اهتمت دولة قطر منذ مطلع الثمانينيات بالصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتجلى ذلك من خلال توفير المناطق الصناعية اللازمة لإقامة تلك الصناعات عليها، وتقديم حزمة من الحوافز المتمثلة في تقديم الأراضي بإيجارات رمزية، وتوفير الخدمات كالكهرباء والماء بأسعار زهيدة، والإعفاء من الرسوم الجمركية على الواردات من المواد الخام والآلات والمعدات، فضلاً عن إعفاء صادراتها من الرسوم أيضاً. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط بل تعداه إلى إعطاء الأولوية لمنتجات الصناعات الوطنية في المشتريات الحكومية، وتسهيل استقدام العمالة اللازمةلهذه المشروعات من الخارج إن لزم الأمر، وإنشاء بنك للتنمية الصناعية منذ عام 1997 لتقديم القروض الميسرة للمشروعات، والعمل بالتعاون مع منظمة الخليج للاستشارات الصناعية على إعداد دراسات الجدوى للمشروعات الصناعية التي يثبت نجاحها وجدواها، والترويج لهذه الدراسات بين أصحاب الأعمال.
ورغم التقدم الذي حققته دولة قطر في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العقود الثلاثة الماضية وارتفاع ناتجها بالأسعار الجارية إلى 25.3 مليار ريال، ورغم ما وفرته تلك الصناعات للمجتمع المحلي من سلع وخدمات ضرورية، إلا أنها ظلت بوجه عام دون المستوى المأمول فيه. فمن ناحية ظلت مساهمة هذه الصناعات في الناتح المحلي الإجمالي محدودة، وذلك إذا ما قيست بحصتها في الناتج علماً بأن الحصة الكلية للصناعات التحويلية في الناتج لعام 2008- بما في ذلك الصناعات الثقيلة- قد بلغت نسبتها 6.8%. كما أن حصة قطاع الصناعة من القروض والتسهيلات الائتمانية من القطاع المصرفي لم تزد عن 2%. ونتيجة لذلك، فإن الصناعات الصغيرة والمتوسطة في دولة قطر ظلت لم تكن قادرة على إحداث نقلة كبيرة في الأداء الاقتصادي لدولة قطر ينقله من مصاف الدول النامية إلى مصاف الدول المتقدمة، كما هو الحال في دول تحقق لها ذلك بفضل صناعاتها الصغيرة والمتوسطة ومنها كوريا وإيرلندة والبرازيل وغيرها.
وقد أولى حضرة صاحب السمو الأمير هذا الموضوع اهتماماً خاصاً منذ وقت مبكر، وطالب بقيام شراكة حقيقية بين القطاع العام والخاص من أجل النهوض بقطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة على نحو ما فعلت دول أخرى. لكن لأن القطاع الخاص تحكمه في العادة حسابات الربح والخسارة، فإن إقدامه على إنشاء مشروعات جديدة قادرة على المنافسة إقليمياً وعالمياً، قد حالت دونه عقبات كثيرة تمثلت في قلة الخبرة وعدم توافر العمالة المقيمة ذات التدريب التخصصي العالي، وإنعدام مراكز البحث والتطوير والابتكار، وغياب الحاضنات الصناعية التي توفر البيئة والمناخ اللازمين لقيام صناعة متطورة.
ومن أجل ذلك كان لا بد من أن تأخذ الحكومة زمام المبادرة في الموضوع بإنشاء جهاز في وزارة الأعمال والتجارة أُطلق عليه إسم جهاز قطر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة برأسمال ملياري ريال. ووفقاً لما ورد في خطاب معالي رئيس مجلس الوزراء فإن هذا الجهاز يهدف إلى توفير بيئة ملائمة تساهم في تنمية قدرات أصحاب المبادرات التي تتميز بالابتكار والإبداع وإنشاء المشاريع المختلفة التي تحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، والتي تهدف إلى النهوض بهذا القطاع الهام ليشكل نواة أساسية يكون لها دور مباشر للتنمية المستدامة في الدولة. وشدد رئيس الوزراء على أن التنويع الاقتصادي بات امراً أساسياً لقطر لكي تتمكن من مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية في المستقبل، مؤكداً أن الدولة تسعى من خلال جهاز قطر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى تطوير وتبني الأساليب المختلفة لدعم التعاون بين القطاعين العام والخاص، كما تسعى إلى تطوير ثقافة تحفيز وتشجيع روح المبادرة لدى الشباب.
وإذن فهذا الجهاز الجديد، يضاف إلى ما قامت به وزارة الطاقة والصناعة، وإدارة التنمية الصناعية بوجه خاص من جهود لتحفيز القطاع الخاص على القيام بالمبادرات في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن المهام التفصيلية لهذا الجهاز لم تتضح بعد، فهل سيقوم بإنشاء الحاضنات الصناعية، أم باختيار المشروعات الصناعية المناسبة التي تنتج منتجات وتوفر خدمات صناعية تحتاجها الشركات الكبيرة العاملة في دول المنطقة، أم أن على الجهاز البحث عن شركاء من القطاع الخاص لأخذ زمام المبادرة في تلك المشروعات؟ وما مدى مساهمةإدارة التنمية الصناعية في هذا الموضوع وماهية علاقتها المستقبلية بجهاز قطر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
إن الأسئلة بهذا الخصوص كثيرة وتحتاج إلى إجابات وافية عليها من الجهات المعنية ومن الجهاز نفسه، وأن يتم الإعلان عما توصلت إليه ورش العمل التي انعقدت لهذا الغرض منذ يوم 26 أبريل الماضي. إن الترويج للجهاز الجديد في أوساط الجامعات ولدى أصحاب الأعمال بالتعاون مع غرفة التجارة والصناعة، لهو أمر مهم في نجاح الجهاز الجديد في القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقة وفي إحداث تنمية مستدامة بعد أن أوشكت دولة قطر على إنجاز كافة مشروعاتها الصناعية الثقيلة في مجال الغاز والبتروكيماويات.