في سوقٍ تتسارع فيها التغيرات المالية، وتتعاظم فيها المنافسة بين الكبار، يبدو أن البنوك السعودية تعيش واحدة من أكثر مراحلها نضجًا واستقرارًا في السنوات الأخيرة، فالأرقام التي كشفتها نتائج الربع الثالث من عام 2025 لا تعكس مجرد نموٍ في الأرباح، بل تروي قصة قطاع مصرفي أعاد ترتيب أولوياته ونجح في الجمع بين النمو والانضباط المالي، في ظل بيئة اقتصادية تتسم بالتحول الهيكلي والمنافسة المحتدمة، من يقرأ نتائج البنوك الكبرى يلمس بسهولة أن الأداء العام يسير في منحى تصاعدي متزن، يقوده مصرف الراجحي الذي واصل ترسيخ مكانته كأكبر البنوك السعودية ربحية وأكثرها كفاءة، إذ حقق أرباحًا صافية تجاوزت 18.4 مليار ريال خلال التسعة أشهر الأولى من العام، بنمو بلغ نحو 30 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

هذه القفزة ليست وليدة الصدفة، بل نتيجة مزيج دقيق من التوسع الذكي في التمويل، والقدرة على إدارة تكلفة المخاطر، ومرونة نموذج الأعمال الذي استطاع أن يتكيف مع متغيرات أسعار الفائدة دون أن يفقد توازنه، الراجحي يمثل اليوم صورةً لمدرسة مصرفية محافظة في فلسفتها، طموحة في أدائها، فبينما اختارت بعض البنوك خوض سباق النمو عبر التوسع السريع في محفظة القروض، ظل الراجحي يركز على جودة الأصول والتمويل المضمون بالأفراد والقطاع السكني، وهو ما جعل هوامش ربحه أكثر استقرارًا. كما أن دخله من الاستثمارات نما بوتيرة متوازنة، ما يعكس قدرة البنك على موازنة المخاطر وتحقيق عوائد مجزية في آن واحد.
البنك الأهلي السعودي حقق أرباحًا قاربت 18.6 مليار ريال خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2025، بنمو يقارب 19 في المئة عن الفترة المماثلة من العام الماضي. يعكس الأداء ثباتًا واستقرارًا أكثر من كونه قفزة في النمو، إذ جاء مدعومًا بارتفاع دخل التمويل والاستثمار وتحسن الكفاءة التشغيلية، مع سيطرة واضحة على المصاريف رغم ارتفاع تكلفة الودائع بفعل أسعار الفائدة. حافظ البنك على جودة أصول قوية ونسب رأسمال وسيولة مريحة تفوق المتطلبات النظامية، ما يعزز قدرته على تمويل المشروعات الكبرى ضمن “رؤية 2030”. تحليليًا، يبدو الأهلي في مرحلة ترسيخ للنضج المالي بعد الاندماج مع سامبا، مركزًا على الكفاءة والاستدامة أكثر من التوسع السريع، ليؤكد مكانته كأحد أعمدة القطاع المصرفي السعودي الأكثر توازنًا واستقرارًا.
أما بنك الرياض فقد حافظ على موقعه ضمن الصف الأول، محققًا أرباحًا بلغت نحو 7.8 مليارات ريال، بنمو يقارب 10 في المئة. اللافت في أداء البنك هو قدرته على تنويع مصادر الدخل وتحقيق نمو في العمولات الخاصة بأكثر من 12 في المئة رغم الزيادة في المصاريف التشغيلية والمخصصات. بنك الرياض يبدو وكأنه يهيئ نفسه لمرحلة توسع نوعي في الخدمات الاستثمارية وإدارة الأصول، مستفيدًا من تحسن شهية السوق نحو الأدوات المالية والصكوك، ومن مكانته المتنامية في تمويل المشروعات الكبرى.
