البتروكيماويات (25/30) : بترو رابغ – قطاع التكرير

05/05/2010 9
د. أحمد المزروعي

الحقيقة اني لم أكن ارغب في الكتابة عن شركة بترو رابغ في هذه السلسلة وذلك لثلاثة أسباب أولهما أن جزءا كبيرا من نشاطها يختص بالتكرير وهو نشاط خارج نطاق هذه السلسلة ولا يكتمل الحديث عن الشركة دون الحديث عنه، أما السبب الثاني فيعود إلى أن الشركة لم تقدم حسب علمي الافصاح الكافي حول كيفية تسعير خام النفط الذي تستعمله في المصفاة وهو العنصر الأساسي الذي يحتاجه اي محلل وبدونه فإن الموضوع هو عبارة عن تخمينات قد تصيب أو تخطئ.. أما السبب الثالث فإن الشركة لا تفصح عن طريقة تسعير المنتجات المكررة في الأسواق المحلية ولا عن نسبة توزيع مبيعاتها الخارجية والداخلية..

ويبدو أن الغموض الذي يدور حول المصفاة كان مدعاة لرغبة الكثيرين لطلب ادراج مقال عن الشركة في هذه السلسلة حيث تلقيت العديد من الطلبات بخصوص ذلك... لذلك ساجتهد في عرض مختصر عن الشركة عبر مقالين ، أولهما هو هذا المقال لمناقشة قطاع التكرير بالشركة أما الثاني فسيكون عن قطاع البتروكيماويات.. وللتنبيه فإن قطاع التكرير شديد الغموض والتعقيد لذلك فإن ما يرد في هذا المقال لا يعدو كونه محاولة لفك الطلاسم أكثر منه تحليلا..

قطاع التكرير تقوم مصفاة رابغ بتكرير 400 ألف برميل يوميا من النفط الخام الخفيف يوميا ويبلغ انتاجها من المشتقات المكررة حوالي 17 مليون طن سنويا (اي مايعادل 0.5 % من اجمالي طاقات التكرير في العالم)..

المصفاة هي في الاصل من النوع البسيط الذي يحول النفط الى مشتقاته الاساسية (زيت الوقود والنافتا ووقود الطائرات والديزل) والجديد في المصفاة أنه تم إضافة بعض الوحدات الأكثر تعقيدا وذات القيمة المضافة مثل وحدة تكسير سوائل الأولفينات التي ستنتج 900 ألف طن سنويا من البروبيلين..

لاحظ ان شركات البتروكيماويات الأخرى تستخدم في الغالب غاز البروبان لانتاج البروبيلين (مثلا المتقدمة والتصنيع) أما في بترو رابغ فهي تستخدم مشتقات يتم انتاجها من مصفاة النفط  ولذلك فإن تكلفة انتاج البروبيلين مرتبطة ارتباطا مباشرا بسعر النفط الخام وليس بسعر الغاز المخفض..

لن ندخل أكثر في تفاصيل المصفاة لأن ما يهمنا هنا هو السؤال الذي يهم المستثمرين وهو بكل بساطة كم هامش الربح الذي تحققه الشركة من المصفاة؟؟..

يتحدد هامش الربح للمصفاة على حسب سعر اللقيم (العربي الخفيف) وسعر بيع المنتجات المكررة ومن خلال نتائج الارباع الستة الماضية يتضح أن الشركة كانت تحقق هامشا سالبا ويعود جزء كبير من ذلك  إلى أن هوامش التكرير لجميع المصافي في العالم كانت منخفضة خلال هذه الفترة ولم يكن الأمر حكرا على مصفاة بترو رابغ ، فقد وصلت هوامش ربح المصافي العالمية خلال الربع الرابع 2009 والشهرين الأولين من عام 2010 إلى أدنى مستوى لها خلال 15 سنة ، وبالاضافة الى ذلك فإن الاشهر الـ 18 الماضية كانت تمثل فترات التشغيل الأولية لتوسعة المصفاة .. ومن المنتظر أن تتحسن النتائج التشغيلية للمصفاة مستقبلا مع تحسن هوامش المصافي عالميا ومع انتظام تشغيل الوحدات الجديدة بالمصفاة..

تسعير النفط الخام من قبل أرامكو: على حسب نشرة الإصدار تبيع أرامكو النفط الخام على بترو رابغ على اساس عدة عوامل تعكس اسعار المنتجات المكررة ووجهة بيع هذه المنتجات .. وهذا كل ما قالته الشركة وهي معلومات غير كافية..

ولكن يفهم بشكل عام من ذلك ان أسعار بيع خام النفط على الشركة مقاربة للأسعار العالمية في حالة بيع المنتج المكرر في الأسواق العالمية ، أما في حالة بيع المنتجات المكررة في السوق المحلي فإن ارامكو تخفض سعر الخام بقدر التخفيض الحكومي لأسعار المنتجات في السوق المحلية أو ربما يكون هناك اجراء لتعويض الشركة مقابل البيع بسعر مخفض في السوق المحلي.. ولا صحة لما يتردد أحيانا بأن الشركة تشتري اللقيم اللازم لانتاج المنتجات المكررة المباعة داخل السعودية بالسعر العالمي وتبيعه بالسعر المحلي ..

هوامش التكرير العالمية: تحصل المصافي على أرباحها من فرق السعر بين المنتجات المكررة وسعر الخام فمثلا اذا كان سعر الخام حاليا هو 80 دولار للبرميل وتكلفة التكرير  هي 20 دولار للبرميل وكان سعر السوق لما يعادل برميل من المنتجات المكررة (وقود السيارات مثلا) هو 105 دولار فإن المصفاة تحقق ربحا قدره 5 دولار عن كل برميل تكرره ... ولكن اذا كان سعر المنتجات المكررة في السوق هو 95  دولار فإنها تحقق 5 دولار خسارة عن كل برميل من المنتجات المكررة وهكذا..

