تعودت أن أكتب للقارئ في موضوعات الاقتصاد الكلي والمالي بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي وما تحققه القطاعات المختلفة من نمو اقتصادي وعن معدلات التضخم، وأن أغوص في أرقام الموازنة العامة للدولة للتعرف على ما تعكسه من سياسات مالية، أو في أرقام الجهاز المصرفي لاستكشاف أوضاع السيولة، ومعالم السياسة النقدية، أو أن أقدم تحليلاً عن أداء بورصة قطر في يوم أو في أسبوع، أو أن أبحث في النتائج المالية للشركات المساهمة التي صدرت أو تلك التي ستصدر، لاستقراء تأثيراتها المحتملة على أسعار الأسهم المحلية .
كما تعودت أن أكتب عن موضوعات النفط والغاز والصناعة وفي تقارير المنافسة الدولية، وعن التجارة الخارجية وميزان المدفوعات، وعن الاقتصاد العالمي والمؤسسات الاقتصادية الدولية. ولكني أكتب اليوم عن موضوع يتصل بالاقتصاد الجزئي الذي يتصل مباشرة بالإنسان من حيث هو مستهلك للسلع والخدمات. فقد أولت الحكومة القطرية عناية كبيرة لحماية المستهلك من تلاعب بعض التجار بالأسعار أو من الغش التجاري القائم على الترويج لبضاعة مقلدة أو فاسدة لإنتهاء صلاحيتها. وأنشأت الحكومة لهذا الغرض إدارة لحماية المستهلك بوزارة الأعمال والتجارة، ودأبت هذه الإدارة على نشر قوائم بأسعار مجموعة كبيرة ومنوعة من السلع الأساسية في الصحف ووسائل الإعلام، مع الرقابة والتفتيش الميداني في الأسواق والمحلات التجارية لاكتشاف المخالفين أو المتلاعبين للقرارات الصادرة بهذا الشأن .
كل هذا جميل ورائع ويخدم مصالح المستهلكين وخاصة من ذوي الدخل المحدود، ويشيع حالة من الإطمئنان بين الناس إلى وجود من يسهر على مصالحهم ويعمل على خدمتهم، ويحقق العدالة بينهم . ومع ذلك هناك على ما يبدو من أصحاب المحلات التجارية من تفتق ذهنه عن حيل جديدة للتلاعب في الأسعار بطرق مبتكرة بحيث تتم زيادة الأسعار المحفوظة على جهاز الدفع الإلكتروني عند الكاشير دون أن ينتبه المستهلك وخاصة من لا يراجع فاتورته بدقة . وقد اكتشفت ذلك بالصدفة وتكرر الأمر معي في أكثر من هايبر ماركت، مما يستدعي تنبيه الناس إلى هذا الأمر، وإلى دعوة الجهات المسؤولة في وزارة الأعمال والتجارة إلى تطوير أساليب التفتيش للتأكد من عدم التلاعب أو التزوير في الأسعار .
ولكي يكون الأمر أكثر وضوحاً أشير إلى أنني أدقق عادة في الأسعار المعلنة على رفوف المحلات فلا أشتري سلعة إلا بعد الإطمئنان إلى أن سعرها معقول ومناسب. صحيح أن أسعار السلعة الواحدة يختلف من محل إلى آخر في إطار المنافسة المشروعة بين المحلات، وبما يتناسب مع جودة السلعة المقدمة، وبمدى جودة خدمة البيع المقدمة للزبائن، أو بقدرة المحلات الكبيرة على خفض أسعارها استناداً لما توفره اقتصادات الحجم من قدرة على الشراء بكميات كبيرة، وذلك كله شيئ مفهوم ، ولكن التباين في سعر السلعة من مكان إلى آخر يكون محدوداً بنصف ريال أو ريال، أو بنسبة مئوية محدودة في مطلق الأحوال .
أما أن يزيد سعر السلعة بعدة ريالات دون مبرر فذلك شيئ غير مقبول، ويصبح الأمر مرفوضاً ومستهجناً إذا وجدت أن سعر السلعة المُعلن على الرف مغاير تماماً للسعر المسجل في الفاتورة. وفي المرة الأولى التي اكتشفت فيها الأمر اعتقدت أن ذلك ربما يعود إلى خطأ بشري في إدخال سعر السلعة على جهاز التسعير، ولكن عندما تكرر الأمر على أكثر من سلعة في مرة واحدة في محل آخر أدركت أن في الأمر تعمد للغش وأكل لمال المستهلك بالباطل، وبدون وجه حق .
وقد لا يطول الأمر كل السلع وإلا لافتضح الأمر، ولكنه قد يتعلق ببعض السلع التي يلتقطها الزبون من على الرف دون أن يتوقف كثيراً عند سعرها، فأنت تدقق في أسعار الخضروات واللحوم والأسماك التي تشتريها لأنك تشتري بالتجزئة فتسأل عن السعر وتذهب للميزان، فلا يكون هناك مجال للتلاعب في ظل الرقابة على الأسعار المُعلنة وعلى مدى سلامة أجهزة الوزن الإلكترونية . ولكن وضع البضائع المُسعرة والموضوعة على الرفوف مختلف ويحتمل تغيير السعر. وعندما واجهت الكاشير بهذا الاختلاف بين السعر المُعلن والسعر المخزن في الجهاز قال ربما طرأت زيادة حديثة على الأسعار!!!! فقلت مستهجناً هل تطرأ الزيادة على السعر المخزن ولا تطرأ على السعر المعلن؟؟؟؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كانت عمليات التفتيش على الأسعار تنصب على الأسعار المُعلنة على الرفوف أم في مدى مطابقتها للأسعار المحفوظة والمخزنة على جهاز الدفع عند الكاشير، وهل يتم التأكد من عدم وجود نُظم تسعير مزدوجة بحيث إذا جاء المفتش إطلع على الأسعار المطابقة، في حين يتم استخدام الأسعار غير المطابقة مع فواتيرالزبائن؟؟
الأمر في النهاية يحتاج إلى انتباه من المستهلك الذي عليه أن يراجع فاتورته جيداً قبل أن يخرج من المحل، وأن يدقق النظر في الأسعار المُعلنة التي اشترى بها لاكتشاف ما إذا كان هناك فرق أم لا، وأن يسأل عن أسباب الاختلاف إن وُجد، وعليه أن لا يسأم من تكرار هذا الأمر في كل مرة، فهو بذلك لا يحمي نفسه من التلاعب فقط، ولكنه يساعد في منع حدوث هذا التلاعب أصلاً ويوقف ظاهرة قد تستشري مع الأيام، خاصة إذا ما اشتدت المنافسة بين المحلات ولم يجد البعض منها إلا هذه الطريقة للتنافس مع الآخرين والحفاظ على زبائنه بطريقة غير مشروعة وغير أمينة . وأرجو في النهاية أن تكون الحالات التي صادفتها حالات فردية وأن لا يعدو الأمر أكثر من كونه خطأ بشري غير متعمد.