أما البنك السعودي الفرنسي، فقصته هذا العام مختلفة قليلًا. أرباحه التي بلغت 4.09 مليارات ريال تعكس تحسنًا في الكفاءة التشغيلية وانخفاضًا ملحوظًا في مخصصات الائتمان بنسبة تقارب 9 في المئة، إلى جانب نمو معقول في العمولات الخاصة. البنك الذي عُرف تاريخيًا بنهجه المتحفظ بات أكثر جرأة في إدارة محفظته الائتمانية، وأظهر مرونة واضحة في تحقيق العوائد في ظل سوق تنافسية. ومن زاوية أخرى، فإن انخفاض المخصصات في أكثر من بنك سعودي يعكس تحسنًا عامًا في جودة القروض وتراجعًا في نسب التعثر، وهي إشارة على قوة البيئة الائتمانية المحلية واستقرارها.
البنك العربي الوطني بدوره واصل مسار النمو المستقر، مسجلًا نحو 3.97 مليارات ريال، بزيادة 7 في المئة. ورغم أن معدل نموه أقل مقارنة ببعض منافسيه، إلا أن استراتيجيته المحافظة والمتدرجة في التوسع تمنحه ثقة عالية واستدامة طويلة المدى. البنك لا يسعى وراء الأرقام السريعة بقدر ما يركز على بناء قاعدة عملاء صلبة واستثمارات طويلة الأجل.
وبالنظر إلى بنك البلاد، فإن أرقامه هذا العام تحمل دلالة مهمة. فالأرباح التي بلغت 2.2 مليار ريال بنمو 11 في المئة جاءت مدفوعة بارتفاع دخل التمويل والاستثمار بنسبة 7 في المئة، إلى جانب انخفاض كبير في المخصصات بنسبة 28 في المئة. وهذا يعني أن البنك نجح في إدارة مخاطره بكفاءة، وبدأ يجني ثمار التوسع في المنتجات الرقمية والمصرفية الإسلامية الحديثة. بنك البلاد يمثل اليوم نموذجًا للبنك متوسط الحجم الذي عرف كيف ينافس الكبار دون أن يفقد هويته أو يتورط في مخاطر مفرطة، أما بنك الجزيرة فقد سجل واحدة من أعلى نسب النمو في القطاع بنسبة 20 في المئة، رغم أن أرباحه المطلقة لا تزال محدودة مقارنة بالعمالقة. هذا النمو يعكس تحسنًا في كفاءة التشغيل وزيادة في صافي دخل التمويل والاستثمار بنسبة 17 في المئة، ما يثبت أن البنوك الصغيرة نسبيًا تستطيع أن تحقق أداءً لافتًا متى ما امتلكت المرونة والقدرة على استثمار التحول الرقمي لصالحها.
ورغم التباين في حجم الأرباح ومعدلات النمو بين بنك وآخر، إلا أن هناك خيطًا مشتركًا يجمعها جميعًا: ارتفاع دخل العمولات الخاصة والأنشطة الاستثمارية نتيجة بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، وتحسن جودة الأصول بفضل إدارة أكثر حذرًا للمخاطر، إلى جانب استقرار السيولة في النظام المصرفي ككل. هذه العوامل مجتمعة أسهمت في رسم مشهد مصرفي متماسك، يوازن بين الطموح والعقلانية، وبين النمو وضبط التكاليف، ومع ذلك، فإن الصورة ليست خالية من التحديات. فارتفاع المصاريف التشغيلية بدأ يضغط على هوامش الربحية لدى بعض البنوك، خاصة مع التوسع في التكنولوجيا المالية وتكاليف الامتثال التنظيمي المتزايدة، كما أن المنافسة على الودائع بين البنوك الكبرى والمتوسطة بدأت تتصاعد تدريجيًا في ظل سعي الجميع للحفاظ على نسب كفاية السيولة المطلوبة، ومع اقتراب تطبيق بعض المتطلبات الجديدة من بازل 3 بشكل كامل، فإن إدارة رأس المال ستظل أحد أهم ملفات المرحلة المقبلة، من زاوية الاقتصاد الكلي، يمكن القول إن هذه النتائج لم تأتِ في فراغ، فهي انعكاس مباشر لتحسن بيئة الأعمال في المملكة واستمرار الإنفاق الاستثماري العام ضمن مشروعات “رؤية 2030”، وهو ما خلق دورة مالية نشطة بين القطاعات، نقلت أثرها إلى القوائم المالية للبنوك. فكل قرض استثماري جديد لمشروع بنية تحتية أو صناعي، وكل تمويل عقاري للأفراد، يضيف نبضًا جديدًا في شرايين القطاع المالي.