ويعتمد الفرق بين اسعار المنتجات المكررة والخام (وبالتالي هامش الربح) على عوامل عديدة أهمها حجم الطاقات الانتاجية العالمية ونسبة التشغيل للمصافي والطلب على المنتجات المكررة ونوع الخام الذي يستعمل في المصفاة.. وبسبب تفاوت هذه العوامل بين فترة وأخرى فإن المصافي تحقق في العادة تذبذبا في هوامش الربح بين فترة وأخرى تتراوح بين السالب والموجب فعندما تكون العوامل أعلاه مواتية تحقق المصافي هامش أرباح موجبة وعندما تتغير هذه العوامل الى الاتجاه الآخر تحقق المصافي هامشا سالبا من عملياتها..

من الواضح ومن المعلومات المتوفرة ان اقتصاديات المصفاة لشركة بترو رابغ والى حد كبير تماثل اقتصاديات المصافي العالمية مع ميزة تفضيلية محدودة وهو توافر الخام بشكل منتظم وبسعر أرخص قليلا بسبب قربها من اماكن انتاج النفط وعدم الحاجة لشحن النفط الخام الى مسافات بعيدة لذلك ومبدئيا يمكننا توقع أن تكون اتجاهات الربحية مماثلة بشكل عام لباقي المصافي في العالم مع أفضلية بسيطة..

كان العقد الماضي بمجمله فترة ممتازة للمصافي حول العالم  ووصلت هوامش الربح لأعلى مستوى لها على الإطلاق منذ نشأة هذه الصناعة خلال الاعوام 2006 – 2008 وهو مايطلق عليه "العصر الذهبي للمصافي" ولكن هذه الهوامش سرعان ما اختفت مع بدء الازمة العالمية ومن ثم وصلت إلى أدنى مستوياتها بنهاية عام 2009 و بداية عام 2010 (لاحظ انه على العكس من ذلك فقد شهدت هوامش البتروكيماويات تحسنا كبيرا خلال النصف الثاني من عام 2009 وبداية عام 2010)...

ولتقريب الأوضاع أعلاه من أذهان القراء فإن مصفاة بحجم مصفاة بترو رابغ كانت تحقق أرباحا تزيد على 1 مليار دولار في عام 2007 !!!! بينما نفس المصفاة لا تحقق أرباحا في عام 2009 أو خلال الربع الأول 2010 ..

ويعود سبب انخفاض هوامش الربح للمصافي خلال الاشهر الـ 12 الأخيرة إلى أن أسعار المنتجات المكررة لم ترتفع بنفس مقدار ارتفاع الخام وتعزو الشركات الكبرى (بريتيش بتروليوم وشيفرون و رويال دتش) ذلك إلى وجود طاقات انتاجية زائدة تصل الى 3 – 4 مليون برميل يوميا وعدم تحسن الطلب على المنتجات المكررة حتى الآن.. لذلك فإن الهوامش السالبة والخسائر التشغيلية التي حققتها "بترو رابغ" خلال الارباع الخمسة الماضية من قطاع التكرير تعد أمرا طبيعيا تمر به جميع المصافي حول العالم في ظل الظروف التي تمر بها هذه الصناعة خلال تلك الفترة..

توجد عدة مؤشرات تقيس هوامش الربح للمصافي العالمية  وأقرب مؤشر يمكننا اللجوء اليه الآن هو مؤشر الـ (GIM) الذي تنشره شركة بريتيش بتروليوم (BP) والذي يقيس معدل هوامش الربح  لعدد من المصافي التي تشغلها في عدة قارات حول العالم وتستعمل عددا من الخامات المختلفة وذلك في ظل ظروف تشغيلية طبيعية..

وكما يلاحظ من الرسم فإن المؤشر قد شهد تحسنا في شهر مارس وأبريل مقارنة مع بداية العام لكنه لايزال منخفضا بالمقاييس التاريخية والمستوى الذي تم تسجيله في بعض الاسابيع في شهر يناير وفبراير (1 الى 2) يعد الأدنى منذ 15 سنة ما يشير الى الاوقات العصيبة التي مرت بها المصافي اواخر عام 2009 و بداية عام 2010 (المعدل في الربع الرابع 2009 كان 1.5 فقط).. وللمقارنة فإن هذا المؤشر كان يبلغ 17 في الربع الثاني من عام 2007 وهو أفضل ربع لهوامش التكرير العالمي كما كان يراوح بين 7 و 15 خلال عامي 2007 و 2008 وهي الفترة التي تسمى بالعصر الذهبي للمصافي..

الخلاصة: يمكن توقع ان يتذبذب اداء المصفاة على حسب هوامش الفرق بين سعر الخام والمنتجات المكررة وأقدر أنه عند انتظام تشغيل جميع حدات المصفاة فإن هوامش الربح ستتراوح  بين خسارة 2 % و ربح 6 % من اجمالي مبيعات المنتجات المكررة على حسب تطور اسعار بيع المنتجات المكررة وفرقها عن سعر الخام مستقبليا .. وكما شاهدنا من الرسم البياني اعلاه فإن هناك بوادر انفراج في هوامش المصافي خلال شهري مارس وأبريل واستمرار هذا الانفراج و تحسنه سيكون خبرا جيدا لقطاع التكرير في بترو رابغ خلال الربع الثاني..

في المقال القادم سنتحدث عن الجانب الاكثر إشراقا بالنسبة لنشاط الشركة وهو قطاع البتروكيماويات بما في ذلك تقديرات الربحية..