منذ منتصف عام 2009م و حتى الآن، تعرض الاقتصاد العالمي لعديد من الهزات بدأت أولى هذه الهزات مع تعثر مجموعتي سعد والقصيبي مروراً بتعثر مجموعة دبي العالمية ثم مروراً بالأزمة التي تتعرض لها اليونان ثم أخيراً أزمة قضية الاحتيال المرفوعة ضد شركة جولدمان ساكس، وبالتالي أصبح الاقتصاد العالمي أشبه بالقارب الذي يخر منه الماء من عدة ثقوب، وكلما سددنا ثقباً ظهر لنا ثقب جديد، في حين لا يزال المستثمرون حول العالم يبحثون عن إجابة للسؤال الكبير: هل انتهت الأزمة الاقتصادية العالمية أم لا؟
للإجابة عن هذا السؤال المهم، يجب أن نفرق بين الخروج من الركود الاقتصادي و الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية لأن هناك خلطاً واضحا بين هذين المفهومين، لذلك عندما ندقق جيدا في المؤشرات الاقتصادية للدول المتقدمة، سنجد أن اقتصاديات هذه الدول أظهرت تحسناً ملموساً ساعدها على الخروج من الركود الاقتصادي لكنها بالتأكيد لم تخرج حتى الآن من الأزمة الاقتصادية العالمية، وهذا هو المهم. ما يؤكد ذلك أن تقارير صندوق النقد الدولي وآراء كبار الاقتصاديين لا تزال تحذر من احتمالية حدوث أزمة اقتصادية أخرى في أي وقت خلال الفترة المقبلة!!
هنا يجب أن نضع في الحسبان أن معدلات البطالة حول العالم لم تتحسن بالشكل المطلوب وهو ما يضعف الإنفاق الاستهلاكي الذي يعد المحرك الرئيس لاقتصاديات الدول المتقدمة، كما أن معدلات التضخم بدأت في الارتفاع التدريجي مما يدل على أن الضغوط التضخمية بدأت تشكل خطراً حقيقياً على هذه الاقتصاديات فيما لو واصلت الارتفاع وهو ما قد يجبر البنوك المركزية العالمية على رفع أسعار الفائدة، وهي ظاهرة بدأنا نشاهدها على أرض الواقع في عدة دول منها: أستراليا والهند وقريباً يبدو أننا سنشاهدها في دول كبرى مثل: الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي والبرازيل.
أيضاً يجب أن نضع في الحسبان أن التحسن الذي شهدته دول العالم في الفترة الماضية كان في الحقيقة نتيجة طبيعية لضخ تريليونات من الدولارات في الاقتصادات على شكل خطط إنقاذ وتوسع في الإنفاق الحكومي، إلا أن ذلك أتى على حساب مديونيات الدول التي ارتفعت أيضاً إلى مستويات مقلقة، وبالتالي يبدو لنا أن ملامح الأزمة الاقتصادية المقبلة من المحتمل أن تكون على شكل تعثر سيادي (كما في اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا وإيرلندا والأرجنتين وفنزويلا وغيرها) وهو بلا شك أكثر خطورة من تعثر الشركات.
بقي أن أشير إلى إعلان عديد من الدول المتقدمة عن نيتها سحب خطط التحفيز اعتبارا من حزيران (يونيو) المقبلة، وهو تصرف قد يفسر من زاويتين مختلفتين (إيجابية وسلبية)، لكنني على كل حال أعتقد أن القيام بمثل هذه الخطوة في هذا الوقت سيكون له نتائج سلبية على المدى القصير بسبب أن اقتصادات تلك الدول تعتمد بشكل رئيس على الإنفاق الاستهلاكي الذي لا يزال ضعيفاً نسبياً ومعتمداً على خطط التحفيز من الحكومات، في حين لا تزال معدلات البطالة عند أعلى مستوياتها، وهو أمر سيقلقني كثيراً خلال الشهور المقبلة والله أعلم!!
قرائه رائعه استاذ محمد الله يستر