البنوك السعودية، بعد عقدٍ من التحولات والاندماجات وتغير نماذج الأعمال، وصلت اليوم إلى مرحلة نضج تجعلها أكثر استعدادًا لمنافسة إقليمية حقيقية. فهي لم تعد مجرد وسيط مالي بين المودعين والمقترضين، بل باتت جزءًا من منظومة التنمية الوطنية. من يراقب استراتيجياتها الجديدة يلحظ أن الاتجاه يسير نحو الابتكار في الخدمات، والرقمنة الشاملة، والاستثمار في التقنيات المالية والشراكات مع الشركات الناشئة. وهذا التحول النوعي سيعيد تعريف مفهوم البنوك السعودية خلال السنوات المقبلة. في المقابل، أخشى أن يركن بعض البنوك إلى وهم الاستقرار، فاستمرار الأرباح المرتفعة لا يعني غياب المخاطر. إن الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة الذي دعم الأرباح مؤخرًا قد يتحول إلى سيفٍ ذي حدين إذا تباطأت وتيرة النمو الائتماني أو تراجعت شهية الاقتراض لدى الأفراد، كما أن الاعتماد المفرط على الدخل من التمويل دون تنويع كافٍ في الاستثمار وإدارة الأصول قد يجعل بعض البنوك عرضة لتقلبات السياسة النقدية.
نقلا عن الرياض



البنوك ترتفع ارباحها بسبب الطلب على التمويل ، التمويل صار حول 30% من محافظها .. يا كثر التمويل في السعودية ، حتى محافظ البنوك الاستثمارية صارت قائمة على التمويلات وليس على انشطة استثمارية تجارية.. السؤال هل التمويل كافي حتى يساعد الفرد يحرك مشاريع وينمو هو الآخر ، اعتقد سقف التمويلات لا يكفي .. والمشكله ان المبالغ التي ندخرها تحتاجلها عشر سنوات عشان تنفع كمشروع استثمار والطامة الكبرى ما تلقى دعم ولا احد يقول لك كيف واين تترزق الله وحتى تلقى المكان المناسب يبيلك تلعق الصبر والشوك.. ما لقينا المكان الصح الا في نهاية العمر وحنا شيبان.. انا الان بكامل صفاء النية واختصر عليكم مشوار طويييل يا الاخوان اللي مثلي واللي اقترب من سن التقاعد بنك تجارة كابيتال بالامارات هو الوحيددد اللي يبحث عن استثمار بتكلفة بسيطة راس مال متوضع والعوائد تجيك كزخ المطر ما لقيت غيرهم يبنون محفظة متنوعة مع رؤية واضحة وافق زمني واضح وارباح شهرية تنزل بحسابي وتشيل هم المصاريف ويصير لادخار ممكن اللي يبحث عن الأمان المطلق والضمانات والراحة النفسية والعوائد المجزية هذه معادلة صعب تلقاها فلذلك هم ندرة وعزة الله ان خطوة المجازفة والاشتراك معهم قلبت الموازبن وتقرب المستحيل وكان المفتاح لابواب كثير تعسرت
على حساب الفائدة المرتفعه علينا بشكل غير مبرر في دولنا النامية التي ليس فيها تضخم يستدعي ذلك.