عندما يحضر الحديث عن البترول فإن اسم المملكة العربية السعودية يكون المتلازمة التي لا يمكن إلا الاستشهاد بها في سياق تشريح واقع سوقه وصناعته، ليس لأنها تملك أكبر الاحتياطات أو من أكبر المنتجين عالمياً، بل لأنها صمام الأمان لاستقرار أحوال هذه السلعة الحيوية التي تشغل الحيز الأكبر في حياة الشعوب، فلطالما تحركت المملكة في الأوقات المناسبة عندما يعتري البترول تقلبات حادة سواء بالأسعار أو الإمدادات إيماناً منها بأن هذه الثروة التي حباها الله بها هي ليست ملكية تريد أن تستأثر بعوائدها فقط بل أيضاً هي السلعة الإستراتيجية لاقتصاد العالم واللاعب الرئيس في بث الحيوية فيه، فكانت الأمينة على مصالح الشعوب بأن تفرض واقع الاستقرار والطمأنينة لحال وواقع الأسواق، ولخير ما يمكن أن يضعه المرء من شواهد ستبقى ماثلة أمام الشعوب كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مناسبات عديدة، وضع فيها النقاط على الحروف، وأوضح بشكل جلي سياسة المملكة حول البترول التي تتميز بها قولاً وفعلاً بعد أن عبر عن تطلعات المملكة لجمع كل الأطراف من منتجين ومستهلكين تحت قبة واحدة لتكون بيتاً يقررون فيه كل ما يهم العالم لضمان استقرار إمدادات وأسعار النفط من خلال إنشاء أمانة عامة دائمة يكون مقرها الرياض تتحمل المملكة تكاليفها لتغرس المفهوم الجديد للغة الحوار البناء والمسؤول بين الدول بكلا الطرفين، فقد قال -حفظه الله- في الدورة السابعة لمنتدى الطاقة الدولي التي عقدت بالرياض في 17 نوفمبر العام 2000م «ومن أجل ذلك فإن المملكة ترى أهمية إنشاء أمانة عامة ودائمة لمنتدى الطاقة يكون هدفها السعي إلى بناء جسور بين الدول المنتجة والمستهلكة والشركات البترولية ومجموعة المستهلكين وكل من له اتصال أو ارتباط بالصناعة البترولية وأن السعي أيضاً إلى إيجاد قاعدة شاملة ودقيقة وشفافة من المعلومات والدراسات عن جميع المواضيع المرتبطة بصناعة الطاقة»
فملكنا المفدى المعروف بمبادراته العظيمة معروف بشافيته وصراحته المطلقة عند تشخيص الواقع، فإنه يعطيه أدق الأوصاف التي تعكس حقيقته، وهذا ما تجلى في كلمته التي افتتح فيها مقر الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي، حيث أصبح الحلم حقيقة في 19 نوفمبر العام 2005 عندما خاطب العالم مبيناً حقيقة واقع أسواق النفط وما يعتريها من تجاذبات أثرت سلباً على استقرارها، مبيناً أن المسؤولية يجب أن يتحملها الجميع لا أن تكال الاتهامات للمنتجين دون النظر إلى كل الأطراف والعوامل التي تشكل الصورة الكبرى لأسواق البترول، فقد قال -حفظه الله: «إلا أن كل الجهود التي تبذلها الدول المنتجة لن تؤتي ثمارها ما لم يقابلها موقف إيجابي من الدول المستهلكة الرئيسة وذلك بالحد من المضاربات التي تحدث بسوق البترول ومقاومة الإشاعات الكاذبة والمعلومات المضللة التي تشوه حقائق السوق، كما أن على هذه الدول تخفيف العبء على مواطنيها بخفض الضرائب على المنتجات البترولية إذا ارتفعت أسعار البترول».
وبالرغم من كل ما تحمله السوق البترولية من مفاهيم اقتصادية إلا أن ملك الإنسانية والذي لم يتوان لحظة على تقديم المساعدات للشعوب الفقيرة، وفي خضم الحراك الكبير للدول الكبرى من منتجين ومستهلكين كانت الشعوب الفقيرة حاضرة بذهنه شاعراً بآلامها جراء الارتفاع الكبير لأسعار البترول العام 2008 عندما تخطت حاجز 147 دولار أمريكي، فبالوقت الذي دعا فيه لاجتماع جدة للطاقة في 22 يونية 2008 لنزع المخاوف من أسواق النفط ومعالجة حالة الارتباك التي اعترت الأسواق وتفنيد الاتهامات التي وجهت للمنتجين في محاولة لتبرئة ساحة المؤثرين الفعليين بتلك الأسعار المرتفعة دون أن يشعروا بوقعها على أحوال فقراء العالم قدم الملك الكريم مبادرته التاريخية وهي «الطاقة من أجل الفقراء» فقال:
«أيها الإخوة والأخوات: إيماناً من المملكة بدورها التاريخي في مجال الطاقة وأهمية التعاون الدولي في شؤون الطاقة وإدراكاً لضرورة مساعدة الشعوب الفقيرة في هذه الظروف الصعبة التي تعاني فيها من ارتفاع كل السلع والسلع الغذائية بوجه خاص»
فقد أوضح خادم الحرمين الشريفين حقيقة دور المملكة التاريخي بصناعة الطاقة وما تؤثر به على قوت الشعوب عندما يعتريها الخلل بأن أول ما يشعر به هو آلام الفقراء عندما يتعرضون للجوع، فقد أعلن استعداد المملكة لتقديم الدعم للصناديق التي تقدم الدعم للشعوب الفقيرة من خلال البنك الدولي عبر اجتماع مع الداعمين والممولين لبرامج التنمية وصندوق أوبك للتنمية الدولية، وخصص مبلغ 500 مليون دولار من المملكة لدعم المشاريع التنموية وبرامج تأمين الطاقة للفقراء من شعوب الأرض. فملك الإنسانية لقب عبر عن جوهر خادم الحرمين الشريفين في زمن لا يعرف إلا المال لغة له وتحركه المصالح بعيداً عن هموم الشعوب، وبذات الوقت فإن المبدأ الحاضر دائماً بمنهجية المملكة التي يقودها شخصية تاريخية في مرحلة زمنية صعبة تتمثل بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كل الأصعدة والمواقف وخصوصاً البترول هي أن المملكة عامل استقرار له في وقت أقل ما يسمى بأنه عصر الاضطراب.