البتروكيماويات (27/30) : مميزات و عيوب الاستثمار في قطاع البتروكيماويات

15/05/2010 22
د. أحمد المزروعي

تبقى 4 مقالات في هذه السلسة والتي ساخصصها لمناقشات عامة حول الصناعة والاستثمار (أو عدم الاستثمار) في شركات القطاع... فمن الملاحظات التي لاحظتها من الردود والمناقشات سواءا هنا أو في اماكن أخرى أن هناك مستثمرون متحمسون للاستثمار في القطاع بالمطلق وهناك آخرون متشائمون ...

والحقيقة أن المستثمر يجب أن لا يكون متحمسا او متشائما وانما عليه ان يساير الأحداث فربحية هذه الشركات مرتبطة ارتباطا رئيسيا بعوامل خارجية وأسعار عالمية تتذبذب في كل اتجاه فعندما انهارت أسعار البتروكيماويات والطلب في نهاية عام 2008 تبعتها هذه الأسهم بالتراجع.. وعندما ارتفعت أسعار البتروكيماويات في الاشهر الـ 12 الاخيرة انعكس ذلك بالايجاب على اسعار اسهم الشركات في السوق وهذا أمر بديهي..

فالمتحمس للقطاع بالكامل لم يتحسب للآثار التي خلفتها الأزمة العالمية على القطاع وبالتأكيد فقد تعرض لخسائر جسيمة والمتشائم دائما لم يستفد من الانتعاش في الاشهر الـ 12 الاخيرة..

لا أفهم حقيقة كيف أن "مستثمر ما" كان يشاهد التراجعات  الحادة في أسعار المنتجات في النصف الثاني من عام 2008 ويصر على الاحتفاظ بمراكز استثمارية كبيرة في شركات القطاع متعللا بأن هذا الوضع مؤقت ... لا يهم اذا كان ذلك مؤقتا أو دائما وما يهم هو أن أسعار المنتجات تتراجع ولذلك يجب أن يتصرف المستثمر ويخفف من مراكزه مهما كانت الاسباب ومهما كانت عواطفه تجاه هذه الأسهم....

وبنفس الدرجة لا افهم كيف ان "مستثمر ما" كان يشاهد ارتداد أسعار المنتجات في الربع الأول 2009 في وقت كانت العديد من الشركات قريبة من قيمتها الدفترية ولا يبدأ ببناء مراكز في هذه الشركات متعللا بأن ارتفاع اسعار المنتجات أمر مؤقت ... مرة اخرى  لايهم  اذا كان هذا امر مؤقت أو دائم وما يهم ان اسعار المنتجات بدأت بالتحسن وأسعار الأسهم بالسوق في الحضيض وهي وصفة مناسبة لتحقيق الأرباح وصى عليها جميع الأطباء ... فإذا تبين لاحقا ان ارتفاع اسعار المنتجات كان مؤقتا يمكن للمستثمر أن يتخلص من مراكزه وسيكون ذلك بربح بسيط أو خسارة بسيطة ، أما اذا استمرت اسعار المنتجات بالصعود فيحتفظ بمراكزه التي اشتراها رخيصة ويضيف عليها وهكذا..

اذا كنت مهتما بأسهم قطاع البتروكيماويات فعليك أولا بترك العواطف جانبا وثانيا بفهم العوامل المؤثرة على كل شركة وثالثا عليك بمتابعة أسعار المنتجات وبناءا على ذلك اتخذ قراراتك دون تردد سواءا بالبيع أو الشراء ...

من هنا وحتى نهاية العام الحالي (7 أشهر) سنشهد (وكالعادة) إما استمرار ارتفاع اسعار المنتجات أو استقرارها أو تراجعها وهي الحالات الثلاث البديهية لذلك يجب ان يقوم المستثمر بتعديل مراكزه بناءا على التطورات الجارية على المدى القصير والمتوسط أما ما هو ابعد من ذلك فيجب أن يترك إلى وقته...

لاحظ أن شركة تمتلك ادارة فعالة وكفؤة ولها خبرة طويلة بالسوق المحلي مثل شركة "جرير" استطاعت ان تحقق نموا في أرباحها طوال السنوات الـ 10 الماضية (اي منذ قبل ادراجها في السوق) وربما لفترات اطول قبل ذلك.. ولكن في قطاع البتروكيماويات فالوضع مختلف جدا حيث أنه من المستحيل ان تحقق اي شركة نموا متواصلا لسنوات عديدة مهما كانت كفاءات الاشخاص الذين يديرونها ومهما كانت امكانيات هذه الشركة ...

