عندما ينظر الفاحص الخبير بعين الرقيب يجد العجب العجاب فى كل الازمات التى مرت بالعالم فى الفترة الاخيرة....!!! فقد أجمع خبراء الاقتصادوالمال في تشخيصهم للأزمة المالية العالمية الراهنة وأسبابها الكامنة على أن جوهر الأزمة تمثل في غياب الرقابة الفعالة بشقيها وهما انعدام رقابة الدولة وضعف الرقابة الداخلية لهذه المؤسسات والشركات وعدم متابعة أنشطة الشركات الاستثمارية والمؤسسات المالية والمصارف، ومن ثم قيام هذه الجهات وبحرية بالغة الغرابة بتقديم التسهيلات وخاصة في قطاع العقارات مما بلغ بها درجة التشبع وهبوط قيمتها ومن ثمّ تكدس الأصول المجمدة وصعوبة تسييلها وبالتالي (فقدان السيولة) وانفجار الأزمة التي بدأت بانهيار احد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم ( ليمان براذر/ نيويورك) ولحق به على الفور ميريل لينش،وما لبثت أن انتقلت العدوى إلى المؤسسات المالية الكبرى مثل سيتى جروب وبنك أوف أمريكا والشركات العملاقة مثل AIG ومن قبلهم اكبر شركتين للرهن العقاري فاني ماى وفريدي ماك وفقا لنظرية الأواني المالية المستطرقة لتقطع الأطلسي بسرعة البرق وتنتقل إلى البرّ الأوروبي ومنه لأسواق أسيا والخليج العربي المتضررة وتهدئة الاحتقان وتخفيف حدة التوتر الحادث غير المسبوق في الأسواق العالمية.
واكتملت فصول هذه المأساة الرقابية إن صح التعبير بأكبر عملية نصب واحتيال في وول ستريت إن لم تكن في التاريخ بعملية الاحتيال المتهم فيها برنارد مادوف بقيم تجاوزت 50 مليار دولار والتي تعتبر اكبر دليل على غياب الرقابة وانعدام الضوابط فكيف يستطيع شخص بمفرده القيام بمثل هذا العمل وتكمن المفارقة أن من تم الاحتيال عليهم شخصيات وصناديق استثمار ومؤسسات مالية عملاقة لديها إمكانات كبيرة وأعداد هائلة من الموظفين في كافة الإدارات ولديها من الإجراءات والسياسات والمعايير والضوابط الكثير ولكن للأسف غير مفعلة أو لنقل غير مستخدمة وهنا يكمن الخطر إذ تصبح اقرب ما تكون إلى الديكور منها إلى الضوابط الرقابية الفعالة وذات الكفاءة. واذا ما نظرنا فى عالمنا العربى وعلى مستوى القطاع الحكومى او القطاع الخاص، فاننا نجد ان تقارير الجهات الرقابية مثل ديوان المراقبة او الجهاز المركزى للمحاسبات توضع فى الادراج او على الارفف دون النظر لما تحويه من مخالفات بالملايين ان لم يكن اكثر ودون وجود الحساب العسير لمن يرتكب المخالفة بل دون وجود حساب اصلا!!!
بل يطلق على موظفى الجهات الرقابية انهم معقدين وان القافلة تسير دون التفات الى حرمة المال العام ودون التفات الى عظم المخالفة وانها تخص اموال الدولة وبالتالى فان الجريمة تصبح اعظم واخطر..
وفى القطاع الخاص نسمع كل يوم عن سرقات بالملايين واختلاسات واموال مهدرة وبالرغم من هذه الشركات والمؤسسات تتعامل بالملايين فلا تجد لديها موظف واحد للرقابة الداخلية او للمراجعة الداخلية وان وجد فدائما ما يشتكى صاحب الشركة من كثرة مصاريف موظفى الرقابة الداخلية وانهم يمثلون عبء على الشركة واول الاقسام التى يصيبها التقليص عند اشتداد الازمات هى ادارة الرقابة الداخلية !!!.
