قدمت هولندا للعالم مفهوم المؤسسات الاستثمارية في القرن التاسع عشر، لكن الفضل في إنشاء صناديق الاستثمار يعود إلى أمريكا التي ظهرت بها في أعقاب الكساد العظيم بنهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وأصدرت لها تنظيما ينضوي تحت قانون شركات الاستثمار، ولكن أواخر القرن الماضي شهد طفرة كبيرة في أحجام الصناديق عالميا وتعدُّد أنواعها. وفي السوق السعودي يوجد قرابة 300 صندوق مرخص حاليا، بينها أكثر من الثلث تتعلق بالسوق السعودي فقط. وبعد تراجع أداء السوق منذ العام 2006 وُضِعت في قفص الاتهام بأنها أحد أسباب الضغط على السوق، بل والمساهمة في تكبيد الناس خسائر فادحة.
ولكنَّ الحقيقة أن هذه الصناديق بُنيت على آلية لا تعطيها المرونة الكافية لتخفيف حجم المخاطر؛ كونها مرتبطة بحركة السوق دون أية أدوات تحوُّط لقلة الخيارات الاستثمارية أمامها من ناحية التعاملات؛ وبالتالي تماشت مع المنطق الكلاسيكي، وهو تتبعها للمؤشر الإرشادي؛ حيث تتمحور مكوناتها بنسب القطاعات والشركات في السوق؛ فيكون أداؤها مقاربا لحركة السوق من ناحية الارتفاع والانخفاض، ويبقى لدور مدير الصندوق تحقيق نتائج أفضل بنسب قليلة سواء عند التراجع أو الارتفاع، وهو ما يُحكم من خلاله على المهنية التي يُدار بها الصندوق.
وبعد أن أصبحت هذه الصناديق تخضع لإشراف الهيئة تنظيميا باتت تحت المراقبة، ووُضِعت الضوابط المعيارية التي تحد من أي تلاعب أو أخطاء تؤثر على السوق؛ فهي في النهاية تعمل بأموال المستثمرين؛ وبالتالي فإن دور الهيئة منعها من القيام بأي نشاط يشكّل مخاطرة عالية بخلاف التأثيرات على السوق المالي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، على اعتبار أن الهيئة تراقب حركتها اليومية كما هي الحال بالنسبة إلى أي محفظة فردية: هل تُسائل الهيئة أي صندوق على أداء قد يكون غريبا خلال فترة قصيرة جدا؟ فقد سمعنا من الهيئة سابقا استفسارات من شركات تحقق أسهمها ارتفاعات متتالية خلال فترة قصيرة عن الأسباب، ويأتي دائماً الرد بأنه لا توجد معلومات جوهرية لدى الشركة تعكس حقيقة الارتفاع.
فهل تسأل الهيئة صندوقا ما عن سبب ارتفاعه بنسب تفوق أداء السوق بمراحل خلال أيام محدودة رغم أن السوق لم يحقق نسباً قريبة من حجم مكاسب الصندوق؟.. ويمثل صندوق فالكوم للأسهم المحلية عينة من هذه الصناديق؛ حيث ارتفع بنسبة قاربت 7 % خلال أسبوع واحد في الفترة الممتدة من 7 إلى 14 إبريل رغم أن السوق المالي لم يحقق سوى 1 % خلال الفترة من 1 إلى 14 إبريل. وكون الصندوق عاماً وليس متخصصا بقطاع معين فإن أداءه فاق أداء السوق بأكثر من 6 أضعاف وبنصف المدة التي ذكرتها؛ وبالتالي فإن أداء الصندوق يفترض طرح تساؤل من الهيئة حول أسلوب حركته وقدرته على تحقيق مثل هذه المكاسب. وشرعية التساؤل تأتي من طبيعة عمل الصناديق التي يفترض ابتعادها عن المخاطر والدور المطلوب منها باستقرار أداء السوق، مع ضرورة أن يكون أداؤها أفضل ولكن بنسب قليلة. وما يثير الاستفهام أيضا هو تقلب رأس مال الصندوق بشكل كبير؛ حيث انخفضت أصوله من 296 إلى 226 مليون ريال خلال الفترة بين شهري ديسمبر 2009 إلى فبراير 2010 رغم أنه بقي يحقق نموا تماشيا مع أداء السوق الإيجابي منذ بداية العام، وإن كان بنسب محدودة جدا قياسا بأداء السوق، وهذا يعني أنه لم يحقق خسائر، وأيضا نفترض أنه لا يمكن أن يكون هناك سحوبات من الصندوق بهذا الحجم الكبير من المشتركين كون السوق إيجابيا.
إنَّ ذكر صندوق فالكوم بوصفه مثالا لا يأتي من مبدأ أنه متفرد بذلك أو أنه مخالف لأنظمة الهيئة؛ فبالتأكيد هو ملتزم بمعاييرها حسب نظام عمل الصناديق وترخيصها، بل إن الحاجة ضرورية لمناقشة جميع الصناديق المرخصة للعمل بالسوق، وتأتي التساؤلات حول أداء الصناديق وضرورة تمحيص حركتها أيضا من مبدأ تفنيد طرق تقييم أدائها الذي تعتمدها المؤسسات التي تملك حق إدارتها وضرورة أن يكون هناك ضوابط أشد صرامة تحكم هذا الجانب بخلاف رفع مستوى الشفافية بالسوق، وذلك من خلال توضيح مكونات كل صندوق؛ لأنها تمثل مؤشرا إرشاديا للأفراد حتى يتمكنوا من اتخاذ قراراتهم بالسوق من خلال محاكاة الصناديق؛ لأنها تُدار من مختصين يُفترض أنهم على مهنية عالية بعد أن اتخذت الهيئة إجراءات الترخيص لممارستهم العمل وفق معايير محددة يخضعون فيها لاختبارات الحصول على الرخصة المهنية. إنَّ دور الصناديق يبقى بمقياسه العام أساسيا لنجاح أي سوق بالتحوُّل نحو العمل المؤسسي المهني، واستطاعت في أسواق عديدة أن تلعب دورا محوريا بضبط أدائها وجذب الأموال للاستثمار فيها، وخدمت اقتصاديات كبيرة بطرق التمويل والاستثمار، ولكن تحسين مستوى الرقابة عليها أيضا كان له دور بارز بتحقيق تلك المعادلة رغم أن القصور التنظيمي أوجد سلبيات أظهر جزء كبير منها الأزمة المالية العالمية، ويعمل الآن على معالجتها حتى تبقى لهذه الأدوات التي توظف أموال الأفراد الدور الرائد في تحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها.
إرتفاع الصندوق كان خلال فترة نتائج... مأعتبرها شيء غريب.