لا تستطيع ادارة شركة بتروكيماويات ايا كانت أن تفعل اي شئ ازاء تراجع اسعار المنتجات كما أنها لا تستطيع فعل سوى النزر اليسير اذا تراجع الاقتصاد العالمي وانخفض الطلب على منتجاتها .. والعكس صحيح فإدارة اي شركة بتروكيماويات سواءا كانت ادارة ناجحة أو فاشلة ستستفيد حتما من انتعاش الطلب وارتفاع أسعار منتجاتها حتى لو لم تحرك ساكنا..

أن اكبر عيب في الاستثمار في شركات البتروكيماويات وفي نفس الوقت أهم ميزة لها هو تذبذب أسعار المنتجات وبالتالي تذبذب الأرباح ... والمتابع الجيد للتطورات والذي يفهم العوامل المؤثرة على الربحية بامكانه جني أرباح طائلة بالاستفادة من هذه التذبذبات العالية وذلك بالابتعاد عن هذه الاسهم عندما تكون الأمور غير مواتية والشراء عندما تتغير الاوضاع وتتحسن الظروف وهي أمور لا تتوفر في اغلب الشركات الاخرى المدرجة في أسواق المنطقة..

كما ذكرت في مقال سابق فإن تغيرات الاسعار والتذبذبات من المتوقع أن تتسارع مقارنة بما كان الحال عليه في السنوات الـ 20 الماضية وذلك بسبب التغيرات الهيكيلية في الصناعة التي حدثت في العقد الماضي (المقال رقم 7 من هذه السلسلة)... ولن اكون متفاجئا لو ارتفعت أسعار المنتجات بـ 20 % من هنا وحتى نهاية السنة كما لن أكون متفاجئا لو انخفضت بـ 20 % فكل الاحتمالات مفتوحة وعليك التحسب للاحتمالين وذلك من خلال المتابعة الاسبوعية والشهرية لأسعار المنتجات والتصرف حسبما تتطلبه التطورات..

خطة العمل: لنفترض ان أسهم بتروكيماويات تشكل 30 % من محفظتك الان عبر 3 شركات من شركات القطاع فإن خطة عملك يجب أن تكون كالتالي:

1. اذا كنت متفائلا بالقطاع (لأسباب واقعية) لا تكثر من عدد الشركات التي تستثمر فيها (حتى لو كنت تدير محفظة بمئات الملايين) ويكفي أن تركز على شركتين أو ثلاث فقط وهي الشركات التي تعتقد بتحليلك أنها هي الافضل حاليا سواءا لسعرها المعتدل أو لمحفزات قريبة قادمة..

2. قم بمراجعة لهذه المراكز بشكل اسبوعي وشهري وتتضمن هذه المراجعة تطور أسعار المنتجات وتطور اسعار الأسهم التي تملكها والتي لاتملكها والاوضاع العامة للسوق... اذا كانت أسعار المنتجات بدات بالتراجع وأسعار الأسهم ارتفعت مقارنة بأخر مراجعة والاوضاع العامة للسوق غير مطمئنة لا تتردد في تخفيف الحمولة ... والعكس طبعا صحيح... اذا اتبعت ذلك و تركت العواطف جانبا فستجد أسهم القطاع لاتشكل سوى نزرا لايذكر من محفظتك في الاوقات السيئة وستجدها جزءا هاما من محفظتك في اوقات الانتعاش وتحقيق الأرباح..

3. قم بمراجعة فصلية بعد اعلانات النتائج واتخذ قرارت حاسمة بناءا على هذه النتائج فقد تكون الفصل الماضي قد اخترت شركة معينة وتبين لك من خلال النتائج الفصلية ان هناك شركة افضل منها سواءا من ناحية سعر السهم أو المحفزات أو النتائج ... مع استثناء العوامل الأخرى لا تتردد في تبديل مركزك ببيع الشركة التي كنت تحتفظ بها وشراء الشركة الاخرى ذات المحفزات الأفضل ... وفي بعض الأحيان ربما تحتاج للتخلص من كل مراكزك اذا كانت الظروف غير مواتية..

أعرف ان الكلام النظري اسهل من التطبيق العملي واعرف ان الاشخاص يختلفون من حيث مهاراتهم وقدرتهم على التحكم بعواطفهم عند اتخاذ القرارات خصوصا عندما يتعلق الامر بعملية بيع مركز خاسر ... لكن اذا لم تكن لديك خطة عمل واضحة و تستطيع ان تتحكم بعواطفك في الظروف القصوى فإني لا أنصحك بالاقتراب من هذا القطاع والاستثمار في قطاعات اخرى أقل تذبذبا وأقل تعقيدا واقل حاجة للوصول للمعلومات و متابعتها...