه منذ بداية العام وهي النتائج المالية للفصل الأول مع التوزيعات النقدية وغيرها من المحفزات مما أثر على تحركات السوق بشكل كبير في شهر مايو الحالي كون الأسواق تكون في مرحلة من الفراغ مما يعني قدرة أي تأثيرات أياً كان مصدرها على السوق وقد جاءت المخاوف من تراجع أداء الاقتصاد العالمي مستقبلاً نتيجة خطط التقشف التي بدأت بها عدة دول أوروبية كأسبانيا والبرتغال وإيطاليا بالإضافة إلى اليونان.
ومن هنا تأتي التكهنات بأن يعود ذلك بالأثر على الطلب العلمي على النفط والذي بدأت أثاره تظهر من تراجع بالأسعار فاق 20% أما تأثر القطاع البتروكيماوي فمرهون أيضا باحتمالات انخفاض الطلب على منتجاته ليس فقط من أوروبا بل حتى من الصين كون أن تراجع النمو الاقتصادي الأوروبي سينعكس على التجارة البينية مع الصين وبالتالي من هنا تبدأ حسابات جديدة لدى المستثمرين حيال أي توقعات سلبية على نتائج القطاع ليس بالوقت الراهن بقدر ماهي توقعات لأشهر قادمة عندما يبدأ أثر الخطط التقشفية بالتأثير على نمو الاقتصاد العالمي مما يستدعي التحوط المبكر وتبرز الأسباب الأخرى في غياب الأثر المؤسسي في تعاملات السوق المحلي حيث أن نسب الهبوط جاءت حادة جداً ودون أن يكون هناك أي طمأنة من قبل الجهات المعنية حيال الآثار على الاقتصاد السعودي فما زالت خطط الأنفاق مستمرة بنفس الوتيرة ولا يوجد أي آثار عميقة قد تغير من الخطط المقررة في الإنفاق الحكومي على مشاريع البنى التحتية بخلاف الموقف المالي القوي المتمثل بحجم الاحتياطيات المالية الكبيرة خصوصاً أن هناك العديد من القطاعات بالسوق تستفيد بشكل مباشر وغير مباشر من الحالة الإيجابية التي يعيشها اقتصادنا حالياً.
أما أحد الأسباب المهمة هي ما يخص المتعاملين بالسوق نفسه فاليوم يعيش الكثير منهم مرحلة صعبة في اتخاذ القرار فهذه الأزمات المتتالية لا يحمل الكثيرين خبرات كافية بالتعامل معها فهي بالمحصلة تعتمد على قدرات مستمدة من تعايش مع تجارب كبيرة بخلاف أهمية المعلومات التي يجب أن يستند عليها القرار الاستثماري والجميع بهذه الحالة معذور فما زالت أسواقنا ناشئة ولم تعتد على أزمات متشعبة من هذا النوع بل إن حالة الحيرة امتدت حتى لمن هم يصنفون كمحترفين وتجار كبار بالسوق فالأوضاع الحالية صعبة بكل المقاييس وتحتاج إلى دقة بالتعاطي مع الأسواق لا تتوفر إلا عند فئات قليلة ممن يملكون المعلومات حول حقيقة الآثار التي قد تتطور بالمستقبل في العالم معتمدين على بيوت خبرة كبيرة وعمل مؤسسي وإن كان البعض منهم مستثمرين أفرادا.
أزمة السوق الحالية ليست بالجديدة من حيث حدة الإنخفاضات التي تعود عليها جل المتعاملين ولكنها أيضا تحمل في طياتها حالة حيرة مطبقة لدى حتى من كانوا يؤثرون بمسار السوق سابقا وإذا كان الجميع ينتظر تحركا دوليا جديدا فإن ذلك لن يكون سهلا مع أزمة ديون سيادية من جهة وكذلك تغييب أساسيات السوق التي دائما ما تصاحب الأزمات حيث تختفي معها كل الإيجابيات الموجودة وتزرع السلبيات والمخاوف وما إن تهدأ الأوضاع حتى يعود الجميع لنفس أسلوب التعامل وهذا ما يفرض اليوم على الجميع أن يحتكموا لأبسط أساسيات التعامل بضرورة الاحتفاظ بالسيولة دائما مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما قد يؤثر على الأسواق من أخبار وتطورات دون إهمال لها فما زالت النظرة للأسواق الناشئة إيجابية إلى الآن ولكن القدرة المحدودة لأغلب المتعاملين على محاكاة عولمة الاقتصاد هي من يفرض نفسه حالياً.
منقول عن جريدة الجزيرة