بل الأدهى والأشد هو غياب دور الرقابة الفعالة وغياب إجراءات وقواعد الضبط الداخلي وها قدأصبحت المؤسسات المالية العالمية تسير دون مراعاة لأبسط قواعد الرقابة وإدارة المخاطر التي صارت واضحة إلا على من يقومون بهذه الأعمال. وتم منح الائتمان دون ضابط أو رابط ودون الالتزام باى معايير أو قواعد أو إجراءات رقابية معقولة وفعالة.
.وقد تنبه صندوق النقد الدولى لاهمية الرقابة وسعى الى تفعيل دورها وايجاد اليات واضحة وعملية لتفعيل دورها والعمل على ان تحقق تلك الهيئات الرقابية دورها بكل فعالية دون ان تواجهها العراقيل التى تعوق سير عملها وتقلل من جدوى وجودها ولتكون بمثابة جرس انذار قبل حدوث تلك الازمات ومن المهم جدا ان تكون تلك الهيئات الرقابية بمثابة خط الدفاع الاول وحماية واضحة للمؤسسات والاسواق المالية من الوقوع فى مثل تلك الازمات الطاحنة التى صرنا نواجهها على مستوى المؤسسات والشركات المالية بل وعلى مستوى الدول ايضا.
ويأمل المراقبون في أن يتمكن الصندوق في المستقبل من الاضطلاع بمهام الرقابة على النظام المالي العالمي ويكون قادرا، بالتعاون مع مجلس الاستقرار المالي، على زرع جهاز للإنذار المبكر الذي يكفل توجيه أنظار العالم للمخاطر المحيطة بالنظام المالي العالمي وأهمية التدخل في الوقت المناسب وكيفية التدخل لمنع تدهور الأوضاع في الأسواق المالية العالمية. كما يأمل الصندوق ببدء برنامج تقييم القطاع المالي FSAP بما يمكن الصندوق من ممارسة قدر أكبر من الرقابة المالية والاقتصادية. غير أنه تنبغي الإشارة إلى ان هذا الدور يقتضي ضرورة تعزيز القدرة الرقابية للصندوق على الدول المتقدمة وعلى الأسواق المالية الأكثر تأثيرا في العالم، وأن قدرة الصندوق على ممارسة هذا النوع من الرقابة سوف تعتمد أساسا على قدرته على إجراء تقييم للأوضاع المالية للدول، بصفة خاصة سياسات القطاع المالي في الدول ذات التأثير الكبير في النظام المالي الدولي، وهو ما يتطلب إعطاء الصندوق صلاحيات ربما تتجاوز صلاحياته الحالية فيما يتعلق بقدرته على القيام بالتقييم والرقابة على الأوضاع المالية للدول الأعضاء، وعلى التزام الدول الأعضاء بالتعاون مع الصندوق لتحقيق مستهدفاته في هذا المجال، ومدى إمكانية إعلان نتائج هذا التقييم بالشفافية المطلوبة التي تجنب النظام المالي الدول المخاطر النظامية التي يمكن أن تنجم عن كشف مثل هذه النتائج. وبشكل عام لابد من إعادة النظر في الصلاحيات الممنوحة للصندوق لتشمل، ليس فقط السياسات الاقتصادية الكلية وإنما أيضا، سياسات الاستقرار المالي التي يمكن أن تحدث تأثيرا على مستويات الاستقرار في العالم، وذلك بدلا من الاهتمام بصفة أساسية بسياسات توازن ميزان المدفوعات والاستقرار النقدي والمالي واللذان يمثلان محط اهتمام الصندوق. كذلك فإن اتساع أسواق المال في ظل مناخ العولمة الجديد لا بد وان يصاحبه أيضا منح الصندوق صلاحيات أكثر في مراقبة تحركات رؤوس الأموال ومنع أي مخاطر نظامية يمكن أن تنشأ عنها.
هل لنا ان نتنبه الى اهمية الرقابة على مستوى المؤسسات والشركات والدول ايضا ؟!!
هل لنا ان نتنبه الى اهمية الرقابة .. ودورها الفعال... ؟!!